بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله رب العالمين. من علينا بالهداية والإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. نحمد بكل لسان ونثني على جليل فضله في كل لحظة وفي كل أوان ونشكره أجزل الشكر على جليل نعمه (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فاشكروا أيها الأحبة في الله نعم الله ولا تكفروها، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص وجهه لله وهو محسن، وقال إنني من المسلمين وطبق مقتضيات الإيمان فكان من عباده الصالحين، فتعلق قلبه بالحق الواضح المبين، فتقبله ربه بما يتقبل به عباده المتقين. -سبحانه- خلق الخلق وبسط الرزق ووعد عن الإحسان والعمل الصالح التوفيق والسداد والثواب والأجر الجزيل فقال جل شأنه (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا ومنقذنا محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وحبيبه، النبي الكريم الطاهر الأمين فضلته يا رب على العالمين وقدمته مقاما على جميع الأنبياء والمرسلين، فجاهد في الله حق جهاده حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك، فصل اللهم عليه وعلى آله الأخيار وصحابته الأبرار ما تعاقب الليل والنهار وعلينا معهم بفضلك ومنك يا كريم يا غفار يا أرحم الراحمين يا رب العالمين أيها الأحبة في الله رمضان قد ولى عنا غادرنا وبارحنا حاملا في طياته، حاملا معه ما قدمنا فيه وما قدمنا خلاله من صالح الأعمال ((نسأل الله أن يكتبنا من الذين وفقوا لتقديم الصالح من الأعمال في رمضان وأن يوفقنا للصالح منها في غيره من الأزمان الفاضلة على الخصوص)) وسيكون رمضان بين يدي الواحد الديان شاهدا إما لنا أو علينا. فينبغي علينا وقد اجتهدنا في تقديم ما قدمناه. وما قمنا به فيه وخلاله من الأعمال، طبعا الصالح من الأعمال يحدونا الأمل في أن يكون ذلك مما يقربنا من الله -سبحانه وتعالى-. آملين أن يكون ذلك عنده مقبولا. علينا أن نحاسب أنفسنا وأن نقف المواقف التقييمية، المواقف التي نحاسب فيها أنفسنا، هل حققنا الرحمة والتراحم بيننا في عشر الرحمة حتى نكون من المشمولين في قوله الكريم (محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) ونطمع حينئذ في رحمة ربنا. هل حققنا المغفرة لبعضنا بعضا مصداقا لقوله جل شأنه (والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون) فنطمع عندئذ في مغفرة الله، إن نحن حققنا الرحمة والتراحم فيما بيننا وحققنا المغفرة لبعضنا بعض، حق لنا أن نطمع في العتق من النار، وتلك هي أوصاف أيام رمضان كما أخبرنا بها الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، من أن أيام رمضان أولها رحمة وأوسطها مغفرة وآخرها عتق من النار هذه المواقف، مواقف محاسبة النفس، على كل مؤمن مخلص صادق في توجهه إلى ربه، أن يقفها ويقيمها ويساءل نفسه هل كانت منه محل رضاء، حتى يأمل من الله قبولها. إن كان ما قدم من الأعمال هو راض عنه فعليه أن يستزيد منها لأنها ثمرة الهداية والتوفيق وقبول الأعمال، وكذلك ثمرة قول الحق -سبحانه وتعالى- ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم)) وإن كانت غير ذلك فعليه أن يتدارك. فإمكانيات التدارك كثيرة والحمد لله، فلا ينبغي للمؤمن أن يقنط أو ييأس فإن ذلك مما لا يحبه الله -سبحانه وتعالى- الذي أوجب على المؤمن أن يكون بين الخوف والرجاء رجاء قبول العمل وإن كان متواضعا والخوف من عدم القبول، فلا أحد يجزم بقبول ما يقدم من الأعمال والمواقف التي يقف عندها الإنسان استخلاصا للعبرة فيما بعد هذا الشهر الكريم كثيرة وطيبة والحمد لله وهي مما يبعث على الأمل والتفاؤل بمستقبل هذا الدين الإسلامي الحنيف في ربوعنا وفي ذلك رد للذين يرموننا بجهل ديننا وينسبون إلينا ما ينسبون فلعلكم لاحظتم أيها الأحبة في الله العمارة المتميزة في هذا الشهر الكريم لبيوت الله وهو مما يثلج الصدر حيث كانت الجوامع والمساجد ملأى بل مكتظة، أحيانا اكتظاظا رهيبا بالمصلين وكنا نرى في أحيان كثيرة الأجيال الثلاثة الجد والابن والحفيد والجدة والبنت والحفيدة في صلاة واحدة واقفون جنب إلى جنب، نرى أبناءنا وأطفالنا الصغار مرافقين لآبائهم وأمهاتهم في صلاة التراويح بقلوب ملأى بالإيمان ثم ما لحظناه يوم العيد، فالله نسأل أن يساعدنا على استمرارية الأعمال الصالحة بعد رمضان والإنابة إلى الله وأن يحشرنا في زمرة من صام فأحسن الصيام وقام فأحسن القيام وأن يصلح لنا في أعمالنا وفي أفعالنا وفي أزواجنا وفي ذريتنا. فما ذلك إلا ثمرة ونتيجة للعمل الدؤوب المبذول على كل المستويات في بلادنا وفي ربوعنا الطيبة أخذا بشؤون ديننا الإسلامي الحنيف واتباعا لسنة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بدون إطالة عليكم تعالوا نستعرض من هم الفائزون في هذا الشهر الكريم حتى نهنئهم بفوزهم ونهمس في آذانهم بضرورة الحفاظ على ما نالوه وحصلوا عليه في هذا الشهر الكريم. هنا نرجع إلى قول الحبيب المصطفى في هذا الشأن، إذ يقول -صلى الله عليه وسلم–"من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، "ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" "ومن قام ليال رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". فالأمر ليس بالهين ولا بالقليل لمن حقق هذه الوصايا النبوية الخالدة فهو مغفرة لما تقدم من الذنوب، أما يحق لنا أن نهنئ وأن نتقدم بالتهاني لمن وفق لتحقيق هذه الوصايا الثلاث، صيام رمضان إيمانا واحتسابا وقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا وقيام ليال رمضان إيمانا واحتسابا، والكثير حققوا ذلك بل وحققوه بخشوع وإنابة، كبارا وصغارا رجالا ونساء فمن حقق ذلك هنيئا له، بقي عليه شيء واحد هو أن يحافظ على ما اكتسبه، أن يحافظ على مكسبه وما حققه طاعة لربه، فما ناله ليس بالشيء الهين، فهو مغفرة لما تقدم من ذنوبه، فاللهم يسر علينا المحافظة على ما أمكننا التحصيل والحصول عليه طاعة لك في هذا الشهر الكريم يا رب العالمين. هذه أحبتي في الله وقفة أولى في ثواب وجزاء وأجر من حقق في رمضان هذه الوصايا الثلاثة، الصيام والقيام وقيام ليلة القدر التي جاء فيها أن قيامها وأجرها يتحقق لمن سعى إليها بالقيام والدعاء حتى وإن لمن يتحقق منها، ولا يتسنى ذلك إلا لمن أتم القيام لكامل ليال رمضان. مناجيا ربه ورافعا له أكف الضراعة بالدعاء. أما من قصر في ذلك أي لم يتمم القيام فليس أجره كمن أتم القيام. له أجر جزاء عن ما قام به من القيام لكن أجر من أتم القيام أكبر وأكثر وهذا الذي -أتم القيام طوال شهر رمضان- يكون ممن سعى إلى إدراك ليلة القدر، فيكون له أجرها وثوابها العظيم حتى وإن لم يكن عارفا بها أما ما بعد رمضان، فهو أيضا الخير العميم علينا أن نتدبره لأن الله جل وعلى لم يطلب منا أن نكون دوما كما كنا في رمضان أو خلال رمضان لأن رمضان شهر عظيم هو موسم خير وبركة تتنزل فيه الرحمات الربانية ولا يأتي شهر مثله إلا رمضان الذي بعده فإن النفس قد لا تطيق والدين يسر وليس عسر، لكن لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة، فالخطورة إنما تكمن في الانقطاع عن الصالح من الأعمال ليس المطلوب أن نكون فيما بعد رمضان كما كنا في رمضان، فذلك قد يكون مما لا نطيقه وذلك كان شهرا عظيما فيه الاجتهاد كان موسما للخير كان سوقا تأتي إلى أيدينا فنتزود منها بخير الزاد فتصور نفسك أنك في سوق، في يوم سوق فإنك حتما تنتهزها للقيام بحاجياتك ومشترياتك التي لا تقوم بها إلا يوم السوق فإذا انفض وتفرق السوق عليك أن تنتظر السوق الموالي للقيام بمشترياتك وما قد تحتاجه من حاجيات، لأن تلك الحاجيات أتتك بمناسبة السوق حتى يديك فهي التي تسوقت إليك وقربت منك فتلك هي الأعمال الصالحة في رمضان، فإن فاتك السوق عليك أن تسعى إليها بنفسك وبجهد وقد تحصل على مبتغاك وقد لا تحصل عليه. فهذا رمضان أيها الأحبة وكل الأزمان الفاضلة. فعليك أيها المؤمن وعليك أيتها المؤمنة عليكم أن لا تنقطعوا عن الأعمال الصالحة بعد رمضان وتذكروا ما داومتم عليه من الطاعات في رمضان من صيام وقيام وتلاوة للقرآن تراحم وتضامن وتآزر وتزاور، فاستمروا يا أحبتي في الله على ما تعودتم عليه من الأعمال في رمضان فرب الشهور واحد وهو على عباده مطلع وشاهد، وهو يقول فيما يخبرنا به الحبيب المصطفى -صلى الله عيه وسلم- يقول للملائكة الكرام الكاتبين الواردين في قوله جل شأنه (كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) يقول لهم جل في علاه، إذا كان العبد مواصلا للأعمال الصالحة وعرض له عارض أو طرأ له طارئ حال دونه وما تعود من الأعمال الصالحة يقول ربي جل شأنه للملائكة اكتبوا لعبدي من الأجر والثواب مثل الذي كان يعمل حتى أقبضه أو أعافيه وما ذلك إلا نتيجة لمداومته على الأعمال الصالحة. وإذا أيها الأحبة في الله علينا أن نبقي رمضان بيننا في سلوكنا وفي ما أبقى فينا رمضان من صفات طيبة، فلا نتخلى عن هاته الصفات بمجرد رحيل رمضان عنا، أحد الصالحين يقول قولة شهيرة، يقول بئس القوم لا يعرفون ربهم إلا في رمضان، وآخر قال الأتعس من ذلك كله أن الكثير من الناس تخلى وابتعد عن المعاصي ومقارفة الآثام في رمضان، فما إن بارح رمضان الساحة حتى عاد هو إلى مقارفة المعاصي والآثام بل ولربما عاد إليها بلهف وشوق وحنين، يقول ابن القيم -رحمه الله- معصية بعد توبة أقبح من سبعين معصية قبل التوبة. لا تنسوا أحبتي في الله أن علامة قبول الحسنة هي أن تتبعها بحسنة أخرى، وعلامة رد هاته الحسنة أي الإعراض عنها والتخلي عن أجرها وثوابها هي أن تتبع بسيئة، والأعمال الصالحة التي ترشدنا لنا السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام كثيرة منها صيام ست من شوال، صيام الأيام الفاضلة كيومي الخميس والاثنين صيام الأيام البيض من الشهر أي أيام اكتمال القمر أيام 13 و 14 و 15 من كل شهر صلة الأرحام إصلاح ذات البين البذل والعطاء في سبيل الله الصدقة وما لها من آثار عجيبة فتدبروا يا أحبتي في الله الأزمان الفاضلة اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويسر علينا يا رب كل عمل تحبه وترضاه ويساعدنا على تدارك ما فاتنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولكافة المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد