بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يتميز التشريع الإسلامي باستخدامه الأسلوب التكليفي الذي يوجه الفطرة إلى السواء، وكذلك تعدد الفرائض فيه والعبادات التي تستقيم مع الفطرة، فلم يثقلها فتعجز، ولم يترك هذا الأمر لطبع يختار فيكسل، والإسلام قد أحسن استخدام أسلوبي الترغيب والترهيب لأن النفس البشرية: إمَّا أن تكون أمارة فترهب وتقهر، وإما أن تكون لوامة فترغب، واستخدام هذا الأسلوب الوعد والوعيد ينمي في النفس الخير ويقوِّم فيها الاعوجاج، ولذلك قال الله -تعالى-: ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10) (الشمس)
فنلاحظ في الآيات الدلالات التعبيرية التي تحبب إلى النفس الخير فتفعله وتبغض إلى النفس الشر فتكرهه، وذلك الاستخدام يتمثل في هذه الكلمات (فجورها تقواها قد أفلح زكَّاها قد خاب دسَّاها).
وهنا تأتي البلاغة التشريعية حيث إنه يترك للعقل خيارات ومقارنات وهكذا في أساليب القرآن التشريعية، ومن هذه التشريعات التي تزكي النفس "الصيام".
العبادات طريق التزكية: ومن رحمة الله بخلقه أن جعل أمر التشريع إليه، فلم يتركه لبشر يستحسن أو يقبح، ولأن من مقاصد العبادات أن تهذب السلوك الإنساني مع الله ثم مع الناس، وتوحد غاياتها ووسائلها حتى تستقيم الحياة، فإن القرآن ولذلك يأمرنا بالصلاة فيعطي هذا الأمر صورة لفظية تحفز النفس وتحدد لها الصفة، فيقول -سبحانه وتعالى-: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين 238(البقرة) فهذه وسيلة لغاية.
وكذلك الصيام: يأتي الأمر التكليفي به بهذا الأسلوب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون 183(البقرة).
والإسلام في تكليفه هذا إنما يدفع في النفس روح القبول وفي الأداء الصدق، حيث قال: كما كتب على الذين من قبلكم، وربط الوسيلة بغايتها لعلكم تتقون، وهكذا.
والإسلام في تشريعاته راعى جوانب النفس المختلفة فعدد العبادات ونوعها، ففي النفس اعوجاج لا يقوَّم إلاَّ بالصلاة، وآخر لا يقوَّم إلاَّ بالصوم، وآخر لا يقوَّم إلاَّ بالزكاة...إلخ.
عظمة التشريع: والتشريع الإسلامي تشريع جمع محاسن التشريعات ومزجها في منهجية واحدة، ناسخاً سابقه أو مضيفاً إليه ولذلك قال الله -تعالى-: إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران: 19).
مميزات الإسلام: وإذا كان الله قد جعل الدين عنده الإسلام فقد جعل له ما يميزه ويميز أتباعه في الكيفية والأداء والسلوك، فمثلاً الصيام شريعة سابقة والصلاة والزكاة إلاَّ أن الإسلام جاء ليعطيها صورة جديدة مميزة. فالمشاركة مع السابق في الفريضة وليس في الكيفية، فالأمة مُيزت بالتشريع، فإذا قام المسلم بأداء عباداته عُلم أن دينه الإسلام وإذا ما تكلم علم أنه مسلم... إلخ، ولذلك جاء الخطاب حيث يقول الله - تعالى-: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا(المائدة: 3).
ليلة الشرف.. عطية وتقدير: إن الله -تبارك وتعالى- يربط الأمة بالقرآن فيتحدث تارة عن عظمة القرآن وإعجازه وتارة عن عظمة الزمن الذي أنزل فيه وأخرى عن عظمة النازل به والمنزل عليه وعظمة الأمة المتبعة لهذا المنهج، قال -تعالى-: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان(البقرة: 185)، فإنزال القرآن نعمة، وأي نعمة؟ والنعمة تستوجب الشكر، لم ينزل الله لنبيه الشكر وإنما حدده بأداء عبادة في زمن إنزال النعمة، وهذه العبادة ميزت الأمة بها في الكيفية، ويأتي التعظيم ليزداد فيرتبط الإنزال بليلة، فيقول ربنا: إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3)(القدر).
إنها سورة قرآنية ذات موضوع واحد وعنوانها القدر، والبدء غير مكرر إلاَّ مع الفتح والكوثر، والخطاب فيهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأياً كان معنى القدر في الآية من التقدير والتعظيم والمكانة، وأياً كان معنى الإنزال فالإنزال في الغالب يأتي لما أنزل جملة والتنزيل للعمل المنجم، والبدء تنظيم وتكريم، حيث أضمر القرآن ولم يتقدم له ذكر شهادة له بالتشريف وأسنده إليه -تعالى- وجعله مختصاً به دون غيره ورفع مدة الوقت الذي أنزل فيه، ثم تتوالى العبادات للأمة من خلال هذه الليلة الكريمة.
وكذلك نرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحث الأمة على طلبها وتحريها والتماسها رجاء تحصيل الفضل، وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوحي إلينا بالأدب في الطلب والدأب، فيقول: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، "ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
وهنا تتبين الغاية من الوسيلة (إيماناً واحتساباً) وكذلك يأتي هذا التعبير الذي نتبين منه حرص الجماعة المسلمة على تحصيل الشرف والقدر من ليلة القدر فيقول الرسول: "التمسوا" وفي رواية: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" انظر: مسلم بشرح النووي، وعند البخاري "فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر".
وقال الله عنها مخبراً إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) (الدخان).
أمورٌ تتبع وأخرى تترك:
1. الرأي الأصح هو أن ليلة القدر ميزة وفضل اختُصت به الأمة دون غيرها.
2. ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر.
3. أراد الله من الأمة صدق التعبد فأبهم عليهم الليلة حتى تُكثر الأمة من تقربها إلى الله.
4. ليلة القدر لها علامات كما ورد في السنة (انظر كتب الحديث).
5. يجوز إحياء ليلة القدر بأنواع العبادات المتعددة من قيام وقراءة قرآن.
6. ليلة القدر لا ينال فضلها إلاَّ من أهَّل نفسه بالطاعة والاحتساب.
7. لا يجوز الجزم بأن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين بل قد تكون في غيرها.
8. لا يجوز للأمة أن تتكاسل عن العبادة وتنشط في ليلة السابع والعشرين فقط.
9. ليس من السنة الصحيحة القنوت في قيام رمضان وإطالته في ليلة القدر وكذلك تفصيل الدعاء.
10. ليس من السنة إتمام القرآن في قيام ليلة القدر فلم يرد ولكنه مستحب عند بعض أهل العلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد