التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وبعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405هـ إلى يوم الاثنين جمادى الأولى 1405هـ الموافق 19-28- يناير 1985م، قد نظر في الملاحظات التي أبداها أعضائه، حول ما أجازه المجمع في الفقرة الرابعة، من البند الثاني من القرار الخامس المتعلق بالتلقيح الصناعي وطفل الأنابيب الصادر في الدورة السابعة المنعقدة في الفترة ما بين 11-16 ربيع الآخر 1404هـ، ونصها:

 

((إن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين، وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم))

يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة، وملخص الملاحظات عليها:

 (إن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها، على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها، في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة، ثم تلد توأمين، ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البويضة من ولد معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين، ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر، الذي لا يعلم أيضاً أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج، ويوجب ذلك من اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة)

كما استمع المجلس إلى الآراء التي أدلى بها أطباء الحمل والولادة الحاضرين في المجلس، والمؤيدة لاحتمال وقوع الحمل الثاني من معاشرة الزوج، لحاملة اللقيحة، واختلاط الأنساب على النحو المذكور في الملاحظات المشار إليها.

 

بعد مناقشة الموضوع، وتبادل الآراء فيه، قرر المجلس: سحب حالة الجواز الثالثة المذكورة في الأسلوب السابع، المشار إليها من قرار المجمع، الصادر في هذا الشأن في الدورة السابعة عام 1404هـ بحيث يصبح قرار المجلس المشار إليه في موضوع التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب على النحو التالي:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد نظر في الدراسة التي قدمها عضو المجلس مصطفي أحمد الزرقاء حول التلقيح الاصطناعي، وأطفال الأنابيب، الأمر الذي شغل الناس، وكان من أبرز قضايا الساعة في العالم، واستعرض المجلس ما تحقق في هذا المجال من إنجازات طبية، توصل إليها العلم والتقنية في العصر الحاضر، لإنجاب الأطفال من بني الإنسان، والتغلب على أسباب العقم المختلفة المانعة من الاستيلاد.

وقد تبين للمجلس من تلك الدراسة الوافية المشار إليها أن التلقيح الاصطناعي بغية الاستيلاد (بغير الطريق الطبيعي وهو الاتصال الجنسي المباشر بين الرجل والمرأة) يتم بأحد طريقتين أساسيتين:

- طريق التلقيح الداخلي، وذلك بحقن نطفة الرجل، في الموضع المناسب من باطن المرأة.

- وطريق التلقيح الخارجي، بين نطفة الرجل وبويضة المرأة، في أنبوب اختبار في المختبرات الطبية، ثم زرع البويضة الملقحة (اللقيحة) في رحم المرأة.

ولابد في الطريقتين من انكشاف المرأة على من يقوم بتنفيذ العملية.

 

وقد تبين لمجلس المجمع الفقهي، من تلك الدراسة المقدمة إليه في الموضوع، ومما أظهرته المذاكرة والمناقشة، أن الأساليب، والوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي، بطريقيه الداخلي والخارجي، لأجل الاستيلاد، هي سبعة أساليب، بحسب الأحوال المختلفة، للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان، وللخارجي خمسة من الناحية الواقعية، بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعاً، وهي الأساليب التالية:

 

في التلقيح الاصطناعي الداخلي:

الأسلوب الأول:

أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج، وتحقن في الموضع المناسب داخل مهبل زوجته، أو رحمها، حتى تلتقي التقاء طبيعياً بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته، ويقع التلقيح بينهما، ثم العلوق، في جدار الرحم -بإذن الله- كما في حالة الجماع، وهذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور، لسبب ما، عن إيصال مائه في المواقعة إلى الموضع المناسب.

 

الأسلوب الثاني:

أن تؤخذ نطفة من رجل، وتحقن في الموضع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا، ثم العلوق في الرحم، كما في الأسلوب الأول، ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيماً لا بذرة في مائه، فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.

 

في طريق التلقيح الخارجي:

الأسلوب الثالث:

أن تؤخذ نطفة من زوج، وبويضة من مبيض زوجته، فتوضعا في أنبوب اختبار طبي، بشروط فيزيائية معينة، حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته، في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر، تنقل في الوقت المناسب، من أنبوب الاختبار، إلى رحم الزوجة نفسها -صاحبة البويضة- لتعلق في جداره، وتنمو وتتخلق ككل جنين. ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية، تلده الزوجة طفلاً أو طفلة. وهذا هو طفل الأنبوب، الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله، وولد به إلى اليوم عدد من الأولاد، ذكوراً وإناثاً وتوائم، تناقلت أخبارها الصحف العالمية، ووسائل الإعلام المختلفة.

ويلجأ إلى هذا الأسلوب الثالث، عندما تكون الزوجة عقيماً، بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب).

 

الأسلوب الرابع:

أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار، بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة، ليست زوجته (يسمونها متبرعة)، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.

ويلجؤون إلى هذا الأسلوب، عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً، ولكن رحمها سليم، قابل لعلوق اللقيحة فيه.

 

الأسلوب الخامس:

أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار، بين نطفة رجل وبويضة من امرأة، ليست زوجة له (يسمونهما متبرعين)، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة.

ويلجأون إلى ذلك، حينما تكون المرأة المتزوجة، التي زرعت اللقيحة فيها، عقيماً بسبب تعطل مبيضها، لكن رحمها سليم، وزوجها عقيم ويريدان ولداً.

 

الأسلوب السادس:

أن يجري تلقيح خارجي، في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.

ويلجؤون إلى ذلك، حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل. لسبب في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحملº ترفها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها.

 

- هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي الذي حققه العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل.

وقد نظر مجلس المجمع الفقهي، فيما نشر وأذيع أنه يتم فعلاً تطبيقه في أوروبا وأمريكا من استخدام هذه الإنجازات، لأغراض مختلفة، منها تجاري ومنها ما يجري تحت عنوان (تحسين النوع البشرى)، ومنها ما يتم لتلبية الرغبة في الأمومة، لدى نساء غير متزوجات، أو نساء متزوجات، لا يحملن بسبب فيهن، أو في أزواجهن، وما أنشئ لتلك الأغراض المختلفة، من مصارف النطف الإنسانية التي تحفظ فيها نطف الرجال، بصورة تقانية، تجعلها قابلة للتقليح بها إلى مدة طويلة، وتؤخذ من رجال معينين أو غير معينين، تبرعاً أو لقاء عوض، إلى آخر ما يقال إنه واقع اليوم في بعض بلاد العالم.

 

النظر الشرعي بمنظار الشريعة الإسلامية:

هذا وإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة، مما كتب ونشر في هذا الشأن، وتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها، لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة، وما تستلزمه، قد انتهى إلى القرار التفصيلي التالي:

 

أولاً: أحكام عامة:

 (أ) إن انكشاف المرأة المسلمة، على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي، لا يجوز بحال من الأحوال، إلا لغرض مشروع، يعتبره الشرع مبيحاً لهذا الانكشاف.

(ب) إن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها، أو من حالة غير طبيعية في جسمها، تسبب لها إزعاجاً -يعتبر ذلك غرضاً مشروعاً، يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.

(ج) كلما كان انكشاف المرأة، على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحاً لغرض مشروع، يجب أن يكون المعالج، امرأة مسلمة - إن أمكن ذلك- وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب. ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها، إلا بحضور زوجها، أو امرأة أخرى.

 

ثانياً: حكم التلقيح الاصطناعي:

1- إن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد، تعتبر غرضاً مشروعاً، يبيح معالجتها بالطريق المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي.

2- إن الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته نفسها، في طريقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعاً - بالشروط العامة الآنفة الذكر- وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية، لأجل الحمل.

3- إ ن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية، من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحهما خارجياً، في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها، صاحبة البويضة) هو أسلوب مقبول مبدئياً في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تماماً، من موجبات الشك، فيما يستلزمه، ويحيط به من ملابسات، فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد أن تتوافر الشرائط العامة الآنفة الذكر.

4- وفي حالتي جواز الاثنتين، يقرر المجمع: أن نسب المولود، يثبت من الزوجين مصدري البذرتين، ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود، من الرجل والمرأة، يثبت الإرث وغيره من الأحكام، بين الولد ومن التحق نسبه به.

5- وأما الأساليب الأخرى، من أساليب التلقيح الاصطناعي، في الطريقين الداخلي والخارجي، مما سبق بيانه، فجميعها محرمة في الشرع الإسلامي، لا مجال لإباحة شيء منها، لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها، ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين.

هذا، ونظراً لما في التلقيح الاصطناعي - بوجه عام - من ملابسات، حتى في الصورتين الجائزتين شرعاً، ومن احتمال اختلاط النطف، أو اللقائح في أوعية الاختبار، ولاسيما إذا كثرت ممارسته وشاعت، فإن مجلس المجمع الفقهي: ينصح الحريصين على دينهم، أن لا يلجؤوا إلى ممارسته، إلا في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف، أو اللقائح.

 

هذا ما ظهر لمجلس المجمع الفقهي، في هذه القضية، ذات الحساسية الدينية القوية، من قضايا الساعة، ويرجو الله أن يكون صواباً، والله - سبحانه - أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وولي التوفيق.وصلى الله على سيدنا محمد، على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply