بسم الله الرحمن الرحيم
إن للصيام مكانة عظيمة في نفوس أهله، وهو من شعائر الإسلام التي تبين وجهاً من وجوه الترابط والتآخي والوحدة بين المسلمين، لذا ترى البسمة تعلو وجوههم حينما يُعلَن عن دخول رمضان، وقد استقر في نفوسهم أنه شهر العبادة والقرآن، شهر الإقبال على المساجد والاهتمام بالطاعات، وتراهم يجتمعون عند السحور والفطور، وتراهم يترددون على المساجد في الصلوات الخمس، إلا أنه يعكر ذلك بعض الظواهر الغريبة التي توحي بعدم إدراك السر من فريضة الصوم عند بعض الناس.
ظاهرة غريبة
كثيرا ما يسأل الناس في رمضان عن مفسدات الصوم، ويصل بهم الأمر إلى الوسوسة فسائل يسأل هل استخدام المعجون يفسد الصوم؟ وآخر يسأل هل التقطير في العين يفسد الصوم؟ وهلم جرا من الأسئلة التي تنم في حقيقتها على حرص أصحابها تجنيب صومهم كل ما يفسده، ولكن الغرابة تكمن في أن كثيرا من أصحاب هذه الأسئلة يرتكبون أكبر المفسدات ولا يسألون عنها هل تفسد الصوم أو لا، فهل هناك أفسد للصوم من قول الزور والعمل به(والزور هو الباطل) فمن اقترف زوراً من الأقوال أو الأفعال فقد سلب صيامه الروح التي فرض لتحقيقها ولم يبق له من صيامه إلا الجوع والعطش، فما ظنك بصائم لا يصلي هل تقرب بصومه إلى الله أم أنه تخرج من مدرسة رمضان صفر اليدين؟
حقا إنها ظاهرة غريبة تكاد توحي بأن رمضان أصبح عند كثير من الناس عادة اجتماعية لا عبادة ربانية مع أنه من المعلوم بداهة أن الذي فرض الصيام هو الذي فرض الصلاة، وأن الذي رتب العقاب على ترك الصيام هو الذي رتب العقاب الشديد على ترك الصلاة، فكيف يسوغ لمن ينتسب إلى الإسلام ويحسب عليه أن يتهاون بركن عظيم وعمود الدين في شهر مبارك تتسابق فيه النفوس للفوز بالجنة والعتق من النار بالإكثار من النوافل فضلاً عن المحافظة على الفرائض والقيام بها على أتم وجه وأكمله، أم زين له الشيطان ذلك فأخذ ببعض الأمر وترك بعضه، والله يقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) البقرة /85، ومثل هذا يكون قد حرم نفسه الخير، ولا يفعل ذلك من كان حريصاً على جنة عرضها السماوات والأرض، ومثل هذا لم يشكر النعم التي أسبغها الله عليه، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالرياض عمن يصوم ويصلي في رمضان فقط فإذا انتهى هذا الشهر الكريم، ترك الصلاة، فأجابت بما يلي:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر، أما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفراً أكبر، وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء. (فتاوى اللجنة 10/140)، هذا فيمن يصلي مع صومه ثم يترك الصلاة بعد رمضان، فكيف بالذي لا يصلي حتى في رمضان وإنما يقتصر على الصوم فقط، فالمسألة جد خطيرة، ولا يمكن التغافل عنها، ونحن نظن أن صدور ذلك من تارك الصلاة ليس جحداًً لوجوبها واستكباراً بتركها ولكن كسلاً وتهاوناً، بل هم ممن يحب الخير وأهله، وقد يتمنى أحدهم أن لو كان محافظاً على الصلاةً لكنه يظل متكاسلاً عنها ومسوفاً ومتحججاً بأعذار لا تشفع لصاحبها عند الله وإنما هي أمالي الشيطان يمليها على أصحاب القلوب الضعيفة التي تركن إلى حب الراحة إذا نادى منادي الصلاة، وهذا الكسل المذموم يورث ما هو واقعٌ اليوم من ترك الصلاة بالكلية أو ترك بعض الفروض والاقتصار على صلاة الجمعة أو العيد، وهذا لا شك أنه تقصير عظيم في عمود الإسلام، والركن الثاني من أركان الإسلام، والذي ثبت أنها أول ما يحاسب عليه المرء، وأن من ضيعها ضيعه الله، وقد ثبت الوعيد الشديد على المتهاونين فيها، في الكتاب والسنة، وبين الأئمة حكم تاركها حتى أن من العلماء من قال: أن من ترك صلاة واحدة بغير عذر فقد كفر، ومعنى \"كفر\" أي أنه يأخذ حكم الكفار في بغضه، وعدم معاشرته، ووجوب هجره، وإذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين بل تحفر له حفرة في الصحراء ويهال عليه التراب، ولا يرث ولا يورث، ولا يترحم عليه أو يستغفر له، ويحشر يوم القيامة مع شر الناس: (فرعون، وهامان، وقارون، وأبي جهل، وأمية بن خلف) الذين شغلتهم دنياهم عن تصديق الرسل فكذبوهم، جاء في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة \"، وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر \"، (رواه أهل السنن وأحمد بإسناد صحيح)، كما أن تارك الصلاة تهاوناً مرفوض وجوده في المجتمع المسلم، فقد قرر الأئمة الأربعة رفض وجود تارك الصلاة تهاوناً في المجتمع المسلم، على اختلاف في أقوالهم في حكمه، فمنهم من قال يقتل (1)، ومنهم من قال يحبس حتى يصلي أو يموت في الحبس (2)، وما ذلك إلا لشناعة فعله، وقسوة قلبه، ولئلا يستشري هذا الداء العضال في المجتمع المسلم، كما أن الأئمة متفقون على استحقاقه العذاب الأليم والوعيد الشديد، إذا مات على حاله السيئة.
فهل بعد هذا أفسد للصوم من ترك الصلاة؟
وقد ذهب بعض السلف من الصحابة والتابعين إلى أن المعاصي كلها تفطر، ومن ارتكب معصية فعليه القضاء، وهو مذهب الأوزاعي وابن حزم الظاهري (3).
فأي معصية أكبر من ترك الصلاة؟
----------------------------------------
(1) - كما هو رأي المالكية والشافعية والحنابلة إلا أنه عند المالكية والشافعية يقتل حداً وعند الحنابلة يقتل كفراً
(2) - وهذا رأي الأحناف(انظر الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي 1/503)
(3) - انظر المحلى لابن حزم (6/177).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد