إبطال تلبيسات الرفاعي ( 2-2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وآله وصحبه.

اطلعت على المقابلة التي أجرتها صحيفة السياسة الكويتية مع الأستاذ هاشم الرفاعي، ورأيت في أجوبة المذكور مغالطات وضلالات لا يمكن السكوت عنها، وإن كان المشائخ جزاهم الله خيراً قد سبقوني إلى الرد على هذه المغالطات والضلالات، لكن تأييداً لما قالوه في الرد عليه، أشارك في هذه التنبيهات دفاعاً عن الحق ورداً للباطل، فأقول مستعيناً بالله استكمالاً للحلقة الماضية:

13- ذكر الرفاعي مسألة التوسل فقال: هناك متوسل ومتوسل به ومتوسل إليه، وأنا متوسل والرسول - صلى الله عليه وسلم - متوسل به، والمتوسل إليه هو الله، فلماذا أشرك هنا كما يقول هؤلاء؟

{والجواب أن نقول: التوسل في اللغة هو التقرب والله - سبحانه وتعالى - يتقرب إليه بالأعمال الصالحة، فهي الوسيلة الصحيحة، وأما التوسل بالأشخاص فإنه غير مشروع، لأنه لا دليل عليه من الكتاب والسنة لا بالرسول ولا بغيره، والمتوسل بالأشخاص يكون مشركاً إذا دعاهم من دون الله أو ذبح لهم أو نذر لهم أو صرف لهم أي شيء من أنواع العبادة - كما يفعله القبوريون الآن عند القبور أو في أي مكان - كما فعل إخوانهم الذين قال الله فيهم: -{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} فسمي ذلك شركا نزه نفسه عنه، ومن التوسل بالأشخاص ما يكون بدعة ووسيلة إلى الشرك وليس هو شركا في نفسه إذا اقتصر فيه المتوسل على جعل المتوسل به واسطة بينه وبين الله في قضاء حاجته دون أن يصرف له شيئاً من أنواع العبادة، لأن الله - سبحانه وتعالى - أمرنا بدعائه مباشرة دون واسطة بيننا وبينه، قال - تعالى -: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} ولم يقل بواسطة أحد.

14- ثم قال الرفاعي: وأقول: إن أمور الدنيا مثل أمور الآخرة، فأنا عندما أبحث عن وظيفة ولم أجدها وأذهب إلى شخص يعرف مسؤول >كذا< والصواب: مسئولا في مؤسسة لكي أعمل في هـــذه المؤسسة، فهل أنا أشركت؟ ولماذا يكون أمر الآخرة خلافاً لـــذلك، لاسـيما أن الله - عز وجل - سمي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشفيع، ومعنى الشفيع أنه يشفع للناس ويوم القيامة - انظر إلى هذا التلبيس والتضـــليل ولا حول ولا قوة إلا بالله-

{والجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: إن أمور الدنيا لا تقاس على أمور الآخرة لما بينهما من التفاوت العظيم الذي يجعل القياس فاسداً، فالشخص في الدنيا يملك إعانتك بالوساطة بينك وبين من تطلبه من الناس، وأما في الآخرة فلا أحد يملك شيئاً للآخر، قال - تعالى -: {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئا}، {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه} فلا أحد يسأل أحداً.

الثاني: أن الله - سبحانه - لا يقاس بخلقه، فالمخلوق لا يعلم أحوال الناس إلا إذا بلغ عنهم، والله - سبحانه - يعلم كل شيء من أحوال عباده وهو أرحم بهم.

الثالث: إن المخلوق قد لا يكون في نفسه باعث لقضاء حاجة المحتاج إلا إذا ألح عليه بالواسطة، أما الله - سبحانه وتعالى - فهو يريد قضاء حوائج عباده ويرحمهم بدون واسطة ولهذا قال: {ادعوني أستجب لكم} ولم يقل وسطوا بيني وبينكم أحد لإجابتكم.

الرابع: إن المخلوق يشفع عنده الشافع ويتوسط لديه المتوسط، ولو لم يأذن ولم يرض ويضطر لقبول الشفاعة والوساطة لحاجته إلى الشافع والواسطة، أما الله - جل وعلا - فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ورضاه عن المشفوع فيه، قال - تعالى -: {وكم من ملك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} وذلك لغناه عن خلقه وعدم حاجته إليهم.

15- قال الرفاعي: وهؤلاء الجماعة جهلة ويتبعون ابن باز ويقولون عنه إمام من الأئمة، وأقول له: الجماعة الذين وصفتهم بالجهل لا يتبعون ابن باز من باب التعصب له، وإنما يتبعونه لأنه متمسك بأدلة الكتاب والسنة وهو إمام وإن أنكرت ذلك، لأن الإمام هو العالم القدوة، وابن باز جدير بذلك لسعة علمه وتقواه، ولم يحصل على الإمامة بالهيلمة والتلميع كما عليه أئمة الصوفية.

16- قال الرفاعي: قال العلماء - رحمهم الله - لا فرق في جواز التوسل بأحباب الله - تعالى - سواء كانوا في حياتهم الدنيوية أو بعد انتقالهم إلى الحياة البرزخية، فإن أهل البرزخ في حضرة الله، ومن توجه إليهم توجهوا إليه، أي في حصول مطلوبه.

{والجواب عن ذلك:

أولاً: أمور البرزخ من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وأما أمور الدنيا، فإن الناس يعلمونها بحسب مداركهم فبينهما فرق.

ثانياً: هناك فرق بين الحي والميت، فالحي قد يقدر على تحقيق ما يطلب منه، وأما الميت فلا يقدر على شيء، وقد انقطع عمله وهو بحاجة إلى الدعاء له، فكيف يدعى ويستغاث به.

ثالثاً: ما معنى قولك: -وهم في حضرة الله- هل هم مع الله فوق عرشه وفوق سماواته، أو هل هم يأخذون عن الله مباشرة كما تقوله الصوفية، فجيمع الأموات في قبورهم لا يخرجون منها إلا يوم البعث وليسوا في حضرة الله، وإنما هذا تعبير صوفي خاطئ ينزه الله عنه.

رابعاً: قولك من توجه إليهم توجهوا إليه، أي في حصول طلبه.

نقول: التوجه إنما يكون إلى الله - سبحانه -، لا إلى الأموات، والتوجه إليهم شركº لأنهم لا يقدرون على تحصيل مطلوبه كما تقول، قال - تعالى -: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}.

17- قال الرفاعي في ختام مقابلته: الدليل على التوسل بالأموات ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا رياء ولا سمعة، وإنما خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك)، قال الرفاعي: فهذا توسل صريح بكل عبد مؤمن حياً أو ميتاً، ثم ذكر الدليل الثاني عنده وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توفيت والدة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: (اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي)، قال الرفاعي: ومعنى الأنبياء من قبلي أن ذلك فيه التوسل بالأموات.

{والجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: لم يذكر الرفاعي درجة الحديثين، وقد قال العلماء قبل ابن باز وقبل ابن عثيمين: إن حديث (أسألك بحق السائلين) في سنده عطية العوفي وهو شيعي وضعيف مدلس وأيضاً لو صح فليس معناه التوسل بالأشخاص، وإنما معنى >حق السائلين< إجابة دعائهم كما قال - تعالى -: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} وإجابة الدعاء صفة من صفات الله، فهو يتوسل إليه بصفة من صفاته، والتوسل بأسماء الله وصفاته مشروع، كما قال - تعالى -: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وأما الحديث الذي ذكره في شأن فاطمة بنت أسد فعليه أن يثبته سنداً ومتناً، فإن صح فهو من جنس الحديث الذي قبله في المعنى، والله لا يجب عليه حق لأحد، وإنما هو - سبحانه - يتفضل على عباده فيكرمهم، والأنبياء لا يتوسل إلى الله بأشخاصهم، وإنما يتوسل إلى الله باتباعهم {ربنا آمنا بما أنزلت وابتعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}، فتقول: اللهم باتباعي لرسولك فاغفر لي.

 

18- قال الرفاعي: وهم الآن فصلوا الرجال عن النساء في الحج، ووضعوا حواجز أمام النساء لكيلا ترى البيت..إلى أن قال: وهل هؤلاء أغير على الإسلام من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن أبي بكر وعمر بن الخطاب وبقية الخلفاء الراشدين، ووضعوا الحواجز كذلك في المدينة المنورة، وهم يفعلون الآن أشياء وكأنهم يقولون: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مخطئاً.

{والجواب: أن الرفاعي إذا كان ينكر فصل النساء عن الرجال فهو يدعو إلى الاختلاط المثير للفتنة كما ينادى بذلك بعض كتاب الصحف، وأيضاً هو ينكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فصل النساء عن الرجال وقد فصلهن وجعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال، وقال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء أولها وشرها آخرها) فجعل للرجال صفوفاً وللنساء صفوفاً، حتى المرأة الواحدة تقوم وحدها خلف الصف لحديث أنس، قال: (صففت أنا ويتيم وراءه - يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا)، وأما وضع الحاجز بين الرجال والنساء في مسجدي مكة والمدينة، فلأن ذلك أستر لهن فهو من صالح الرجال والنساء، وليس الغرض منه أن لا يرين الكعبة كما يقول.

91 - قال الرفاعي: وهؤلاء جهلة ويتبعون ابن باز ويقولون عنه إنه إمام من الأئمة رغم أنه أنكر أن الإنسان وصل للقمر وقال: إن الأرض ليست كروية، إلى أن قال: ونقول: إن ابن باز كان عابداً وعالماً، ولكنه في مذهبه كان متشدداً ومتعصباً، إلى أن قال: ومع هذا أقول: إنه رجل متطرف في آرائه وفي اتهامه للمسلمين بالشرك والبدعة والضلال، هكذا تناقض في حق الشيخ ابن باز - رحمه الله - فتارة يصفه بأنه عالم عابد، ومرة يصفه بأنه متشدد في مذهبه ومتعصب ومتطرف في آرائه، وأنه يتهم المسلمين بالشرك والبدعة والضلال وينفي عنه الإمامة في العلمº لأنه لا يقول بكروية الأرض وينكر وصول الإنسان إلى القمر، وهل من شرط الإمامة التصديق بالنظريات الحديثة.

{والجواب عن ذلك أن نقول: أما أن الشيخ متشدد ومتعصب ومتطرف وأنه يتهم المسلمين عموماً بالشرك والبدعة والضلال، فهذا كله كذب وافتراء وغيبة قبيحة، فكل من عرف الشيخ ابن باز يكذب هذه الاتهامات، وهي لا تضر إلا من صدرت منه ولا تنقص من قدر الشيخ، بل يزيده الله بها رفعة وقد قيل:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * * * وينكر الفم طعم الماء من سقم

 

وأما أن الشيخ يكفر المسلمين ويتهمهم بالبدعة والضلال، فهذا من أعظم الكذب، فالشيخ لا يكفر ولا يبدع ولا يضلل إلا بحسب الأدلة الصحيحة، وعلى ضوء معتقد أهل السنة والجماعة، وكتبه شاهدة بذلك.

وأما أنه لا يقول بكروية الأرض، فهذا كذب عليه لم يقله وعلى الرفاعي أن يثبت لنا ذلك من كتب الشيخ، فقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على كرويتها، وأما صعود الإنسان إلى القمر، فالشيخ له رسالة مطبوعة ذكر فيها إمكان صعود الإنسان إلى الكواكب، وختاماً نقول للرفاعي: أمسك لسانك وقلمك عن الوقيعة في أهل العلم، فإن ذلك خير لك، واعلم أن الناس لا يصدقونك ولا يزيدك ذلك إلا مقتا، وعند الله تجتمع الخصوم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply