بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف:
الختمية طريقة صوفية، تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات، مثل: الغلوِّ في شخص الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وادعاء لقياه وأخذ تعاليمهم وأورادهم وأذكارهم التي تميزوا بها، عنه مباشرة. هذا إلى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعيِّ وأخذهم من أدب الشيعة وجدالهم، ومحاولة المعاصرين منهم ربط الطائفة بالحركة الشيعيَّة المعاصرة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسس الطريق: محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبد الله الميرغني المحجوب ويلقب (بالختم) إشارة إلى أنه خاتم الأولياء، ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية، كما تسمى الطريقة أيضاً الميرغنية ربطاً لها بطريقة جد المؤسس عبد الله الميرغني المحجوب.
ـ وُلد محمد عثمان الميرغني (الختم) بمكة عام 1208هـ/1833م، وتلقَّى العلوم الشرعيَّة على يد علمائها، وغلب عليه الاهتمام بالتصوف شأن أفراد أسرته جميعاً، فانخرط في عدة طرق: القادرية، الجنيدية، النقشبندية، الشاذلية، وطريقة جدِّه الميرغنية، كما تتلمذ على الشيخ أحمد بن إدريس وأخذ تعاليم الطريقة الإدريسية ومن هذه الطرق جميعاً استمد تعاليم طريقته الختمية.
ـ أوفده شيخه أحمد بن إدريس لنشر الطريقة الإدريسية الشاذلية في السودان، وقد لاقى نجاحاً محدوداً في شمال السودان وشرقه.
ـ بعد وفاة الشيخ أحمد بن إدريس 1253هـ/ 1838م تنافس الميرغني ومحمد بن علي السنوسي (مؤسس الطريقة السنوسية) على خلافة الشيخ، وبتأييد من بعض أتباع الشيخ كسب الميرغني المنافسة والتأييد واستطاع أن يكون طريقته الختمية وينشيء لها عدة زوايا في مكة وجدة والمدينة والطائف.
ـ بعث الميرغني بأبنائه إلى عدة جهات: جنوب الجزيرة ومصر والسودان للدعوة للطريقة الختمية ونشرها.
ـ ألَّف عدة كتب في التفسير والتوحيد وعدة دواوين شعرية يغلب عليها جميعاً الطابع الصوفي في لغتها ومضمونها. من أهم هذه الكتب: تاج التفاسير، النفحات المكِّية واللمحات الحقِّية في شرح أساس الطريقة الختمية، النور البراق في مدح النبي المصداق، ديوان النفحات المدنية في المدائح المصطفوية، ديوان مجمع الغرائب والمفرقات من لطائف الخرافات الذاهبات، مجموعة فتح الرسول، مولد النبي المسمى بالأسرار الربانية.
ـ على إثر خلاف مع بعض العلماء في مكة، رحل محمد عثمان الميرغني وذهب إلى الطائف، حيث أقام هناك حتى وفاته عام 1268هـ/1853م.
الحسن بن محمد عثمان (الختم):
· وُلد في مدينة بارا بغرب السودان عام 1235هـ/1816م من امرأة تزوجها والده بتلك المدينة خلال رحلته إلى السودان التي أشرنا لها من قبل، التحق بوالده في مكة وتلقى تعليمه بها. بعث به والده إلى السودان لنشر الطريقة الختمية. لقي الحسن نجاحًا كبيرًا في دعوته لا سيما في شمال السودان وشرقه. أصبح الحسن شيخ الطريقة في السودان وأسَّس قرية الختمية بالقرب من مدينة كسلا في شرق السودان، كمركز للطائفة، وأصبح له مكانة كبيرة في تلك الأنحاء فاقت مكانة والده مؤسس الطريقة، وظل الحسن شيخًا للطريقة حتى وفاته عام 1286هـ/1899م.
محمد عثمان تاج السر بن الحسن بن محمد عثمان (الختم):
· أصبح شيخ الطريقة بعد وفاة والده، وخلال فترة تولِّيه زعامة الطائفة ظهرت الحركة المهدية في السودان، فعارضها محمد عثمان تاج السر معارضةً شديدةً، وقاد أتباعه من الختمية لمقاومتها وخاضوا عدة معارك ضد جيوش المهدية في شرق السودان. وانتهى الأمر بهزيمته وفراره إلى مصر حيث ظل بها حتى وفاته عام 1303هـ/1886م.
علي الميرغني بن محمد عثمان تاج السر 1880 ـ 1968م:
ولد بجزيرة مسّاوي مركز مروري بشمالي السودان عام 1880م، انتقل مع والده إلى مدينة كسلا، وحينما اضطر والده إلى الهجرة إلى مصر إثر هزيمته على يد جيوش المهدية، تركه والده مع عمه تاج السر الحسن في سواكن. ثم لحق بأبيه وبقي في مصر حتى مجيء جيش الغزاة الإنجليز للسودان، حيث اختاره الإنجليز لمرافقتهم في غزوهم للسودان للقضاء على دولة المهدية. وحينما تمَّ للإنجليز الاستيلاء على السودان وهزيمة المهدية، اتخذوه صنيعة لهم وأطلقوا عليه الألقاب ومنحوه الأوسمة والمكافآت نظير خدماته لهم. واعترفوا به زعيمًا لعموم طائفة الختمية في السودان. واستفادوا منه في القضاء على المشاعر الدينية التي حركت الثورة المهدية من ناحية، وفي كسب ولاء السودانيين من ناحية أخرى.
ـ وحينما بدأت الحركة المهديَّة تظهر من جديد على يد أحد أبناء المهدي، وبمباركة الإنجليز، شعر علي الميرغني بخطورة الموقف لا سيما وأن الإنجليز أرادوا ضرب الطائفتين (الختمية والأنصار) والاستفادة من العداء التقليدي بينهما والصراع بين زعيميهما. نتيجة لذلك تحول ولاء زعيم الختمية نحو مصر، وأصبح راعياً فيما بعد للحركة السياسية التي كانت تدعو إلى الوحدة بين مصر والسودان، وظل يحرك الأحداث السياسية من وراء ستار ويلعب دوراً خطيراً فيها حتى وفاته عام 1968م.
محمد عثمان بن علي الميرغني:
وُلد عام 1936م، تولَّى زعامة الطريقة بعد وفاة والده عام 1968م، وهو الزعيم الحالي للختمية. وخلافاً لوالده الذي كان يحرِّك الأحداث السياسيَّة ويشارك فيها من وراء ستار، انخرط محمد عثمان في العمل السياسي، مستنداً إلى ولاء أتباعه وأصبح زعيماً للطائفة وللحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تزعَّمه. وقد استغل ولاء أتباعه لخدمة الحزب بينما الحزب يضم كثيراً من العلمانيين واليساريين، بل وحتى النصارى الذين تولوا مناصب عليا فيه، ومن ثم اتخذ الحزب مواقف لا تتلاءم مع انتماء الطائفة الديني كتحالفه مع الشيوعيين، وعقد اتفاقية من طرف واحد مع المتمردين، وأخيراً قيادته للتجمع الديمقراطي الذي يضم خليطاً من العلمانيين واليساريين المناهضين لشرع الله والموالين لحركة التمرد التي تحارب الإسلام.
الأفكار والمعتقدات:
· الختمية طائفةٌ صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم:
تبنوا فكرة وحدة الوجود التي نادى بها من قبل محيي الدين بن عربي وتلامذته، وقالوا بفكرة النور المحمدي والحقيقة المحمدية وعبّروا عن ذلك نظماً ونثراً وبسطوها لأتباعهم في مدائحهم ومناجاتهم وأذكارهم وأورادهم، واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية. واستشهدوا بما استشهد به أصحاب هذه النظريات من آيات أوّلوها، وأحاديث وضعوها وأفكار انتحلوها.
· أسبغوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوصاف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله - تعالى -، وذهبوا إلى أن حقيقته لا تدرك ويعجز الوصف عن بيان ذاته. ومن ثم جعلوه - صلى الله عليه وسلم - غاية فنائهم ومنتهى سيرهم. كما توجهوا بدعائهم واستغاثاتهم ورفعوا شكاواهم إليه، سائلينه أن يفك ضيقهم وينصرهم على أعدائهم، مخاطبينه - صلى الله عليه وسلم - بأنه مزيل للغمّ والكرب مفرج للهمّ والضيق.
· ادعى مشايخ الطريقة بأنهم لقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورأوه عياناً، وأنه يحضر احتفالاتهم بمولده - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم تلقوا منه أسس الطريقة وأورادها وتعاليمها.
ـ فمؤسس الطريقة يدَّعي أنه وضع راتبه بإذن من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنه هو الذي أمره بتصنيف المولد وأن يجعل إحدى قافيته هاء والأخرى نوناً، وبشَّره بأنه يحضر قراءته، وأن الدعاء عنده مستجاب في ختمه وعند ذكر ولادته - صلى الله عليه وسلم -.
ـ كما يزعم أيضاً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوصى رضوان بأن يعمر جناناً ومساكن له ولأبنائه وصحبه وأتباعه وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة، وأمر مالك بأن يعمر في النار مواضع لأعدائه.
· يدعي مشايخ الختمية بأنهم المدخل للحضرات الإلهية، وأن مقامهم برزخ بين النبوة والولاية، ويدعون أن لهم التصرف في الكون، وأنهم يغيثون من يلتجئ إليهم ويحتمي بحماهم، فيزيلون كربات المكروبين، وهمّ المهمومين، وأنهم الوسيلة للسعادة في الدنيا والنجاة من العذاب يوم الدين.
· يدعى مؤسس الطريقة، بأنه خاتم الأولياء وأنه أعظم من كل الأولياء السابقين وأن مكانته تأتي بعد مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
· يقول مؤسس الطريقة أيضاً: \"إن من رآني أو رأى من رآني إلى خمسة لا تمسه النار\" ويزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبره بذلك.
كما يدعي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له: \"من صحبك ثلاثة أيام لا يموت إلا ولياً\" وحينما قدم المدينة قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"إن من زارني في سنتك هذه والتي قبلها والتي بعدها فعندنا مقبول\".
· للطريقة الختمية أوراد وأذكار وآداب معينة في الذكر والدعاء ميّزوا بها أنفسهم وركزوا عليها دون غيرها.
ـ كما يهتمون بإقامة احتفالات معينة وإحياء مناسبات خاصة: كإحياء ذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - والاحتفال بمولد ووفاة مشايخ الطريقة، وإقامة ما يعرف لديهم بليالي الذكر أو الحولية، ويمارسون في كل ذلك طقوساً خاصة في الزيِّ، والذكر والإنشاد.
ـ أذكار الطريقة وأورادها بعيدة كل البعد عن الأذكار الواردة في القرآن أو المأثور عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. كما يخصصون أورادًا معينة بأيام وأوقات خاصة من غير دليل شرعي أو سند من أثر، كما يغلب على أورادهم وأذكارهم السجع المتكلف الذي يصرف الذهن عن التوجٌّه إلى الله في صدق وإخلاص. كما أن بعض أورادهم تشتمل على ألفاظ أعجمية وأسماء غريبة لروحانيات يخاطبونها ـ كما يزعمون ـ ويسعون إلى السيطرة عليها وتسخيرها لخدمتهم في مناصرة أتباعهم، وإلحاق الأذى بخصوصهم.
· للختمية بيعة خاصة يردد فيها المريد من بين ما يردد من أقوال: \"اللهم إني تبت إليك ورضيت بسيدي السيد محمد عثمان الميرغني شيخاً لي في الدنيا والآخرة فثبتني اللهم على محبته وعلى طريقته في الدنيا والآخرة\".
· للختمية خلوة للعبادة، يطلبون فيها من المريد أن يطلب المدد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجبريل ومشايخ الطريقة، كما يطلبون منه استحضار صورة السيد محمد عثمان (الختم) حتى تظهر منه روحانيته. ثم يظهر نور من جهة القلب ويظل هكذا ـ كما يزعمون ـ حتى تظهر للمريد روحانية النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
· هناك ارتباط وثيق بين فكر الختمية وفكر الشيعة، كما يحاول المعاصرون منهم الربط بين طائفتهم وبين الحركة الشيعية المعاصرة.
ـ يربط مشايخ الطريقة نسبهم بأئمة الشيعة الاثني عشرية، ويعتبرون أنفسهم من سلالتهم، علماً بأن الإمام الثاني عشر عند الشيعة ـ وحسب مقولتهم ـ اختفى أو غاب وهو صغير لم يتجاوز الثالثة أو الخامسة من عمره.
ـ تبنت الطائفة فكر الشيعة حول آل البيت، وارتباطهم بقضية الإمامية واستحقاقهم لها، كما استندوا إلى أدب الشيعة وحججهم وبراهينهم لإثبات أحقية أهل البيت بالولاية والإمامة سعياً لإثبات هذا الحق لمشايخهم.
ـ وقع بعض الختمية المعاصرين فيما وقع فيه الشيعة من تجريح للصحابة واتهامهم بأنهم كتموا بعض الأحاديث الدالة على ولاية علي - رضي الله عنه - كما يزعمون. وفسروا أحداث التاريخ الإسلامي بمثل ما فسر به الشيعة، من الادعاء بأن هناك مؤامرات حيكت من أجل إبعاد أهل البيت من تولِّي السلطة والإمامة.
ـ ربط الختمية المعاصرون تاريخ طائفتهم ومستقبلها بتاريخ الحركة الشيعية، عن طريق الربط بين أصول التصوف والتشيٌّع من ناحية، وعن طريق ربط حركة البعث الإسلامي وقصرها على الطائفتين المؤمنتين بولاية أهل البيت (الشيعة والختمية) ـ كما يزعمون ـ من ناحية أخرى.
الجذور الفكرية والعقائدية:
يحدِّد مؤسس الطريقة محمد عثمان الميرغني المصادر التي استمد منها أصول طريقته قائلاً: \"اعلم أن طريقتنا هذه مجتمعة من خمسة حروف نقشها (نقش جم) تنقش من الفؤاد التصوف جم، فالنون نقشبندية، والقاف قادرية، والشين شاذلية، والجيم جنيدية، والميم ميرغنية، وهي محتوية على أسرار هذه الطرق الخمس وبعض أواردها\".
· يتضح من تحليل معتقداتهم وأفكارهم أنهم استفادوا من ذلك التراث الصوفي الفلسفي الغنوصي الذي بدأه الحلاج، وعدّل فيه وزاد عليه وطوَّره تلامذته كابن سبعين وابن الفارض، وعبروا عنه في نظرياتهم عن الفناء والحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
· استمد الختمية ـ المعاصرون منهم خاصةً ـ كثيراً من أفكارهم من فكر الشيعة ومعتقداتهم واستفادوا من أدب الشيعة وما استندوا إليه من جدل حول الإمامة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ بدأت الطريقة من مكة والطائف، وأرست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية، كما عبرت إلى السودان ومصر.
ـ تتركز قوة الطريقة من حيث الأتباع والنفوذ الآن، في السودان، لا سيما في شمال السودان وشرقه وأطراف إريتريا المتاخمة للسودان ومصر.
يتضح مما سبق:
أن الختمية طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات المنحرفة والتي من أبرز الغلو في شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقول بالحلول ووحدة الوجود.هذا فضلاً عن ارتباطها الوثيق ـ في العصر الحاضر ـ بالفكر والمعتقد الشيعي خاصة فيما يتعلق بأقوال الشيعة وجدلهم حول الإمامة، وينتشر أتباع هذه الطريقة حاليًّا في مصر وفي السودان وبخاصة في الشمال والشرق، وأطراف إريتريا المتاخمة للسودان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد