الإيجار المنتهي بالتمليك مناقشة آراء القائلين بالجواز


بسم الله الرحمن الرحيم

 تعقيب[1]:

نُشر  للدكتور سعود الفنيسان بحثاً، حول الإيجار المنتهي بالتمليك، في العدد 48، شوال 1421هـ، كانون الثاني (يناير) 2001م، وقد قرأته، وبدا لي ما يلي:

1 - ذكر الباحث الأسماء المختلفة، المعروفة في القوانين الغربية لهذا العقد. وهذه الأسماء واضحة إلا ((الإيجار السلبي)) كنت أتمنى أن يشرح لنا وجه هذه التسمية ومأخذها.

2 - الإيجار المنتهي بالتمليك له صور عديدة، لم يذكر الباحث منها الصورة أو الصور التي يرى جوازها.

3 - ذكر الباحث أن أغلب البحوث والفتاوى، حول هذا العقد، تنصب على العقود الصغيرة، كبيع سيارة أو عمارة، دون العقود الكبيرة، كبناء مصنع أو مستشفى. ولم يبين ما إذا كان الحكم الشرعي للعقد الكبير مختلفاً عن الحكم الشرعي للعقد الصغير.

4 - الإشكالات التي ذكرها الباحث للرد عليها، ليست هي الإشكالات الوحيدة، ولا الأساسية، لهذا العقد. كما أنه أوردها بعبارات مجملة.

5 - قال الباحث: ((أما رجوع العين إلى البائع، حالة الإفلاس، فهي حق له، فما الضرر في هذا))؟ الجواب: ليست المشكلة ههنا، لأنه إذا كان العقد بيعاً فالعين لا ترجع إليه، وإذا كان إجارة فالعين له، فالحكم ههنا متضاد تماماً، خلافاً لما ذكره الباحث. ثم إنه لم يذكر شيئاً عن قيمة العين عند رجوعها، وعن حكمها إذا كانت القيمة أكثر من حق البائع، أو أقل وما كتبه هو من باب التبسيط المخل.

6 - قال الباحث: ((أما عند انفساخ العقد، لسبب أو لآخر، فالجمع بين العوض والمعوض عين الصواب)). نعم ربما يكون ذلك، إذا كان الجمع بينهما مساوياً لحق البائع، أما إذا كان أكثر من حقه، فلا يمكن القول بأنه عين الصواب. ثم إن هذا عندئذ ليس من باب الجمع بين العوض والمعوض، لأن العوض ناقص، والمعوض ناقص.

7 - ذكر الباحث أن من الجائز أن يشتري المشتري السلعة، بأزيد من ثمن المثل. ولم يذكر وجهه فإذا اشتراه، وهو غير عالم بثمن المثل، فله حكم، وإذا اشتراه بأكثر من ثمن المثل، رغبة في التصدق على بائع فقير، فله حكم. وإذا خرّجه مفتٍ, أو فقيه كذلك بقصد الحيلة، فله حكم. والتهرب من هذا البيان يعد في البحث العلمي عيباً من عيوبه.

8 - بين الباحث أن هذا العقد يستخدمه التاجر بديلاً عن بيع التقسيط، عند تعذر الرهن. ولكنه لم يذكر أسباب تعذر الرهن، كما لم يذكر أيهما أفضل، وأقرب إلى الجواز، وأبعد عن الخلاف: الرهن أم هذا الإيجار؟

9 - أضاف الباحث إلى هذا العقد ما أشكل، وهو مراجعة الأقساط (الشهرية أو السنوية)، مما يعني الجهالة والغرر. وفي نتائج البحث، قال: ((إذا لم يحصل عند مراجعة الأقساط زيادة، فلا جهالة ولا غرر)). وإذا حصل نقص، لم يذكر موقفه. وإذا لم يحصل زيادة ولا نقص، لم يقل ما معنى هذه المراجعة؟

10 - ما ذكره عن الإرادة والقصد، في القوانين القديمة والحديثة، لم تتضح للقارئ صلته بالسياق. بل إنه كتب في الصفحة 11/5 ثلاث فقرات متوالية، الأولى منها سطران، والثانية ثلاثة أسطر، والثالثة في الصفحة 12، لم تتضح علاقة أي فقرة منها بالأخرى.

11 - كلام الباحث عن استثناء المنفعة في البيع أو الإجارة، لم تتبين لي صلته بالموضوع.

12 - كلامه عن الأصل في العقود، هل هو الحظر أم الإباحة، لا علاقة له، لأن العقد فيه شبهات، يجب الرد عليها بوضوح وتفصيل، ومنهج علمي سليم.

13 - كذلك كلامه في الشروط كان الأولى منه أن يذكر صور العقد وشروطه، ويبحث فيها، ويناقشها مناقشة خاصة، عميقة ودقيقة، بدلاً من الكلام العام الوارد في كتب الشروط، قديمها وحديثها.

14 - أورد الباحث بعض القواعد الفقهية، ولم يبين انطباقها على العقد موضع البحث، وقال بأنها ظاهرة عند القارئ اللبيب، وكنت أتمنى أن يبين الباحث انطباقها، فهذا أولى من اللجوء إلى العموميات، بمناسبات مختلفة، أشرنا إليها.

15 - عرج الباحث على أسباب تحريم العقد عند المحرمين، وذكر سببين فقط، وهناك أسباب أخرى أهم منها لم يذكرها.

16 - تكلم الباحث عن جواز الجمع بين عقدي البيع والإجارة. ولكن عقدنا مختلف، فهو ليس من هذا الباب، إنما هو عقد غير محدد: أهو بيع أم إجارة؟ فالفرق كبير، ولكل منهما آثار مختلفة.

17 - ذكر الباحث في نتائج البحث كلاماً عن الوعد الملزم، مع أنه لم يتعرض له في صلب البحث. وأود أن أقول بأن الوعد المجرد فيه خلاف مشروع بين العلماء القدامى: هل هو ملزم أم لا؟ لكن هذا الوعد، إذا كان بديلاً لعقد محرم، فلا يجوز أن يكون ملزماً بحال، فأي فرق بين العقد والعقد الملزم هنا؟

18 - كما جاء في نتائج البحث على ذكر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ولم يتعرض له في متن البحث، أيضاً. وكان من الأولى أن يناقشه في البحث مناقشة صريحة وحرة، فأدلة المانعين فيه، وهم الجمهور، أدلة أقوى.

19 - كلام الباحث، في نتائج البحث، عن تصرف المشتري بالسلعة قبل قبضها، هو أولاً لم يسبق في متن البحث، وثانياً هو كلام لم يفهم منه: هل يجوز التصرف أم لا يجوز؟

20 - نقل الباحث، في النتائج، كلاماً عن ابن قدامة، في جواز دفع الرجل الدابة إلى من يعمل عليها، بجزء من دخلها. وهذا مختلف تماماً عن موضوعنا، فليس بينهما أدنى شبه، وأعجب ما في هذا الكلام خاتمته، عندما قال: ((لأن العمل هو الشراء أو التأجير..))!

21 - ورد في البند الثالث عشر من الخاتمة، من تساؤل الباحث، نقلاً عن ابن تيمية: هل تنعقد الإجارة بلفظ البيع؟

فهو أولاً لم يرد في صلب البحث، وثانياً فإن ابن تيمية يتكلم عن عاقدين فردين، ربما يقصدان شيئاً، ويذكران آخر، فما معنى هذا الكلام هنا، حيث يكون أحد طرفي العقد، على الأقل، حكومة أو شركة كبيرة.

هل يريد الأخ الباحث أن تتصرف الحكومة أو الشركة كما يتصرف فرد جاهل؟

22 - نقل الباحث، في خاتمته، عن ابن القيم قاعدة مفادها أن كل ما يعلم أنه لا غنى للأمة عنه، ولم يزل يقع في الإسلام، ولم يعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تغييره ولا إنكاره، ولا من الصحابة، فهو من الدين.لكن الباحث لم يثبت في بحثه أن هذا العقد لا غنى عنه، كما لم يخلصه من الشبهات تخليصاً علمياً رصيناً، حتى يقال إنه من الدين.

 

صور وتخريجات وإشكالات:

لم يذكر الباحث كيف يكيف لنا، في هذه الإجارة المنتهية بالتمليك، انقلاب الإجارة إلى تمليك: هل يتم هذا التمليك هبة أم بيعاً؟ وهل يجوز اعتبار القسط الأخير، مثلاً، ثمناً للبيع. والقسط الأخير مقداره معروف منذ بدء العقد، ولكن البيع لا يتم إلا بنهاية الأقساط، فيكون الثمن محدداً مسبقاً، والمبيع مجهولاً، لا تعرف قيمته إلا عند البيع؟

وإذا تم تخريج التمليك على أساس الهبة، لم يذكر الباحث: هل يجوز الجمع بين الإجارة والهبة؟ أم أن هذا الجمع يثير الشبهات، من حيث إن الهبة مؤشر على الحيلة، وتدخل في علبة عدد وأدوات المتحايلين، المتشابهة في كل زمان ومكان، والتي فضحها ابن تيمية في كتابه عن الحيل، وابن القيم في كتابه: ((أعلام الموقعين)).

 

قرار هيئة كبار العلماء:

قررت الهيئة، بتاريخ 6/11/1420هـ، بأغلبية أعضائها، أن هذا العقد غير جائز شرعاً، وعدد أعضاء الهيئة (19) عضواً، غاب أحدهم لمرضه، وخالف منهم (3) أعضاء، الشيخ عبد الله بن منيع والشيخ عبد الله البسام والشيخ محمد بن جبير، أما الشيخ محمد بن جبير فلم أطلع على رأيه، ولا أظن أن له رأياً مكتوباً، وأما الشيخ المنيع فقد اطلعت على رأيه، من خلال مقال نشرته صحيفة عكاظ، في 17/12/1420هـ، وكذلك اطلعت على رأي مكتوب للشيخ البسام، فوجدت الرأيين متشابهين، ولكني بالتأمل فيهما وجدت أن العقد الذي أجازاه هو عقد معدل، مختلف عن العقد الشائع، ومن ثم فلا يمكن القول بأنهما مخالفان، لأن الآراء لم تتوارد على محل واحد. ولعل البعض يريد من ذكر أنهما مخالفان هو فتح باب الخلاف لهما، ولغيرهما.

 

ما ثبت وما لم يثبت:

ثبت عندي أن من الجائز شرعاً أن يؤجره إيجاراً حقيقياً (لا صورياً)، ثم يبيعه بسعر السوق، أو يعطيه الخيار بالشراء بسعر السوق. كذلك من الجائز أيضاً نقل ملكية المبيع، مع شرط المنع من التصرف، أو مع رهن المبيع نفسه، حتى سداد الأقساط جميعاً.

أما الإيجار المنتهي بالتمليك، بصوره السائدة، فلم يستطع حتى الآن أن يثبت جوازه فقيه أو مفتٍ,، بأدلة شرعية سليمة.

 

ـــــــــــــــــــــــ

[1] عملاً بحرية النشر فقد نشرنا هذا التعقيب على بحث الإيجار المنتهي بالتمليك المنشور في العدد السابق ولكل من الأخوين الباحثين وجهة نظره ولكل منهما اجتهاده.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply