بسم الله الرحمن الرحيم
قالت إحدى الزوجات:
اشترطتُ على زوجي في العقد عدم التزوج عليّ بثانية، فهل هذا يصح عرفًا وشرعًا؟
وماذا لو رجعت الزوجة في شرطها بعد سنوات من الزواج؟
وماذا عن موقف رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما رفض زواج عليّ بن أبي طالب ببنت أبي جهل على فاطمة؟
وما أسباب الاقتصار على زوجة واحدة؟
عزيزي القارئ
هناك دوافع وأسباب للاقتصار على زوجة واحدة منها:
1-اشتراط المرأة عند العقد عدم التزوج عليها.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بي عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \'أحق الشروط أن يوفّى به ما استحللتم به الفروج\'.
فلو اشترطت المرأة أو وليها على الرجل ألا يتزوج عليها بأخرى، عند العقد لزمه الوفاء بالشرط فإذا لم يفِ به فُسخ النكاح ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \'المسلمون عند شروطهم\' ومن المعلوم أنه يلزم الوفاء بالشروط المتفق عليها في البيع، فالوفاء بها في الزواج من باب أولى.
ومن الشروط ما يجب الوفاء به وهي التي لم تتضمن تغييرًا لحكم الله ورسوله كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها...وغير ذلك مما تضمنه الشرع.
ومن الشروط ما لا يجب الوفاء به مع صحة العقد، وهو ما كان منافيًا لمقتضى العقد ومقتضى الشرع مثل اشتراط ترك الإنفاق والوطء، أو اشتراط أن تُنفق عليه... وغير ذلك مما لا يجب الوفاء به.
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو ما الفرق بين اشتراط المرأة طلاق ضرتها، وبين اشتراط المرأة أن لا يتزوج عليها عند العقد؟
أجاب ابن القيم - رحمه الله - عن هذا فقال: \'قيل: الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاح غيرها\'.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \'نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو أن يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صفحتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى\'، وفي رواية: \'هي أن تشترط المرأة طلاق أختها\' وعن عبيد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: \'لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى\'.
ومعنى الحديث: نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلاًَ طلاق زوجته، وأن يتزوجها فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة.
2- جريان عرف أمثالها بألا يتزوج عليها الرجل:
وقد اشترط العلماء في صحة العرف ألا يخالف نصًا من نصوص الشريعة، ونأخذ مثالاً على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما رفض زواج عليّ ابنة أبي جهل على السيدة فاطمة ابنته - رضي الله عنها -.
فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: \'إن بني هشام بن مغيرة استأذنوني في أن يُنكحوا ابنتهم من عليّ بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يُطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها\' وفي رواية: \'إن فاطمة مني وأنا أخاف أن تُفتن في دينها\' ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال: \'حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي، وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حرامًا، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحدٍ, أبداً\'
قال ابن القيم - رحمه الله -: فتضمن هذا الحكم أمورًا: \'أن الرجل إذا اشترط لزوجته ألا يتزوج عليها لزمه الوفاء بالشرط، ومتى تزوج عليها فلها الفسخ، ووجه تضمن الحديث لذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن ذلك يؤذي فاطمة ويريبها، وأنه يؤذيه - صلى الله عليه وسلم - ويريبه\'.
وقد ذكر الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه لصحيح الإمام مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخوّف على عليّ الهلكة إن هو آذاه بزواجه ابنة أبي جهل على السيدة فاطمة رضي الله عنهاº لأن أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس كأذى بقية الخلق.
ولكن لو تغير الحال ووافق صاحب الحق على التعدد، وتنازل عن هذا الشرط جاز ذلك، بشرط أن يتم ذلك برضاه وبمحض اختياره، كما يجوز لصاحب الميراث أن يتنازل عن ميراثه.
3- من أسباب الاقتصار على واحدة خوف الجور وعدم العدل:
إذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه لزمه الاقتصار على واحدة كما قال - تعالى -: {فَإِن خِفتُم أَلاّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وهذا يتعلق بالعدل الواجب المستطاع كالنفقة والسكنى والمبيت، أما ما لا يملكه العبد كالميل القلبي تجاه زوجة من زوجاته فلا يدخل في ذلك، وهو الذي عناه الله - عز وجل - بقوله: {وَلَن تَستَطِيعُوا أَن تَعدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ وَلَو حَرَصتُم} [النساء: 129].
وخلاصة القول: أنه قد نمنع البعض من تعدد الزوجات لجريان الشرط اللفظي أو العرفي، وقد يمتنع البعض لاشتراط المرأة عند العقد عدم تزوج الزوج عليها، وقد يمتنع البعض لخوفه الجور وعدم العدل بين الزوجات. وليس ذلك إبطالاً لحكم التعدد فهو باق على الإباحة، ويجوز لمن خلا من مثل هذه الموانع، فيجب علينا أن نعرف الشرع ونتفهم الواقع حتى يكون الزواج سبب مودة ورحمة لا مبعث شقاء ونقمة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد