خير الوداع لشهرنا رمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

(1)             لِكُلِّ شَيءٍ, إِذا ما تَمّ نُقصانُ، وسبحان القائل "كل شىء هالك إلا وجهه" "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"...بالأمس كنا نفرح لقدوم رمضان، واليوم نحزن لفراقه... وهكذا المؤمن بين فرح وحزن: فرح يشكر فيه نعماء ربه، وحزن يصبر به فيكون خيرا له.

مضى رمضانٌ أو كأني به مضى *** وغاب سناه بعد ما كان أومضا

ولله در القائل

خيرُ الوداع لشهرنا رمضان *** هل بَعد بَينِك كانَ من سلوان

خيرُ الوداع عليكَ يا شهر الهُدَى *** لم يَبق من ذنبٍ, ولا عصيانِ

فعلَى فراقكَ سالَ دمعُ عيوننا *** فوق الخُدُودِ كهاطلٍ, هَتَّانِ

فهو المفصَّلُ والمعظمُ قدرُه *** خير الشهورِ وسيِّدُ الأزمان

فيه يضاعَفُ كلّ فعل صالحٍ, *** وتضاعَفُ البركاتُ للإنسانِ

ولِليلَةِ القَدرِ المعظَّم قَدرُهَا *** فيه تَدُورُ بقدرَةِ الرحمن

والروحُ ينزلُ والملائكُ جملةٌ *** فيها بإذنِ الواحدِ المنَّانِ

عن ألفِ شهر للعبادةِ فاجتهد *** فيها وقُل يا رَبِّ والإحسانِ

شهرٌ رعاهُ اللهُ ثم يعيدُه *** المنانُ للأحيا بعامٍ, ثانِي

(2)             ولرمضان عاطفة كان السابقون يعيشون ذكراها ستة أشهر، ويشتاقون لها ستة أشهر أخرى من حيث اجتماع الأهل وذكريات العبادة من تراويح وعفة وصلة رحم وصدقات وتزاور الأهل والأحباب ولين الجانب واعتكاف وتدارس لسيرة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-. وحيث ذكريات الطفولة الجميلة وما الإنسان إلا مجموعة ذكريات فإن هي كانت جميلة كانت حياة جميلة، وإن هي كانت غير ذلك فالعافية الآن تستوجب الشكر والحمد لله رب العالمين.

(3)             ولقد علمنا النبي محمد أن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والفرح والحزن مدعاة لاختبار هذه القوة فإن في الفرح عبادة الشكر، وفى الحزن عبادة الصبر، ولقد علمنا القرآن أن أفضل الشكر هو العمل يقول -تعالى- "اعمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكراً وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ" سبأ13... وإن خير العمل ما كان زادا يعين المرء للاستعداد ليوم الرحيل ففيه المعنى الحقيقي الذي صدرنا به موضوعنا آنفا من حيث إن لِكُلِّ شَيءٍ, إِذا ما تَمّ نُقصانُ، وسبحان القائل "كل شيء هالك إلا وجهه" "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وخير ما نستأنس به ها هنا قوله -تعالى-: "(اقتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم فِي غَفلَةٍ, مَّعرِضُونَ)الأنبياء 1، وقوله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَستَعجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا وَيَعلَمُونَ أَنَّهَا الحَقٌّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ, بَعِيدٍ,) الشورى 17-18 وقول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: (بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير إلى السبابة والوسطى) رواه البخاري، وبناء على ذلك نقول إن الاستعداد ليوم الرحيل ضرورة... و ليس ذلك الاستعداد ترفاً يزهد فيه الزاهدون لكنه واجب يستشعره الذين يشفقون من الساعة والذين هم بربهم مؤمنون إيمانا ايجابيا وفعالا... أما أولئك الذين هم في غمرة ساهون... والذين هم لهم أعمال بئيسة هم لها عاملون فأولئك في غيبوبة باهظة الثمن... سوف يندمون وقت لا ينفع الندم... هي تذكرة ووعظ عارض لا يفيد منه إلا ذو القلب السليم وإني لأعلم أن الوعظ لا يجدي مع النفوس البليدة، والعقول الغبية ولكن!!! قالها الله -عز وجل-: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وصدق الله حين يقول: (وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَةٌ فَمِنهُم مَّن يَقُولُ أَيٌّكُم زَادَتهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتهُم إِيمَاناً وَهُم يَستَبشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ) التوبة 124-125 ولقد استبان لي أن المؤمنين الصادقين الذين يتلون كتاب ربهم بأنفاس حارة لا يتطرق إلى نفوسهم بلادة ولا إلى عقولهم غباء.

(4)             نقول هذا لقومنا حتى لا يفرحوا -أو يطغوا- بالمعصية ظانين أن رمضان كان كبتا للرغبات متجاهلين أنه فرصة لتهذيب النفوس وتدريبها على الطاعات: صوم بالنهار، وقيام بالليل، وصدقة وذكر وصلة أرحام بين ذلك. ونقول هذا لمصاب قومنا في فلسطين وغيرها بأننا لا ننساهم أبدا والله لا ننساهم- ولكننا نعزى أنفسنا بالصبر مؤمنين أن النصر مع الصبر، وإنما النصر صبر ساعة. أسأل الله أن يلهمنا بصيرة وعزما وعملا ايجابيا فعالا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply