بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
تعريف الأيمان:
الأيمان لغة: جمع يمين، وهو القَسَمُ والحلفُ، وأصل اليمين في اللغة: اليد، وأطلقت على الحَلِفِ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه، وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء، فسُمي الحَلِفُ بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسُمي المحلوف عليه يمينًا لتلبسه بها، ويجمع اليمين أيضًا على أَيمُن.
الأيمان شرعًا:
تحقيق الأمر أو تأكيده بذكر اسم الله أو صفة من صفاته(1).
مشروعية الأيمان:
إن مشروعية الأيمان وبيان حكمها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله - سبحانه -: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُمُ الأَيمَانَ [المائدة: 89]، وقوله - تعالى -: وَأَوفُوا بِعَهدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُم وَلاَ تَنقُضُوا الأَيمَانَ بَعدَ تَوكِيدِهَا وَقَد جَعَلتُمُ اللَّهَ عَلَيكُم كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ [النحل: 91].
وقد أمر الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث مواضع بالحلف فقال - سبحانه -: وَيَستَنبِئُونَكَ أَحَقُّ هُوَ قُل إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقُّ وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ [يونس: 53]. وقال جلَّ شأنه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأتِينَا السَّاعَةُ قُل بَلَى وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُم عَالِمِ الغَيبِ لاَ يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّةٍ, فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرضِ وَلاَ أَصغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ, مُبِينٍ, [سبأ: 3].
وقال - سبحانه -: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَن يُبعَثُوا قُل بَلَى وَرَبِّي لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلتُم وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[التغابن: 7].
وأما السنة فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها»(2)، وكان أكثر قسم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ومصرف القلوب، ومقلِّبُ القلوب، والذي نفسي بيده»(3).
وأجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على مشروعية اليمين وثبوت أحكامها(4).
الحكمة من مشروعية الأيمان:
من أساليب التأكيد المتعارفة في جميع العصور أسلوب التأكيد باليمين وهي إما لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف وأنه لم يكذب فيه إن كان خبرًا ولا يخلفه إن كان وعدًا أو وعيدًا أو نحوهما، وإما لتقوية عزم الحالف نفسه على فعل شيء يخشى إحجامها عنه، أو ترك شيء يخشى إقدامها عليه، وذلك أن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل لما يتعلق به من اللذة الحاضرة، فعقله يزجره عنه لما يتعلق به من العاقبة الوخيمة، وربما لا يقاوم طبعه، فيحتاج إلى أن يتقوى على أن يجري على موجب العقل، فيحلف بالله وذلك لما عرف من قبح هتك حرمة اسم الله - تعالى -، وكذا إذا دعاه عقله إلى فعل تحسنُ عاقبته، وطبعه يستثقل ذلك فيمنعه عنه، فيحتاج إلى اليمين بالله - تعالى -ليتقوى بها على التحصيل، وإما لتقوية الطلب من المخاطب أو غيره، وحثه على فعل شيء أو منعه منه، فالغاية العامة لليمين قصد توكيد الخبر ثبوتًا أو نفيًا(5).
حُكم الإكثار من الحلف:
يُكره الإفراط في الحلف بالله تعالىº لقوله - سبحانه -: وَلاَ تُطِع كُلَّ حَلاَّفٍ, مَهِينٍ, [القلم: 10]، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، فإن لم يخرج إلى حد الإفراط فليس بمكروه، إلا أن يقترن به ما يوجب كراهته(6)، إن كثرة الحلف عادة ما تجر الإنسان إلى الكذب، وتنزع هيبة اليمين من قلبه فلا يكون لها تأثير على نفسه، إن الكثير من التجار اليوم - إلا من عصم الله - قد اعتاد كثرة الحلف في الحق والباطل من أجل أن يربح القليل من المال. روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحلفُ منفقة (أي رواج) للسلعة، ممحقة للبركة»(7).
قال النووي - رحمه الله -: هذا الحديث فيه نهي عن كثرة الحلف في البيع، فإن الحلف من غير حاجة مكروه، وينضم إليه هنا ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين(8). وقال ابن حجر العسقلاني: «قال ابن المنير: إن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة»(9).
عن أبي قتادة الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفقُ ثم يمحقُ»(10).
المسلم يَبَرٌّ قسم أخيه:
روى الشيخان عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبعٍ,: بعيادةِ المريضِ، واتَّبَاعِ الجنائزِ، وتَشميتِ العَاطِسِ، ورَدِّ السَّلامِ، وإجابةِ الداعِي، وإبرَارِ المُقسِمِ، ونَصرِ المظلومِ(11). إذا أقسم عليك أخوك المسلم أن تفعل شيئًا أو أقسم عليك ألا تفعله، فيُستحب أن تبر قسمه إن كان في إمكانك، بشرط أن لا تكون فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك. قال الإمام النووي - رحمه الله -: إبرار القسم سنة مستحبة متأكدة، وإنما يندبُ إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر الصديق - لما عَبَّر الرؤيا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا. فقال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: لا تقسم(12)، ولم يخبره(13).
حُكم اليمين:
يختلف حكم اليمين باختلاف الأحوال كما يلي:
1- اليمين الواجبة:
وهي اليمين التي يُنجي بها المسلم نفسه أو غيره من هلاك محقق، وذلك مثل أن تتوجه عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ.
2- اليمين المندوب إليها (المستحبة):
وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة شرعية كإصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب عن الحالف وغيره، أو دفع شر لأن فعل هذه الأمور مندوب إليه، واليمين مفضية إليه.
3- اليمين المباحة (الجائزة): مثل الحلف على فعل مباح أو تركه، والحلف على الخبر بشيء وهو صادق فيه، أو يظن أنه فيه صادق.
4- اليمين المكروهة: وهو الحلف على فعل مكروه أو ترك أمر مستحب.
5- اليمين المحرَّمة: وهو الحلف الكاذب، فإن الله - تعالى -قد ذمه، فقال - سبحانه -: وَيَحلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُم يَعلَمُونَ [المجادلة: 14](14).
اليمين لا تكون إلا بالله - تعالى -:
اليمين تنعقد بالله أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته واليمين بالله - سبحانه - أن يقول المسلم: والذي لا إله غيره، والذي أعبده، والذي نفسي بيده، واليمين بأسمائه - سبحانه - كأن يقول الحالف: والله، والرحمن، والرحيم، والخالق، والبارئ، والرازق، والرب، والسميع، والبصير، وباسط الرزق، وفالق الإصباح، واليمين بصفات الله كأن يقول المسلم: وعظمة الله، وجلال الله، وعزة الله، وقدرة الله، وكبرياء الله، وعِلمَ الله، وكلامِ الله (القرآن الكريم)(15).
الحلف بغير الله حرام:
لا يجوز للمسلم أن يحلف بأحد من الأنبياء أو الملائكة أو بأحد الصالحين، ولا يحلف بالكعبة، ولا بالأمانة ولا بالوالدين، ولا يحلف كذلك بالطلاق، ولا بالشرف ولا بالنعمةº لأن الحلف بغير الله - تعالى -مُحرم، فهو نوع من الشرك. عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت»(16).
وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون»(17). قال ابن قدامة: لأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيمًا يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى ولهذا سُمي شركًاº لكونه أشرك غير الله مع الله - تعالى -في تعظيمه بالقسم به(18). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف فقال: باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق»(19). وعن بُريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بالأمانة فليس منا»(20). وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك»(21).
قال ابن قدامة: من حلف بغير الله - تعالى -فليقل: «لا إله إلا الله» توحيدًا لله - تعالى -وبراءة من الشرك. وقال الشافعي: من حلف بغير الله فليقل: استغفر الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---------------------------------
(1) لسان العرب ج6 ص4970، روضة ا لطالبين ج11 ص3، فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج11 ص525). (2) البخاري حديث (6721).
(3) البخاري حديث (6628/6629). (4) المغني لابن قدامة بتحقيق التركي (ج13، ص435). (5) الأيمان لسعاد محمد الشايقي (ص32). (6) المغني جـ13 ص439. (7) خ(2087)، م(1606). (8) المجتمع بشرح النووي ج6 ص50. (9) فتح الباري جـ4 ص370..(10) المجتمع (1607).(11) خ (5863)، المجتمع (2066). (12) صحيح أبي داود (3874). (13) المجتمع بشرح النووي جـ7 ص291، المغني 13/503. (14) المغني ت التركي جـ13 ص440، ص444. (15) شرح لسنة جـ10، ص4، 5.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد