بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أما بعد:
ها نحن أيها الأحبة، نعيش هذه الأيام أياماً مباركات، صيام وتراويح قرآن وتسابيح صدقة ودعاء، وبر وإحسان، وغيرها كثير مما يتقرب بها المسلمون إلى ربهم في هذا الشهر، لقد ازدحمت المساجد، وكثر المصلون، وهذا أمر طبيعي نشاهده في كل رمضان، وأقبلت الأسر على ربها، ويحرص كثير من الناس على العمرة في رمضان، وكل هذا وغيره أمر طيب يحبه الله عز وجل.
لكن ثمة أمر آخر يتناقض مع كل ما سبق ذكره، يقع أيضاً من الكثيرين في رمضان، وهذا الأمر يعكس الأمور السابقة يبغضها المولى جل وتعالى.وأظن أنه لا بد من المصارحة بالحديث فيه.وهو قضية التلفاز في رمضان.
أيها المسلمون الصائمون: إن البرامج التلفزيونية كما هو مشاهد أنها تنشط في رمضان بشكل عجيب، ويتضاعف جهود المحطات وقنوات البث. وهذا لا يتعارض مع حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)). وفي رواية مسلم: ((وصفدت الشياطين)) لأن الذي يسلسل هو الشياطين من الجن كما جاء في رواية الترمذي وابن ماجه ومردة الجن، لكن الذي وراء هذه البرامج هم مردة شياطين الإنس.
وكأنه والله أعلم أن هذا النشاط المكثف لأمر مقصود، وهو إزالة الأجر والثواب الذي حصل عليه العبد في نهار رمضان فتأتي هذه البرامج وتقضي عليه بالليل.
لكن هؤلاء الشياطين لم يدعوا الصائمين من جمع الحسنات حتى في النهار، فالتلفاز يعمل طوال ساعات الليل والنهار، فانشغل الكثيرون حتى في نهار رمضان عن الذكر والاستغفار وقراءة القرآن، وجلسوا أمام هذا الجهاز، واكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام فقط.
أيها المسلمون: هل ينكر أحد منا أن الله حرم علينا معاشر الرجال النظر إلى المرأة الأجنبية، ولا أتكلم عن الخلاف المعروف بين الفقهاء في وجه المرأة، لأن الذي يعرض في التلفاز وجه المرأة وشعرها وصدرها وذراعيها، وساقيها وربما أعظم من هذا هل ينكر أحد منا أن الإسلام قد حرم علينا الاستماع إلى الغناء وآلات الطرب واللهو. ولا يمكن أن يخلو برامج التلفاز من أصوات الموسيقى المحرمة.
كل هذا أيها الأحبة، لو سلّمنا بأن ما يعرض على الناس هو النساء والموسيقى ولكن الواقع أن الأمر أعظم من هذا.
إن الذي يعرض على الناس الآن الشرك والكفر بالله تعالى، يعرض على الناس السحر والشعوذة والزندقة، يعرض على الناس تمثيليات الجنس ومسلسلات العشق والغرام، يعرض على الناس الزنا الصريح، يعرض على الناس صور الجريمة وأساليب النصب والاحتيال، يعرض على الناس برامج منتجة في بلاد عربية، مثل، وأغلب القائمين على الإنتاج اللبناني نصارى، يحاربون الله ورسوله، يعرض على الناس الخمر والمخدرات.
لقد تبلد أحاسيس الناس، وماتت الكثير من الفضائل الإسلامية في نفوسهم حتى صاروا يتقبلون أن ينظروا في الشاشة رجلاً يحتضن بنتاً شابة، لأنه يمثل دور أبيها، ونحن مطالبون أن نأخذ الأمر بعفوية وطبيعية.
وصرنا لا ننكر وجود رجل وامرأة في وضع الزوجين، ونصف الرجل بأنه ممثل محترم وأنها ممثلة قديرة، وصرنا لا ننكر على أن تظهر المرأة حاسرة الرأس، كاشفة الشعر والرقبة، والذراعين والساقين.
تعودنا مناظر احتساء الخمور والتدخين والاغتصاب والسرقات والقتل والسباب بأقذع الألفاظ، وتقبلنا كل هذا على أساس أنه تمثيل. وكل هذا متفقون جميعاً على أنه حرام، مصادم لأمر الله عز وجل.
أيها الصائمون: أسألكم وأنتم تعرفون الجواب، هل يتناسب كل ما ذكر مع رمضان، شهر جمع الحسنات، وشهر نزول الرحمات والبركات كيف تنزل الرحمات على البيوت؟ ما هذه التناقضات التي نعيشها. نمسك عن الطعام والشراب، ولا نمسك عن النظر والاستمتاع، هل الصيام فقط الامتناع عن الأكل والشرب؟ من كان لا يعرف الصيام إلا بهذه الصورة مخطئ وجاهل، الصيام هو صيام الجوارح كلها لكي يخرج في النهاية – لعلكم تتقون.
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
وهل مشاهدة هذه البرامج تكسب التقوى، إنها تقضي على البقية الباقية من إيمان العبد، كيف نرضى لأنفسنا أن نرتكب المحرم ونحن صائمون كيف نرضى أن نخالف ونطيع في نفس الوقت، إنها لمن المتناقضات العجيبة.
إذا كان لابد من التلفاز في حياتك أخي المسلم ووصلت إلى قناعة، أنك لا يمكنك الاستغناء عنه، وهو في حياتك بمثابة الهواء والماء، فلا أقل من أن تتركه في رمضان، لكي لا تجرح صيامك وتنقص الأجر.
فاتقوا الله أيها الصائمون، إننا نخاطب الإيمان الذي في قلوبكم، ونخاطب الصيام الذي تصومون، أن تتقوا الله جل وتعالى وأن يستحي الواحد منا من ربه، فلا يعصيه ويخالفه وهو صائم، ولا يعصيه بنعمه التي أنعمها عليه.
يا عبد الله، يا من أيام عمره في حياته معدودة، يا من عمره يُقضى بالساعة والساعة فيما لا فائدة منه، يا كثير التفريط في قليل البضاعة، يا شديد الإسراف، يا قوي الإضاعة، كأني بك عن قليل تُرمى في جوف قاعة، مسلوباً لباس القدرة، وبأس الاستطاعة وجاء منكر ونكير في أفظع الفظاعة، كأنهما أخوان من الفظاظة من لبان الرضاعة، وأمسيت تجني ثمار هذه الزراعة، وتمنيت لو قدرت على لحظةٍ, لطاعة، وقلت: رب ارجعون، ومالك كلمة مطاعة، يا متخلفاً عن أقرانه قد آن أن تحلق الجماعة.
أيها المسلمون الصائمون: إننا نخاطب الإيمان الذي في قلوبكم أن تحفظوا نعمة البصر، ولا تطلقوها في النظر إلى ما حرم الله، فإن النظر سهم من سهام إبليس. إن النظر بمنزلة الشرارة في النار، تُرمى في الحطب اليابس، فإن لم تحرقه كله، أحرقت بعضه، وكما قيل:
ومعظم النار من مستصغر الشرر *** فعل السهـام بـلا قوس ولا وتر
في أعين الغيد موقوف علـى خطر *** لا مرحبـاً بسـرور عـاد بالضرر
كل الحوادث مبدؤها من النظر *** كم نظرة فعلت في قلب صـاحبها
والمـرء مـا دام ذا عيـن يقلبها *** يسـر مقلته مـا ضـرّ مهجتـه
إن من غضّ بصره عما حرم الله عليه، عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره في محارم الله، وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه، فإن القلب كالمرآة، والذنوب كالصدأ فيها. فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي. وإذا صدأت لم تنطبع فيها صور المعلومات، فيكون علمه وكلامه من باب الخوض والظنون.
ثم بعد هذا كله أيها الآباء ما ذنب الأبناء أن نربيهم منذ الصغر، وفي هذا الشهر على مسلسلات الخلاعة والمجون، ويكبرون على التناقضات، فيتربى منذ الصغر في نفسه أن لا مانع من النظر في النساء، ولا مانع من رؤية الفواحش، ولا مانع من رؤية مناظر الخمور والدعارة، ومع هذا كله لا مانع أن يصوم ويمسك عن الطعام والشراب، لكنه لا يطلق بقية جوارحه. والله المستعان.
ما ذنب الأبناء؟ ثم يشتكي الواحد منا بعد ذلك من ولده أنه يدخن أو..
أيها المسلمون: إن التلفاز في حياة الناس تدخل في كل شيء، إن التلفاز غيرّ ترتيب وجبات الطعام عند الناس فصارت الوجبات ملتزمة بمواعيد البرامج، وأحياناً يأتي موعد الوجبة الغذائية ويمضي، والمشاهدون مشدودون للتلفاز دون اهتمام بحاجة الجسم للطعام ودون شعور بالجوع في بعض الأحيان وذلك عندما يبلغ سكر الفم منتهاه.
لقد غيرّ التلفاز طريقة تجمع الناس، لقد كان هناك تزاور بين الجيران في السابق وكانت هناك أحاديث جميلة وتسامر نظيف واهتمام بمشاكل بعض، أما الآن، فكل ليل الأسر مشغول بمتابعة الأفلام، وتعدى الأمر حتى إلى العجائز والله المستعان.
بل إن الأسرة الواحدة اسأل نفسك أيها الأب، كم مرة تلتقي في الأسبوع بكامل أفراد البيت على غير الطعام والتلفاز، لتتحدثوا حول موضوع معين، أو على الأقل تجلس معهم أيها الأب لكي يكتسبوا من أخلاقك، ومتى سوف يتعلمون منك التعقل والحكمة والاتزان، ومتى يقتبسون من أفكارك وآرائك أيها الوالد.
إذا كنت الآن وفي هذا السن لا تجلس معهم فمتى يكون إذن، فبعد أن يكبر الأولاد، الالتقاء معهم يكون في المناسبات، فالتلفاز لم يترك وقتاً للالتقاء الأسري، ولا للتجمع العائلي، وليس هناك مجال لتبادل الخبرات والتجارب، الجواب أتركه لكل والد.
أين هدوء ليالي رمضان التي كنا نعرفها قديماً، إن ليالي رمضان كان له جوه الخاص، وشفافيته الفياضة، وروحانيته الخاصة، بين قارئ لكتاب الله، ومستغفر بالأسحار، وقائم يصلي لصدره أزيز كأزيز المرجل، الكل في هدوء وسكينة، فجاء التلفاز في رمضان وحرم الناس تلك السكينة وذاك الهدوء، بأفلام رعاة البقر، ومسلسلات العنف والجريمة، وجولات المصارعة الحرة، ومباريات كرة القدم. والأدهى من ذلك كله، أن يُخدع الناس في رمضان ببعض الأفلام التي يسمونها الإسلامية أو (المسلسلات الدينية)، فالمخنثين من الممثلين الذين كانوا في شعبان يمثلون أفلام الخلاعة والزنا والدعارة، إذا جاء رمضان، مثلوا أدوار الصحابة في تمثيلياتهم. والممثلة الساقطة التي كانت في شعبان، تُقبل على شاشات التلفاز، ويُمارس معها الخنا والفجور تخرج في رمضان بحجاب وجلباب طويل لتمثل دور الصحابيات، أو زوجة أحد الشخصيات الإسلامية، أي مغالطة أعظم من هذا، بل أي منكر أعظم من هذا ونحن ننظر ونتقبل الأمر بشكل طبيعي، ماتت الغيرة عندنا حتى على أصحاب رسول الله.
فلنتق الله أيها المسلمون، ولنعرف لرمضان حقه وحرمته، ولنترك المعاصي والذنوب، ونتوب إلى الله توبة صادقة في هذا الشهر فإنها والله فرصة، والمحروم من حرم ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها المسلمون الصائمون: بقيت كلمة تتعلق بجهاز التلفاز في رمضان. تتعلق بالقنوات الفضائية التي تستقبل عن طريق الأقراص، التي تسمى بالدش. إن الشر الذي يعرض في المحطات القريبة حولنا، لكافٍ, في هدم دين وأخلاق المجتمع. فما بالكم لو سُهّل للناس رؤية محطات فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وقد سُهّل ذلك، إنه باب من الشر لا يعلمه إلا الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد