أعلام التصوف عبد الغني النابلسي


 

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

هو عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي النابلسي الحنفي النقشبندي القادري، كان ميلاده في سنة (1050 هـ)، وتوفي بدمشق سنة (1143هـ) وله مؤلفات عديدة في الفقه والأدب والفلسفة والتجويد والتاريخ وفي الرحلات، كانت عنده نزعة صوفية مغرقة، حيث صرح في كثير من كتبه في مدح ابن عربي صاحب الفتوحات والفصوص، ووصفه بالشيخ الأكبر وترضى عنه.....، وكتب أقوالاً تخالف شريعة الإسلام، ومنها تصريحه بعقيدة وحدة الوجود.

وقد ألف كتاباً في شرح معنى وحدة الوجود.

 

من أقواله التي تبين عقيدته:

- [الظاهر والباطن] يقول النابلسي في كتابه: (الفتح الرباني والفيض الرحماني صفحة 133): ((فكل من اشتغل بالعلوم الظاهرة، ولم يعتقد أن وراء ما هو ساع في تعلمه من الفقه والحديث والتفسير حقائق وعلوماً باطنة، رمزها الشارع تحت ما أظهر من هذه الرسوم هي مقصودة له، لأنها المنجية عند الله - تعالى -، فهو غافل عن الله - تعالى -، جاهل بدين محمد - صلى الله عليه وسلم -، داخل تحت قوله - تعالى -: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخر هم غافلون}.

 

- [الذنب عند النابلسي].

 زعم النابلسي أن كتابه الفتح الرباني قد كتبه مترجماً عن الإلقاء الرحماني له مباشرة، وبغير وساطة.

أما الذنب عند النابلسي فقد عرفه حسب العلم الباطني: ((اعلم أن الذنب له حقيقة متى علمت علم سره، ومتى علم سره علم جهره، وله حال ومقام، وله أقسام، وأنا أتكلم لك الآن في ذلك بحسب الوارد ترجمة عن الإلقاء الرحماني)).

 

فالنابلسي عندما قرر في (ص133 من كتابه الفتح الرباني) أن علوم الشريعة لا تنجي وحدها من عذاب الآخرة، بل لا بد أن يدخل المتعلم إلى الحقائق والعلوم الباطنية التي ذكرت في الشريعة بالرمز فقط، ولم ينص عليها نصاًº وذلك لينجو من عذاب الله يوم القيامة، عندما قرر النابلسي كل ذلك فإنما قرره ترجمة عن الإلقاء الرحماني في زعمه، ولم يقرر ذلك اجتهادا ورأياً!!

فالذنب عند النابلسي بمقتضى كلامه السابق هو أن يظن العبد أن له وجوداً مستقلاً عن وجود الله!! ومن ظن ذلك فقد أفحش وبغى، وقال ما لم يعلم، واستدل على ذلك ببيت الشعر الذي سمعه الجنيد.

ويبالغ النابلسي أكثر من ذلك، فيزعم أن حال الذنب هو القرب من الله، وليس البعد منه. ولذلك يقول بالنص: ((فالمذنب في حال ذنبه أقرب إلى الله منه في حال طاعته))!!

 

- [الفرق بين الصديق والزنديق]:

عقد فصلاً مطولاً قارن فيه بين الزنديق والصديق، وكانت خلاصة هذا الفصل أن الزنديق من يرى أن كفره وفسقه صادر منه فقط، وأنه مستقل بهذا الكفر. وأما الصديق فهو من يرى أن كل أفعال العباد صادرة من الله - سبحانه -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وأن المؤمن والكافر والفاسق والبار ما هم جميعاً إلا مظاهر مختلفة لحقيقة الرب الموجود وحده، واستدل على ذلك بقوله - تعالى -: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} (الملك: 3)، فالمؤمن عنده والكافر من خلق الله، ولا فرق بين هذا وذاك، ومن عرف هذه الحقيقة فهو الصديق، ومن جهلها وظن أن الكافر يصنع كفره، ويخلق فعله، ويستقل بأمر نفسه فهو الزنديق!!.

 

 وأصرح من هذا كله ما وصل إليه الشيخ النابلسي، وهو أن مقام الزهد المشهور في التصوف ما هو إلا مرحلة في الطريق الصوفي، وأما المرحلة النهائية في فهو ترك الزهد، والاستمتاع بالمقسوم على أتم وجه، وفي ذلك يقول النص: \"وأما بالنظر إلى غير الله - تعالى -فهو اشتغال الروحانية بما يرد عليها من أسئلة الأكوان السائرة للكون الحق، والستر هو الكفر، وأصحاب هذا الاشتغال المذكور هم الزهاد الذين يزهدون في الأشياء، فإنهم لولا ملاحظتهم للأشياء وادعاؤهم بثبوتها ما زهدوا فيها، فقد استتر الحق عنهم بزهدهم في الأشياء، فكفروا كفراً خفياً، ولو عقلوا لما زهدوا في شيء، لأن الذي ليس لهم عدم، فكيف يزهدون في العدم وهو غير مقدور، والذي لهم لا بد أن يصيبهم، فلو زهدوا فيه، لما أمكنهم وعاندوا الأقدار فهم مشغولون بزهدهم عن الله - تعالى -، فمتى يتفرغون له تعالى؟ ولله در القائل: 

تجرد عن مقام الـزهد فلبي *** فأنت الحق وحدك في شهودي

أأزهد في سواك، وليس شيء***  أراه سواك يا سر الوجــود\"

(الفتح الرباني ص134).

 

فانظر كيف نسب الكفر الخفي إلى الزهاد، لأنهم اشتغلوا بزهدهم في الأشياء، لأن الذي ليس لهم عدم، أي أن ما قدر لهم لا بد أن يكون. ولذلك يقول: \"والذي لهم لا بد أن يصيبهم، فلو زهدوا فيه لما أمكنهم\".

ولذلك رآهم النابلسي معارضين للأقدار، مشغولين بزهدهم عن الله تبارك وتعالى..

أحب أن أكرر هنا أن النابلسي ليس رجلاً مغموراً جاهلاً، بل هو مقدم عند القوم، مستشهد بأقواله عند الجميع وبعضهم يعتذر عن مثل مقالاته هذه بأنه من الشطح، والشطح مغفور لهؤلاء، لأن ذلك من غلبة وجدهم وحبهم لمولاهم.

 

وأقول: إذا كان ثم شطح مغفور عند الله، معذور صاحبه، فهو أن تصدر كلمة أو جملة في غلبة حال كما يقولون. أما أن يؤلف رجل مئتي كتاب، كلها على هذا النحو، وذلك يستغرق آلاف الساعات والأيام، فكيف يكون التأليف والتحقيق شطحاً وسكراً؟ فافهم أخي المسلم هذه الحقيقة فإنها سهم قاتل لهذا الباطل.

 

وقال في كتابه \"إيضاح المقصود\" صفحة (56) ما نصه: ((اعلم أن هذه المسألة، وهي مسألة وحدة الوجود، قد أكثر العلماء فيها الكلام قديماً وحديثاً، وردها قوم قاصرون غافلون محجوبون، وقبلها قوم آخرون عارفون محققون، فمنهم من ردها لعدم فهم معناها عند القائلين بها، وتوهمه منها المعنى الفاسد، فلا التفات لرده كائناً من كان لصده عن الحق، وإنما رده في حقيقة الأمر واقع على ما فهمه من المعنى الفاسد لا على هذه المسألة، فهو الذي صور الضلال وردّه.

 

وأما القائلون بها فلأنهم العلماء العارفون والفضلاء المحققون، أهل الكشف والبصيرة، الموصفون بحسن السيرة وصفاء السريرةº كالشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي، والشيخ شرف الدين ابن الفارض، والعفيف التلمساني، والشيخ عبد الحق بن سبعين، والشيخ عبد الكريم الجيلي، وأمثالهم قدس الله - تعالى -أسرارهم، وضاعف أنوارهم فإنهم قائلون بوحدة الوجود، وأتباعهم إلى يوم القيامة، إن شاء الله تعالى)).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply