بسم الله الرحمن الرحيم
\"...والغريب أن هذه المبادئ قد نالت حظاً واسعاً بالانتشار في عقول كثير من المسلمين، وبعض المنتسبين للفكر والعلم! وعقدت الكثير من اللقاءات والندوات الفكرية والحوارية باسمها، لأجل التنظير لها، والمنافحة عنها... \"
يرى المفكرون أن من أصيب بالانهيار الداخلي، والهزيمة النفسية تجاه من يعاديه فإنه سيحاول جاهداً بقدر المستطاع أن يثبت بأنه محب له ومسالم، فلا بأس أن يهدي له كلمات المحبة والود والإخاء، ولو كان ذلك على حساب عقيدته التي ينتمي إليها ويستظل بظلها.
واليوم ونحن نشاهد أعداء الإسلام وقد كشروا عن أنيابهم، وأبدوا ما كان مخبئاً في صدورهم ومكنون قلوبهم، من عداوتهم للمسلمين، وإرادة الشر والمكر بهم، فلا عجب أن نجد كثيراً من الكبراء أو المنتسبين للعلم والفكر حين يتنازلوا عن أصول الدين، وثوابته العظام، خشية أن يصمهم عدوهم بأنهم (متشددين) أو(أصوليين).
و لا يزال هؤلاء وأمثالهم إلا انبطاحاً للكفار، ويتزايد سقوطهم الفكري شيئاً فشيئاً، لإرضاء شرذمة الكفر، وعصابة الإجرام - وقد لا يشعرون - ويكون حالهم كما قال الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله *** والــزاد حتى نعــله ألقــاها
ومع تتابع الحملات الصليبية على الإسلام والمسلمين بعد أعقاب الحدث التاريخي السبتمبري، وتأكيدهم على أهمية حرب ما يسمى (بالإرهاب)، فإنهم أكدوا أن هذه الحملة لن تقتصر على القوة العسكرية فحسب، بل هي حملة واسعة النطاق، عريضة الجبهة، ومن أهدافها محاربة عقيدة الإسلام، وقيمه العظام، ومبادئه السامية. وإن من المبادئ التي يسعى (التحالف الصليبي) لبثها في الأوساط الإسلامية، وخاصة بين النخب العلمية والمثقفة، والذين لهم تأثيرهم على أتباعهم ومريديهم، مبدأ(الإخاء الإنساني) أو (الإنسانية) ومن ثم إلى (الإخاء الديني) و(التلاحم الفكري) محاولين أن يصنعوا لها ألواناً براقة [1]، تخلب الألباب، وتثير المشاعر، فيتلقفها المسلمون، وتسري في عروقهم تلك المبادئ حتى النخاع، وعندئذٍ, يتحقق للصليبين ما أرادوا نشره، وتنجح لعبتهم الماكرة لكسب المسلمين بجانب صفهم، وصدق الله حين وصفهم بقوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [2].
والغريب أن هذه المبادئ قد نالت حظاً واسعاً بالانتشار في عقول كثير من المسلمين، وبعض المنتسبين للفكر والعلم! وعقدت الكثير من اللقاءات والندوات الفكرية والحوارية باسمها، لأجل التنظير لها، والمنافحة عنها، حتى ظنت طائفة من المسلمين بأنها مصطلحات (خير وبر) وما دروا أن السم دس في العسل، وصدق من قال:
كم حديث يظنه المرء نفعاً *** وبه لو درى يكون البلاء
فلنكشف الأوراق ولنظهر الحقائق:
المُرَاجِعُ لتلك المبادئ وحين يردها إلى أصلها وجذورها التاريخية، سيجد أن من أوائل من بدأ بالتركيز على إبرازها هي: (الحركة الماسونية) وأذنابها من المستعمرين [3] الحاقدين، أو ممن تلبس بلباس الإسلام من المنهزمين وكان متأثراً ببعض نظم تلك الحركة... و لست مبالغاً فإن هذه المنظمة العالمية قد بنت ركائز فكرها، ودعائم منهجها على ثلاث مبادئ: (الحرية - الإخاء - المساواة) وهم يسعون لنشرها بكل ما أوتوا من قوة مادية أو معنوية، حتى يتلقفها الجهلة، ويكونوا بوقاَ لنشرها والتعريف بها.
وقد ذكر الأستاذ: عبد الله التل في كتابه (جذور البلاء) [4] مترجماً لكلام اليهود في بروتوكولاتهم ما نصه:
\"كنا أول من اخترع كلمات الحرية والإخاء والمساواة التي أخذ العلماء يرددونها في كل مكان دون تفكير أو وعي، وهي كلمات جوفاء لم تلحظ الشعوب الجاهلة مدى الاختلاف بل التناقص الذي يشيع في مدلولها، إن شعار الحرية والمساواة والإخاء الذي أطلقناه، قد جلب لنا أعواناً من جميع أنحاء الدنيا\" ا. هـ.
وبغض النظر عن صحة البروتوكولات ونسبتها للماسونية اليهودية أو عدمها، فإنهم قطعوا على أنفسهم عهداً بنشرها ليغزوا بها عقول المسلمين. ولهذا فقد أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى قيمة، بعد أن اطلعوا على أفكار تلك الحركة الخبيثة، وما يهدفون إليه من نشر الثقافات الكافرة، والكتابات الماكرة، وكان في تلك الفتوى ما نصه:
\"أنها - أي الحركة الماسونية - تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب\" [5] ا. هـ
الشريعة الإسلامية ومصطلح (الإخاء):
قد بينت الشريعة الإسلامية حقيقة وكيفية(الإخاء) كما في الوحيين: (الكتاب والسنة) وهي:
1) أُخوة الدين: فمن كان كافراً فهو أخ للكافر، ومن كان مسلماً فهو أخ للمسلم، ومنه قوله - تعالى -: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [6]، وإنما أداة حصر فقد حصر الله الأخوة بين المؤمنين فقط، ومنه قوله - تعالى -: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [7]، أي في دين الإسلام[8]، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - (المسلم أخو المسلم) [9]، ولذا فإنه لما خاف الخليل إبراهيم - عليه السلام - من بطش الطواغيت بزوجته سارة قال عنها (إنه أختي) أي أخته في الدين الحنيف الذي يجمع بينهما وهو الإسلام.
ولذا فقد بين - عز وجل - أن المنافقين ليسوا بمسلمين وأنهم إخوان للكافرين فنزع أخوتهم من المسلمين وقرنهم بالأخوة التي تربط بينهم وبين أسيادهم الكافرين فقال: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون} [10]. قال ابن الجوزي عند قوله - تعالى -: {يقولون لإخوانهم}: أي في الدين لأنهم كفار مثلهم وهم اليهود} [11].
2) أخوة القرابة والنسب: ومنه قوله - تعالى -: {كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} [12] وقد نص جمع من المفسرين بأن المقصود بهذه الأخوة في هذا الموضع بأنها أخوة النسب، ومنهم الشوكاني حيث يقول: \"أي أخوهم من أبيهم لا أخوهم في الدين\" [13]، ومن هذا قوله - تعالى -لموسى: {اذهب أنت وأخوك بآياتي} [14]، والمقصود به هارون - عليهما السلام - والذي كان أخاً لموسى من أب وأم.
زوبعة عصرية، وإثارة قضية:
أثار بعض المفكرين العصريين والمناصرين لمبدأ (الإخاء الإنساني) بأن هذا المصطلح قد ذكره بعض المفسرين في كتبهم، وأن له دليل من القرآن، مثل
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد