نفحات الخير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد ولد ادم أجمعين، أما بعد:

فإن الله - تعالى - خلق الخلق لعلة عبادته، والإقبال إلى طاعته، وجعلهم بشراً يذنبون و يخطئون، وجعل المغفرة و الرحمة لمن استغفره و طلب مرضاته {و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً}.

 

و لما كان الله - تعالى -أعلم بفطرتنا، وأوعى لخلقنا علم أن القلوب تلوّث معينها الصاف الذنوب، وتقتل طهرها المعاصيº فجعل لنا في أيام دهرنا محطات بها نتطهر، ومن خلالها نغتسل من همومنا (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لنفحات الله).

وهذه النفحات هي التي يستشعر العبد بها القرب من الله - تعالى - فهي مواسم الطاعات، ومرتع الهبات..فالخير فيها عميم و الأجر فيها عظيم، وما من عبد يتقرب إلى الله - تعالى -فيها بقربة إلا و كانت له من الله الهبة و المحبة..يهيئ الله - تعالى - فيها لعباده الأجواء، و يعزّز لهم الرغبة والانتماء..

فما هي تلك النفحات؟

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الصلاة إلى الصلاة، و الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر).

فالصلاة نفحة من نفحات الله - تعالى -، والجمعة أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن فيها ساعة ما دعا فيها الله عبد إلا استجيبت دعوته، و العمرة من نفحات الله.. أليس بقرب البيت العتيق الصلاة بمائة ألف صلاة و عشر ذي الحجة و يوم عاشوراء و يوم عرفة كل هذه نفحات المولى - عز وجل - التي فضلها على سائر الأزمان..

والنفحة العظيمة المتميزة و المفضلة على سائر الأزمان، طويل وقتها، وعظيم أجرها، وطيبة لياليها و أيامها.. هي الشهر العظيم رمضان {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

 

ولأن سنة الله - تعالى -أن فضّل أمكنة على أمكنة، و بَشراً على بشر فقد فضّل أيضا أزمنة على أزمنةº فقد تميّز رمضان عن سائر الشهور و الأزمان بأمور عدة عظيمة منها ما علمنا و هي كالتالي:

• اختصه الله - تعالى -بنزول القران {شهر رمضان الذي أنزل فيه القران}.

• جعل فيه ليلة هي خير من ألف شهر و هي ليلة القدر {تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر}.

• الفريضة فيها بسبعين فريضة، والنافلة فيها بفريضة، والعمرة فيها بحجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

• هيئ الله - تعالى -لعباده فيها كل الوسائل لعبادة، فقد صفّد لهم الشياطين، وأغلق أبواب النيران في وجوههم، وفتح لهم أبواب الجنان.. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان، وأغلقت أبواب النيران، وصفّدت الشياطين) بل إن الله - تعالى -يرسل منادياً يُنادي في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)، والتهيئة النفسية التي يحسّها المؤمن من بداية الشهر المحرم رجب و شعبان و يجد لذة العبادة و رغبة القرب من الله - تعالى -.

• يغفر الله - تعالى -فيها لعباده المؤمنينº فإن له في كل ليلة عتقاء من النار، حتى إذا كانت آخر ليلة يغفر الله - تعالى -كل عباده المؤمنين إلا مشرك أو عاق لوالديه أو مشاحن كما ورد في الحديث.

 

ورمضان الشهر الكريم و الخير العميم النفحة السنوية الطويلة المعلومة للقاصي و الداني، صيامها فريضة و قيامها نافلة {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

رمضان جاء فجاء الخير أجمعه.. ترتيل ذكر و تحميد و تسبيح، والنفس تدأب في قول و في عمل صوم النهار وفي الليل التراويح.. كان السلف الصالح يقتدون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في استقباله للشهر الكريم، واستغلاله للحظاته.. فتجدهم ما بين قائم و ساجد، ومجاهد و صائم، وقارئ لكتاب الله - تعالى -، ومُطعم للطعام.. يرجون رحمة الله، و يحذرون الآخرة..

فكيف نستغله؟

كان دأب الصالحين استغلال المواسم ((النفحات)).. انظر إلى ابن الحمام و هو يقول: \" إنها لحياة طويلة إن عشت حتى أكمل هذه التمرات \"º حينما بشّره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة..

وأنس بن النضر يجد نفحات الجنة دون أُحد فلا يتركها حتى وصلها..

وهكذا هم الموقنون تعلوهم الهمم العالية التي جعلت منهم منابراً من نور، يهدون الأنام إلى سنة الحبيب المصطفى - عليه السلام -º فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يربط على بطنه الحجر في رمضان، و إذا جاءت العشر الأواخر ربط الحجرين كما ورد عنه.

وقالت عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان كريما في كل أحواله حتى إذا جاء رمضان تجده كالريح المرسلة... لو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله.

كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وإذا جاء رمضان أيقظ أهله، وشدَّ مئزره، وأقام ليله، وأوصل صيامه - بأبي هو و أمي - ويقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).

 

القران ورمضان:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و قد أُنزل عليه لا يفتر عن قراءته وتدبره، ويقول لخلق الله: (تعاهدوا هذا القرانº فإن لكل حرف فيه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ألا وإني لا أقول {ألم} حرف، و لكن ألف حرف، ولام حرف، و ميم حرف).

و يقول - صلى الله عليه وسلم -: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، وحين يذكر لنا - صلى الله عليه وسلم - أن (الصيام و القرآن يشفعان لصاحبهما، يقول القرآن: يا رب إني حرمته نومه فشفعني فيه، و يقول الصيام: يا رب إني حرمته من نهاره فشفعني فيه، ولا يزالان كذلك حتى يشفعهما).

وعلى دربه مشى الصالحون، وسار المتقون إلى جنات رب العالمين.. فهذا عثمان - رضي الله عنه - يقوم ليله بالقرآن، و الشافعي - رضي الله عنه - كان يختم في يومه وليلته ختمتين، وابن حنبل و أبو حنيفة و الزهري و أبو الوفا البغدادي وغيرهم ورد عنهم أنهم كانوا يختمون الختمة في كل يوم، وما زال هناك من عاشرنا ودرسنا عليهم يختمون كل يوم، والصالحين على دربهم سائرون.. فأين أنا وأنت منهم بالله عليك؟

هل نجعل من رمضان هذا العام منطلقاً للتغير إلى الأفضل، وإلى ما ينفع في الدين و الدنيا؟

فإن الله - تعالى -طلب منا عمارة الدنيا بالدين فلا نضيع و لا نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ولن يتم ذلك إلا بالإقبال إليه و التوبة و الإنابة والفرح {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

 

فهيا ننطلق أخي الكريم:

فإن الربع قد رحلوا ونحن قاعدون والناس قد وصلوا ونحن منتظرون فإلى متى التقاعس و الخذلان، وإلى متى الانتظار والوقت لا ينتظر والزمان لا يراعي أحدا: أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً، ونحن قعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم صريع الأماني والغرام يصارع اللهم بلغنا الشهر الكريم، وأعنّا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. اللهم اجعله شهر نصر وتمكين وعزّ وتأمين للأمة الإسلامية.. يا رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply