حكم تحديد الربح بمقدار معين من صاحب الشركة

4 دقائق
25 جمادى الثاني 1447 (16-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

السؤال: هل يجوز تحديد مقدار الربح بين صاحب المال والعمل، كما تفعله بعض الشركات اليوم؟

الجواب: الأصل عدم جواز تحديد مقدار الربح بقدر معين محدد من المضارب لصاحب المال، إنما يكون الربح بين الطرفين بنسبة معينة من الربح لا من رأس المال، وعلى هذا اتفق العلماء قديما وحديثا.

فالمضاربة متى كان المال من طرف، والعمل من طرف آخر، وجب تحديد قدر رأس المال المشارك فيه صاحب المال، ويجب تحديد نسبة من الربح بين صاحب المال وبين الشركة، ولا تكون النسبة من رأس المال إنما تكون النسبة شائعة من الربح بمقدار الربع أو الثلث أو النصف أو نحوها مما يتفقان عليه.

وإليكم أقوال العلماء في هذه المسألة:

قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض أي عقد المضاربة إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها فيحصل على جميع الربح، واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءً وقد يربح كثيرًا فيستضر من شرطت له الدراهم".

وقال الإمام السرخسي رحمه الله في”المبسوط”(22/ 27، ط. دار المعرفة): [ولو اشترطا لرب المال من الربح مائة درهم والباقي للمضارِب، فهذه مضاربةٌ فاسدةٌ؛ لأن هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله، فربما لا يحصل إلا قدر المائة] اه.

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في”المغني”(5/ 51، ط. مكتبة القاهرة) في سياقِ ذِكْرِه جملةَ ما تفسدُ به المضاربة: [ما يعود بجهالة الربح مثل أن يشترط للمضارب جزءًا من الربح مجهولًا، أو ربح أحد الكسبين] اه. ثم قال: [أو يشترط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه، أو يشترط جزءًا من الربح لأجنبي، فهذه شروطٌ فاسدةٌ؛ لأنها تُفْضِي إلى جهلِ حقِّ كلِّ واحد منهما من الربح، أو إلى فواته بالكلية، ومن شرط المضاربة كونُ الربحِ معلومًا] اه.

وجاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20من شعبان 1415ه- 21/1/1995م: قد نظر في هذا الموضوع، وقرر:

"أنه لا يجوز في المضاربة أن يحدد المضارب لرب المال مقدارًا معينًا من المال، لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة، ولأنه يجعلها قرضًا بفائدة، ولأن الربح قد لا يزيد على ما جعل لرب المال فيستأثر به كله، وقد تخسر المضاربة، أو يكون الربح أقل مما جعل لرب المال، فيغرم المضارب. والفرق الجوهري، الذي يفصل بين المضاربة والقرض بفائدة- الذي تمارسه البنوك الربوية- هو أن المال في يد المضارب أمانة، لا يضمنه إلاّ إذا تعدى أو قصر، والربح يقسم بنسبة شائعة، متفق عليها، بين المضارب ورب المال. وقد أجمع الأئمة الأعلام: على أن من شروط صحة المضاربة، أن يكون الربح مشاعًا بين رب المال والمضارب، دون تحديد قدر معين لأحد منهما. والله أعلم".

وفي فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله : "الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول لله، أما بعد: فإن تعيين الربح بمبلغ معلوم في المضاربة أو غيرها من أنواع الشركات لا يجوز، بل يبطل به العقد؛ لأن ذلك يفضي إلى أن يربح أحد الشريكين أو الشركاء ويخسر الآخر، وإنما يكون الربح مشاعًا؛ كالنصف أو أقل أو أكثر بإجماع أهل العلم. والله ولي التوفيق".

أما لو كان التحديد بنسبة من الربح فيجوز:

قال الإمام السرخسي رحمه الله في”المبسوط”(22/ 23، ط. دار المعرفة): [ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شيء فللمضارب ربح نصف المال أو قال: ربح عشر المال، أو قال: ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة؛ لأن في هذا المعنى اشتراطَ جزء شائع من الربح للمضارب؛ إذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح وبين أن يشترط له ربح عشر المال ولا أجر للمضارب في عمله هنا إن لم يحصل الربح؛ لأن عند صحة المضاربة هو شريك في الربح، فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه. وإذا دفع إليه ألف درهم فقال: خذ هذه الألف مضاربة بالثلث، أو قال: بالخمس، أو قال: بالثلثين، فأخذها وعمل بها فهي مضاربة جائزة] اه.

فهذه أقوال وفتاوى العلماء قديما وحديثا على أن تحديد الربح بقدر محدد في العقد يعد العقد فاسدا بهذه الصورة ولا يصح، وتكون كل عقود الشركة مع عملائها فاسدة لا تترتب عليها آثارها، فيجب المسارعة لتصحيح العقد بأن تكون لصاحب المال نسبة من الربح وأكرر من الربح وليس من رأس المال، فيتفق المتعاقدان على أن لرب المال: النصف أو الثلث أو الربع أو غيره من الربح، حسب خبرة صاحب العمل.

فشروط صحة المضاربة ثلاثة:

الأول: أن يكون مجال العمل مباحا، فتحرم المضاربة مع من يعمل في محرم.

الثاني: ألا يضمن العامل رأس المال، لأنه إن ضمنه صارت المعاملة دائرة بين أحد أمرين -وكلاهما محرم-: إما مضاربة فاسدة، وإما ربا، لأنه بضمان رأس المال تكون المعاملة قرضا، وتكون الأرباح التي يأخذها صاحب رأس المال هي في مقابلة القرض، فتكون ربا.

الثالث: أن تكون لصاحب المال نسبة من الربح وليس من رأس المال، فيتفق المتعاقدان على أن لرب المال: النصف أو الثلث أو الربع أو غيره من الربح حسب خبرة العامل في هذا النوع من التجارة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق