الأخذ بالعرف في الكفاءة لا يتعارض مع الدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كثر الكلام عن مسألة \" كفاءة النسب\" بعد صدور حكم قضائي من إحدى محاكمنا بالتفريق بين زوجين، وسأقف مع نقطتين حول الموضوع:

- النقطة الأولى: تعامل بعض الكتاب ولا سيما ممن لا معرفة لهم بأمور الفقه والقضاء بل وحتى واقع مجتمعهم وثقافته الاجتماعية مع القضية، ودورها - مع الأسف - في التضخيم والتهويل من قضية التفريق والتركيز عليها فقط، دون التطرق لتشعبات القضية، وموضوعها الأصلي الذي بينته بعض صحفنا لاحقاً بمصداقية تشكر عليها، أضف إلى ذلك عدم رجوع بعض كتاب الصحافة إلى الجهة المعنية بالقضية وهي وزارة العدل، وإن كان من عتب فإنه يقع على وزارة العدل في عدم توضيح ملابسات القضية، والرد على الصحف إما عن طريق إصدار بيان أو عن طريق الناطق الرسمي لوزارة العدل.

والعجيب أن التضخيم الإعلامي للقضية جعل بعضاً ممن هم خارج بلادنا يتكلم بكلام غريب عجيب عن القضاء السعودي، بل ويسخر منه بقوله: \"حاجة تجنن\"!، ويطعن فيه بقوله: \"يحيد عن الشرع إلى أعراف الجاهلية\"!

- النقطة الثانية: العرف معتبر في الشريعة، ولذا كانت القاعدة الفقهية الكبرى\" العادة محكمة \" تفصل قضية العرف والعادة، يقول ابن عابدين الحنفي في رسائله:

والعرف في الشرع له اعتبار *** لذا عليه الحكم قد يدار

وفي المبسوط للسرخسي: \"الثابت بالعرف كالثابت بالنص...\"، لكن بشرط أن يكون العرف صحيحاً تقره قواعد الشرع، ويتفق مع مقاصده العامة، والكفاءة في النسب في مجتمع يحرص عليها ويعدها عرفاً، ليس كمجتمع لا يعتبرها، وقد قال ابن قدامة في المغني: \"... فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف \". ا. هـ.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - مفتي المملكة ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية سابقا في تقريرين ضمن \" مجموع فتاواه \" (10/117) في اعتبار العرف في مسألة الكفاءة عند أحد تقريراته قوله: وليست الكفاءة شرطاً في صحته. فيه قول أو رواية عن أحمد أنها شرط، لكن الصحيح أنها ليست شرطاً بل شرط للزوم لا للصحة، والأدلة على هذا معروفة. لكن شيئاً من الكفاءة مشترط للصحة - وهو إسلام الزوج المتزوج بمسلمة، وكذلك عكسه، ما لم تكن يهودية أو نصرانية. فالكفاءة هي المساواة، والكفء هو المساوي. ليس شرطاً للصحة أن يتساويا لا بالنسبة إلى قوة الدين وضعفه، ولا بالنسبة للصفات الأخرى وهي: النسب، والحرية، وصناعة غير زرية، ويسار. وهذه الأمور على حسب العرف إذا كانت تزري بصاحبها فهي شرط، وإن كانت لا تزري به فليست بشرط، فإن بعض البلاد يزري فيها غير ما يزري في الأخرى. فإن للناس مقامات وشيئاً من الشرف ينبغي في الشرع أن يحافظ عليها، سائغ أن يحافظ على موقفه وشرفه، وإن كان الشرع سوى بين الناس في الحقوق لكن سمح الشرع لهم بذلك\" انتهى كلام الشيخ.

وفي مجتمع كالمجتمع السعودي تراعي كثير من الأسر مسألة الكفاءة في النسب بحكم أنها جزء من مجتمع قبلي، وهو أمر متعارف عليه بينهم، فلا يمكن إلغاء أو تجاهل هذه القضية بسهولة، مع الإقرار بأن مسألة الكفاءة في الدين هي الغاية التي أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: \" فاظفر بذات الدين تربت يداك\".

قال الإمام النووي معلقاً على الحديث: \"الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين\".

ونقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي ما نصه: \"قال القرطبي: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولى\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply