الحمد لله وبعد:
فقد دار بين بعض إخواني من طلبة العلم جدال لطيف حول حكم إطلاق (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود، فأحببت أن أبحث هذه المسألة، لعلَّ الله - تعالى -يوفقني للصواب فيها...آمين.
عند التأمٌّل في هذه المسألة أنَّ إطلاق لفظ (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود لا يليقº لأنَّ الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: \" إن الله - تعالى -لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك\".
فهم إذاً لم يعقبوا ولم يتناسلوا، بل ماتوا بعد مضيِّ ثلاثة أيام كما حكاه جمع من التابعين، فكيف نقول عنهم بأنَّهم أحفادهم؟!
وعليه فإنَّ في ذلك تجاوزاً، وإن كان بعض مشايخنا جوَّزوا هذا الإطلاق عليهم، كشيخنا الفقيه الأصولي: محمد صدقي البورنو المكنَّى بأبي الحارث الغزِّي - حفظه الله - ومتَّعنا بعلمه حيث سألته فقال: يجوز إطلاق ذلك ذمَّاً لهم وتوبيخاً، وإن لم يكونوا أحفاداً للقردة والخنازير، وقد قاس فضيلته ذلك بقوله - تعالى -حين قال لنبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يأمره بمخاطبة اليهود: (قل فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل) (البقرة: 91) وقد كان الخطاب ليهود المدينة، وهم لم يكن لهم يد في قتل الأنبياء السابقين، ولكنَّ ذلك من باب الذم لهم والإنكار على أفعالهم الشنيعة، حيث إنَّهم يشابهونهم في الصفات والأفعال القبيحة، هذا رأي شيخنا العلاَّمة البورنو (وله محلّه من النظر والاعتبار)!
بيدَ أنِّي أميل إلى أن يُطلَقَ عليهم أنَّهم: (إخوان القردة والخنازير) اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال لهم ذلك، ولمشابهتهم للذين مسخوا في العناد والتمرد على الله وعلى أنبيائه بغير الحق، فاستحقوا ذلكم النعت.
وهذا اللفظ أطلقته أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عـلى اليهود أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعاتبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن اليهود دخلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: السام عليكم فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه فقال: يا عائشة مه! فقالت: يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ قال: أو ما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة! لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه ولم ينزع من شيء إلا شانه). والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (3 / 241) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - وقال الألباني: (إسناده رجاله ثقات على شرط مسلم غير مؤمَّل وهو ابن إسماعيل البصري صدوق سيئ الحفظ) (إرواء الغليل 5/118).
وقد أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها -: \" أنَّه دخل يهودي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك يا محمد! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وعليك، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك فسكتٌّ، ثم دخل آخر فقال: السام عليك، فقال: عليك. فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، ثم دخل الثالث، فقال: السام عليك: فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهمº إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين\". أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم: (574) وحكم عليه الألباني كذلك بصحَّة إسناده في السلسلة الصحيحة (2/306).
وقد ثبت أنَّه - عليه الصلاة والسلام - قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم: \" يا إخوان القردة والخنازير، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ \" وقد ناداهم بذلكº لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبينه - صلى الله عليه وسلم - وموالاتهم الأحزاب ضدَّه، ولشتمهم إيَّاه. (الطبري(2/252) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير بتحقيق الوادعي: (1/207) ووردت في (إمتاع الأسماع صـ 243) بنص: \"يا إخوان القردة والخنازير وعبدة الطواغيت، أتشتمونني؟! \" بل ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره لآية76 من سورة البقرة نقلاً عن مجاهد قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة تحت حصونهم فقال: \"يا إخوان القردة والخنازير، يا عبدة الطاغوت\".
وقد ذكر الإمام ابن كثير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند عائشة - رضي الله عنها - قالت عائشة: فسلَّم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعاً وقمت في أثرهº فإذا بدحية الكلبي، فقال: هذا جبريل أمرني أن أذهب إلى بني قريظةº وقال: قد وضعتم السلاح لكنا لم نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسدº وذلك حين رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا، وقال لأصحابه: عزمت عليكم ألاَّ تصلٌّوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أن تدعوا الصلاة، فصلوا، وقالت طائفة: والله إنا لفي عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما علينا من إثم فصلَّت طائفة إيماناً واحتساباً وتركت طائفة إيماناً واحتساباً ولم يعنف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحداً من الفريقين، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرَّ بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال: هل مر بكم أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال: ذلك جبريل أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم: لم تكن فحاشاً فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم). قال الإمام ابن كثير بعد إيراده هذا الحديث في كتابه البداية والنهاية: ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وعن غيرها)(البداية والنهاية 4/119).
ومن خلال بحثي في هذه المسألة وجدت أنَّ الإمام القرطبي - رحمه الله - قد نعت اليهود بذلك قائلاً في تفسيره سورة الأعراف عند آية: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون)(الأعراف: 17) فقد وصف الإمام القرطبي هذه الآية بأنَّها من أمَّهات الشريعة، ثم قال: (إنَّ الله أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل إخوة القردة والخنازير عن القرية التي اعتدوا فيها يوم السبت).
بل قال - رحمه الله تعالى -عند تفسيره لقوله - تعالى -: (قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ, مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ وَجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَـئِكَ شَرُّ مَّكَاناً وَأَضَلٌّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) قال: (لما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم: يا إخوة القردة والخنازير! فنكسوا رؤوسهم افتضاحا، وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة الله على اليهود *** إن اليهود إخوة القرود).
ولهذا فالذي يظهر لي والله - تعالى -أعلم جواز إطلاق لفظ: (إخوان القردة والخنازير) على اليهود الملاعين.
نسأل الله - تعالى -أن يكفي المسلمين شرَّهم، وأن يحرِّر المسجد الأقصى وبلاد المسلمين من دنسهم، والله المستعان، وعليه التكلان، وصلَّى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد