أعلام التصوف الحسين بن منصور الحلاج


 

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحسين بن منصور الحلاج

هو الحسين بن منصور بن محمي الحلاج، صحب جماعة من المشايخ الصوفية كالجنيد بن محمد وعمرو بن عثمان المكي وأبي الحسين النوري، وكان بعض مشايخ الصوفية أمثال أبو العباس بن عطاء البغدادي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصر أباذي، يصححوا له حاله، ودونوا كلامه، حتى قال ابن خفيف: الحسين بن منصور عالم رباني.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت إبراهيم ابن محمد النصر أباذي وعوتب في شيء حكى عن الحلاج في الروح فقال للذي عاتبه: إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج.

قال أبو عبد الرحمن: وسمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئاً واحداً، إلا أنه أظهر وكتمتُ. وقد روي عن الشبلي من وجه آخر أنه قال وقد رأى الحلاج مصلوباً: ألم أنهك عن العالمين.

ومما يدل على أنه كان ذا حلول في بدء أمره أشياء كثيرة، منها شعره في ذلك، فمن ذلك

قوله:

جبلت روحك في روحي كما * * *  يجبل العنبر بالمسك الفنق

فإذا مسك شيء مسني  * * * وإذا أنت أنا لا نفترق

وقوله:

مزجت روحك في روحي * * * كما  تمزج الخمرة بالماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني * * *  فإذا أنت أنا في كل حال

وقوله أيضا:

قد تحققتك في سر * * * ي فخاطبك لساني

فاجتمعنا لمعان * * * وافترقنا لمعان

إن يكن غيبتك التعظي* * * م عن لحظ العيان

فلقد صيرك الوج * * *  د من الأحشاء دان

وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكي أنه قال: كنت أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا. ففارقته.

قال الخطيب وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكوا الشيرازي سمعت أبا زرعة الطبري يقول الناس فيه يعني حسين بن منصور الحلاج بين قبول ورد ولكن سمعن محمد بن يحيى الرازي يقول: سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول لو قدرت عليه لقتلته بيدي فقلت له إيش الذي وجد الشيخ عليه, قال قرأت آية من كتاب الله فقال يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به, قال أبو زرعة الطبري وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين الحلاج لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده فبان لي منه بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر.

وذكر أبو القاسم القشيري في رسالته في باب حفظ قلوب المشايخ أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئاً في أوراق. فقال له: ما هذا. ؟ فقال: هو ذا أعارض القرآن. قال فدعا عليه فلم يفلح بعدها، وأنكر على أبي يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته.

وكتب عمرو بن عثمان إلى الآفاق كتبا كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه فشرد الحلاج في البلاد فعاث يمينا وشمالا, وجعل يظهر أنه يدعو إلى الله ويستعين بأنواع من الحيل ولم يزل ذلك دأبه وشأنه حتى أحل الله به بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين, فقتله بسيف الشرع الذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق والله أعدل من أن يسلطه على صديق, كيف وقد تهجم على القرآن العظيم, وقد أراد معارضته في البلد الحرام حيث نزل به جبريل, وقد قال-  تعالى - ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ولا إلحاد أعظم من هذا, وقد أشبه الحلاج كفار قريش في معاندتهم كما قال - تعالى – عنهم, وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين.  (البداية والنهاية: 11ـ132)

ولهذا فقد كان القدماء من الصوفية يذكرون أقواله في كتبهم دون ذكر اسمه، بأن يقولوا مثلاً: قال أحد الكبراء، (وهذا صنيع أبي بكر محمد الكلاباذي الذي ألف الموسوعة الصوفية الثانية بعد اللمع، وهو كتابه (التعرف على مذهب أهل التصوف).

وكذلك صنيع السراج الطوسي صاحب الموسوعة الصوفية الأولى (اللمع) وقد استشهد بكلام الحلاج في أكثر من خمسين موضعاً من كتابه مصدراً القول بقوله: قال بعضهم، أو قال القائل).

وفي القرن الخامس وما يليه ابتدأ بعض المتصوفة يصرحون باسمه، ويذكرون مقالاته، ويشهدون بفضله وسعته، فقد أشاد به أبو حامد الغزالي، وابن عربي، وعبد الغني النابلسي، وكل المتصوفة منذ القرن الخامس. وأما في العصر الحديث فقد كتب فيه طه عبد الباقي سرور كتاباً بعنوان: (الحلاج شهيد التصوف الإسلامي).

كل ذلك رغم أنه قد أُقيمت عليه البينة الشرعية، وقتل مرتداً سنة (309هـ)

قال الإمام الذهبي: ((كانت له بداية جيدة وتأله وتصوف، ثم انسلخ من الدين)). (سير أعلام النبلاء: 14/327).

وقال أبو حيان الأندلسي صاحب التفسير، في سورة المائدة عند قوله - تعالى -: ?لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم? (صفحة: 142-143): ((ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهراً، وانتمى إلى الصوفية، حلول الله في الصور الجميلة، وذهب من ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة، كالحلاج، والشعوذي، وابن أحلى، وابن عربي المقيم بدمشق، وابن الفارض، وأتباع هؤلاء كابن سبعين)). وعد جماعة ثم قال: ((وإنما سردت هؤلاء نصحاً لدين الله وشفقة على ضعفاء المسلمين)).

هاقد علمت -أخي الكريم-ظلال هذا الرجل ومروقه فلم نرى إلى يومنا هذا من يدافع عنه ويقيم المؤتمرات لتمجيد ذكراه؟

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply