بسم الله الرحمن الرحيم
السواك من سنن المرسلين، وهو مستحب في كل وقت وحين، ولكن يتأكد استحبابه عند الوضوء، وإرادة الصلاة، وعند القيام من النوم، وعند تغير رائحة الفم، ودخول المنزل.
وقد عد له العلماء العديد من الفوائد، ولو لم يثبت في فضله إلا أنه مطهرة للفم مرضاة للرب لكفى.
لكن اختلف العلماء في السواك للصائم في أمور، هي:
أولاً: الوقت
ذهب فيه أهل العلم مذهبين:
1. مستحب من أول النهار إلى آخره، وهذا مذهب العامة من أهل العلم، أبي حنيفة، ومالك، ومن وافقهما.
واستدلوا على ذلك بالآتي:
\"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة\".
وحديث عامر بن ربيعة: \"رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم\".
2. يكره بعد الزوال، وقد ذهب إلى ذلك الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
واستدلوا على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"والذي نفس محمد بيده، لَخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك\".
قال الشافعي - رحمه الله -: (أحب السواك عند كل وضوء، بالليل والنهار، وعند تغير الفم، إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خلوف فم الصائم).
وقال الترمذي معلقاً على حديث عامر بن ربيعة: \"رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم\": (والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بالسواك للصائم بأساً، إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب، وكرهوا له السواك آخر النهار، ولم ير الشافعي بالسواك بأساً أول النهار وآخره، وكره أحمد وإسحاق السواك آخر النهار).
قال الحافظ العراقي في طرح التثريب معلقاً على ما نقله الترمذي عن الشافعي أنه لم ير بالسواك بأساً أول النهار وآخره: (وهذا قول غريب عن الشافعي لا يعرف نقله إلا في كلام الترمذي، واختاره الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأبو شامة المقدسي، والنووي، وقال ابن المنذر: رخص فيه للصائم بالغداة والعشي النخعي، وابن سيرين، وعروة بن الزبير، ومالك، وأصحاب الرأي، وروينا الرخصة فيه عن عمر، وابن عباس، وعائشة.
وقال أبو العباس القرطبي: أجاز كافة العلماء للصائم أن يتسوك بسواك لا طعم له في أي أوقات النهار شاء).
ثانياً: التفريق بين صيام الفرض والنفل
فرق بعض أهل العلم بين صيام الفرض والنفل، فمنعوا من استياك الصائم إن كان صومه فرضاً بعد الزوال، وأجازوا ذلك للمتنفل.
قال الحافظ العراقي: (وفرق بعض أصحابنا في ذلك بين الفرض والنفل، فكرهه في الفرض بعد الزوال، ولم يكرهه في النفل لأنه أبعد من الرياء، حكاه صاحب المعتمد من أصحابنا عن القاضي حسين وحكاه المسعودي وغيره من أصحابنا عن أحمد بن حنبل).
ثالثاً: متى يبدأ وقت الكراهة لمن كره السواك للصائم؟
اختلف الكارهون لسواك الصائم في الوقت الذي تبدأ فيه الكراهة إلى أقوال، هي:
1. آخر النهار من غير تحديد، وهذا قول للشافعي.
2. من الزوال.
3. من العصر.
4. متى تغيرت رائحة الفم.
قال الحافظ العراقي: (استدل به على كراهة السواك بعد الزوال لما فيه من إزالة الخُلُوف المشهود له بأنه أطيب من ريح المسك، لأن ذلك مبدأ الخلوف الناشئ عن خلو المعدة من الطعام والشراب، وبه قال الشافعي في المشهور عنه، وعبارته في ذلك: \"أحب السواك عند كل وضوء بالليل والنهار، وعند تغير الفم، إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خُلُوف فم الصائم\" انتهى، وليس في هذه العبارة تقييد ذلك بالزوال، فلذلك قال الماوردي: لم يحد الشافعي الكراهة بالزوال، وإنما ذكر العشي، فحده الأصحاب بالزوال.
قال الشيخ شهاب الدين أبوشامة المقدسي: ولو حدوه بالعصر لكان أولى لما في سنن الدارقطني عن أبي عمر كيسان القصاب عن يزيد بن بلال مولاه عن علي قال: \"إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي\"، وفي سنن البيهقي عن عطاء عن أبي هريرة: \"لك السواك إلى العصر، فإذا صليت العصر فألقه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك\"، قلت: لا نسلم لأبي شامة أن تحديده بالعصر أولى، بل إما أن يحد بالظهر، وعليه تدل عبارة الشافعي، فإنه يصدق اسم آخر النهار من ذلك الوقت لدخول النصف الأخير من النهار، وإما أن لا يؤقت بحد معين، بل يقال بترك السواك متى عرف أن تغير فمه ناشئ عن الصيام، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، وباختلاف بعد عهده بالطعام وقرب عهده به.
إلى أن قال: وممن وافق الشافعية على التحديد بالزوال في ذلك الحنابلة، وعبارة الشيخ مجد الدين ابن تيمية في المحرر: ولا يسن السواك للصائم بعد الزوال، وهل يكره، على روايتين، انتهى).
الراجح من الأقوال السابقة أن وقت الكراهة يبدأ من الزوال عند من يكرهون السواك للصائم، أما حديث أبي هريرة وما أثر عن علي فضعيفان، فلا يحتج بهما، وذلك أن وقت الزوال هو الوقت الذي يبدأ فيه تغير رائحة الفم، والله أعلم.
رابعاً: الرطوبة واليبس
أجاز بعض أهل العلم للصائم أن يستاك بسواك يابس، وكره له السواك بسواك رطب، لا فرق عندهم بين أول النهار وآخره.
وأجاز العامة من أهل العلم أن يستاك الصائم بما تيسر له من سواك رطب كان أم يابساً، بل الرطب أفضل وأرفق بالفم من اليابس.
قال ابن المنذر: فممن قال لا بأس به: (أيوب السختياني، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وروينا ذلك عن ابن عمر، ومجاهد، وعروة.
وكره ذلك مالك، وأحمد، وإسحاق، ورويناه عن الشعبي، وعمر، وابن شرحبيل، والحكم، وقتادة.
وقال ابن عُلية: السواك سنة للصائم والمفطر، والرطب واليابس سواء، لأنه ليس بمأكول ولا مشروب.
ورواية ابن شاس المالكي في الجواهر: والأخضر أحسن ما لم يكن صائماً).
علة مدح الخلوف
علة مدح الخلوف التحذير من التقزز والتقذر من مكالمة الصائمين بسبب هذه الرائحة المنبعثة من أفواههم، وليس بقاء هذه الرائحة، ولهذا فإن إزالتها لا تنافي مدح الخلوف، والله أعلم.
الخلاصة:
أولاً: أن السواك للصائم لا يكره، سواء كان صومه فرضاً أونفلاً.
ثانياً: لا فرق في ذلك بين الرطب واليابس.
ثالثاً: يسن السواك بالأراك أو بأي عود آخر.
رابعاً: يكره استعمال المعجون في نهار رمضان لمذاق المعجون.
خامساً:السواك في نهار رمضان في آخر النهار لا ينافي مدح الخلوف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد