صمامات عدم الرجوع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قد يستغرب البعض من تمسك الصوفية بمنهجهم وعقيدتهم، وعدم قبولهم للحجج والأدلة المبينة لضلالهم، والتي تُلقى بين أيديهم ظاهرة صارخة في كل حوار ونزال، حتى قال بعض محاوريهم: إن الحوار مع العلماني أسهل من الحوار مع الصوفي.

 

هذا الإصرار سببه تربية الصوفية الماكرة للمريد عندهم، والتي تعتمد على أسس تجعل المريد أسيراً بين يدي شيخه، وغريقاً في حبائله كمن وقع في الرمال المتحركة، كلما ازداد المريد سماعاً واتصالاً بشيخه كلما انغلق فكره وصُمّت أذنه، وذلك أن مشايخ الطرق يَعلمون مِن المريد حرصه على دينه وخوفه من عذاب ربه، فيعملون على تسييس هذا الخوف والتدين في مصلحة الشيخº فيتربى المريد عندهم وسط حالة من الفزع والخوف من مخالفة أوامر ونواهي الشيخ، ويقصون عليه القصص والحكايات، ويُقعدون له القواعد في ذلك، فسوء الخاتمة، وسلب الإيمان، والموت على غير الملة، أو العطب، أو...... كل هذا يترصد المريد إن أنكر، أو بدل، أو فكر حتى بالاعتراض.

 

وقد افتروا لهذا الاستعباد قواعد شهيرة عندهم، منها:

لا تعترض فتنطرد.

كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي غاسله.

أطفئ سراج عقلك وسر معي.

من قال لشيخه: لِمَ. لَم يفلح.

 

يقول عبد الكريم القشيري: ((ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان)).

[القشيرية: 181].

حتى أن بعض الصوفية كان يُقدم أمره ونهيه على أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

فهذا ذو النون المصري يقول: ((طاعة المريد لشيخه فوق طاعته ربه)).

[تذكرة الأولياء: 1/171].

 

وقال الصوفية أيضاً: الشيخ للمريد بدرجة لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول صاحب كتاب \"الإبريز\" أحمد بن المبارك عن شيخه عبد العزيز الدباغ ((وسمعت الشيخ - رضي الله عنه - يقول: الشيخ للمريد بدرجة لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإيمانه متعلق به، وكذا سائر أموره الدينية والدنيوية.

 

وقلت له ذات يوم: إني أخاف من الله - تعالى -من أمور فعلتها. فقال لي: ما هي؟ فذكرت له ما حصل. فقال لي - رضي الله عنه -: لا تخف من هذه الأشياء، ولكن أكبر الكبائر في حقك أن تمر عليك ساعة ولا أكون في خاطرك ـ فهذه هي المعصية التي تضرك في دينك ودنياك)).

[الإبريز: 405].

 

وحكم الصوفية على من قال: إن الطرق الصوفية لم يرد بها كتاب ولا سنة، بالكفر: فقالوا: ((وإياك أن تقول: الطرق الصوفية لم يأت بها كتاب ولا سنة فإنه كفر)).

[الحديقة الندية في الطرق النقشبندية: 31]

 

ولا يجوز الإنكار على شيوخ التصوف أبداً. يقول أحمد بن مبارك فيما يرويه عن شيخه عبد العزيز الدباغ: ((واعلم وفقك الله أن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب ولا يتقيد بمذهب من المذاهب. ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين!! ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه لأنه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته ويقال إنه خالف مذهب فلان في كذا، إذا سمعت هذا فمن أراد أن ينكر على الولي المفتوح عليه لا يخلو إما أن يكون جاهلاً بالشريعة كما هو الواقع غالباً من أهل الإنكار وهذا لا يليق به الإنكار والأعمى لا ينكر على البصير أبداً)).

[الإبريز: 192].

 

ويقول أحمد بن المبارك: ((سمعت الشيخ - رضي الله عنه - يقول: جاء بعض المريدين لشيخ عارف فقال له: يا سيدي القبول لله - عز وجل - ـ أي اقبلني عندك مريداً ـ فقال له: نعم، ثم أمره بالمقام عنده والعكوف على خدمته وأعطاه مسّاحة في رأسها كورة حديد زائدة لا نفع فيها إلا تثقيل المساحة وكان المريد هو وارث الشيخ بشرط أن لا ينتبه لكورة الحديد المذكورة فإن انتبه وقال ما فائدتها، ولأي شيء تصلح، ولا معنى لها إلا التثقيل فإنه لا يرث شيئاً. قال - رضي الله عنه - فبقي في خدمته سبع سنين وهو يخدم بالفأس ولا يتحرك له عرق وسواس ولا هزته عواصف رياح الشيطان وصارت الكورة المذكورة بمنزلة العدم الذي لا يرى ولا يسمع فهذه مسألة الصادقين الموفقين - رضي الله عنهم - والله - تعالى -الموفق)).

[الإبريز: 178].

 

ويقول أحمد بن المبارك: ((قال محيي الدين عربي: ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه وبينة منه ولا يزن أحواله بمسيرته لأنه قد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة يجب التسليم وكم من رجل كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلاً والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً، ومثل هذا كثير وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه ولو رأيناه فلا يفعل كذا وهو عن ذلك الفعل بمعزل وهذه كانت أحوال أبي عبد الله المصلي المعروف بقضيب البان وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص)).

[الإبريز: 202].

 

ويقطع الصوفية صلة المريد بكل شيخٍ, غير شيخه الذي يُربيه، يقول شيخهم الفوتي: ((واعلم أن الاقتصار على واحدٍ, لا يتعداه إلى غيره شرط لازم في طريق أهل الله، ولابد لكل مريد من التزامه وإلاّ فلا سبيل له في الوصول البتة)).

[رماح حزب الرحيم: 1/142]

 

ويقول قطبهم ابن عربي: ((إنما كان المريد لا يفلح قط بين شيخين قياساً على عدم وجود العالم بين إلهين، وعلى عدم وجود المكلف بين رسولين، وعلى عدم وجود المرأة بين رجلين)).

[المرجع السابق: 1/143].

 

 

بل إن مشايخ الصوفية يربون أتباعهم على أن مخالفة أمرهم من موجبات الدخول في نار جهنم!!، فيقول أبو الحسن علي الأهدل: ((قال لي سيدي يعني الله -: من خالف كلامك أحرقته بناري)). قال الزبيدي معلّقاً: ((فكان إذا أراد أن يأمر الفقراء بشيٍ, يقول: أريد كذا وكذا، ولا يقول لهم: اعملوا كذا وكذا، ويقول: أخاف عليهم النار إن خالفوني)).

[طبقات الخواص للزبيدي: 198].

 

ويقول شيخهم أبو الهدى الصيادي عن القصة المكذوبة في تقبيل الرفاعي \"- رحمه الله -\" لليد الشريفة وخروجها من الروضة: إنّ إنكارها من شوائب النّفاق، وإن منكرها يخشى عليه سلب إيمانه عند النزع.

[قلادة الجواهر: 23].

 

بل منهم من قال لمريديه: إن الجنة تحت تصرّفه يدخل فيها من يشاء، فهذا التجاني يقول: ((وليس لأحدٍ, من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا، وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي)).

[الطبقات الكبرى: 2/90].

 

ويقول قطبهم أبو بكر بن سالم: ((وأنا من زارنا أو سمع بذكرنا أو نَظَرَنا أو نَظَرَ من نَاَظَرَنا فأنا ضَمِينَه غداً بالجنة، وأن يتخلص من ذنوبه كالمولود من بطن أمه ولو كانت تملأ السموات والأرض، فلا عاد يبقى من ذنوبه مثقال ذرة)).

[الجواهر في مناقب الشيخ أبي بكر بن سالم تاج الأكابر: 202].

 

فيا أيها المريد كفاك عبودية لغير الله، كفاك ذلاً واستعباداً، دع عنك قيد الحمق والخرافة، وتعال إلى: قال الله. قال رسوله. تعال إلى ما كان عليه الشافعي وأحمد والأوزاعي ومالك والثوري وأبو حنيفة والبخاري ومسلم، دع ما يريبك إلى مالا يريبك.

 

ابرأ لدينك وابرأ لعرضك، وتضرع في جوف ليلك لله أن يهديك سبل الذين أنعم عليهم. وصلى الله وسلم على نبي الهدى محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply