العلماء والدعاة يقيمون سوق الأسهم شرعا


بسم الله الرحمن الرحيم

 مطلوب (رقابة شرعية) على السوق تحد من الغرر والجهالة والتلاعب

د. الحنيني:

فتنة المال من الفتن التي أخبر عنها المصطفى..فاحذروا هذه الفتنة

هناك من (يتتبع الرخص) في المعاملات المالية وقد يقع في الربا.

 

د.العصيمي:

 التوجه بهذا الزخم لسوق المال.. ليس ظاهرة سيئة.

 الاقتراض من أجل المضاربة ليس من (الرشد الاقتصادي) والأسهم في العالم كله (مضطربة).

 

الشيخ المنجد:

عصابات في سوق الأسهم والسوق يسوده أحيانا غش ومكر وتعاون على الإثم.

 

د. الوابل:

اتفاقات سرية بين كبار المضاربين.. وهذا احتيال وكذب .

 

ضيوفنا

- فضيلة الشيخ الدكتور يحيى بن ناصر الحنيني - الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

 

- فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي - الخبير الاقتصادي.

 

- الدكتور عبد الطيف بن عبد الله الوابل- الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة الملك خالد بأبها.

 

- فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد - الداعية الإسلامي.

 

تحقيق: معاوية بن أحمد الأنصاري

 

سوق الأسهم والمضاربات والبيع والشراء أخذت نصيبا كبيرا من اهتمامات كثير من الناس ودخلت حياتهم ويندر أن يوجد بيت لا يوجد فيه مضارب أو أكثر، بل معظم البيوت انشغلت في سوق الأسهم فصارت الجزء الأهم من حياة الناس اليوم ويعد شهر مارس من هذا العام من الأشهر العجاف على سوق الأسهم الخليجية والعربية، إذ منيت فيه بهبوط تراوح بين 10% إلى 20% ولم تقف الخسارة في الأموال فقد شملت الأنفس والأرواح مما يستدعي نظرة شرعية واقتصادية من أهل العلم خاصة وقد بينت استطلاعات الرأي أن أكثر الشرائح تضررا من الانخفاض الأخير الذي شهده السوق كانت من فئة المبتدئين ومتوسطي الخبرة في السوق، والذين مولوا عملياتهم بالاستدانة سواء من خلال الاقتراض من البنوك أو رهن الراتب.

 

(الدعوة) استضافت عددا من المختصين الشرعيين لدراسة وضع السوق وما قد يقع فيه من مخالفات شرعية مما قد يلحق الضرر بالمضاربين دينا ودنيا:

 

بداية يتناول فضيلة الشيخ يحيى بن ناصر الحنيني الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عظم البلوى بفتنة المال في هذا الزمان وأنه أخذ صورا شتى منها التعامل بالأسهم وعدم التحري في ذلك، فيقول فضيلته: إن من رحمة الله بهذه الأمة أنه أخبرها بما سوف تلقاه من الفتن ودلها على سبل الوقاية والحماية منها، جاءنا الخبر في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن من الفتن التي أخبرها عنها ووقعت فيها هذه الأمة هي فتنة المال، وما أدراك ما فتنة المال، المال أذل أعناق الرجال، والمال غير المبادئ، والمال أنطق الرويبضة في أمر العامة، والمال أفسد أمور الدين والدنيا إذا أخذ بغير حق، والله - سبحانه - قد أخبر بأن المال مما فطر الناس على محبته وأنه شهوة من شهوات الدنيا: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرِ عند ربك ثوابا وخيرِ أملا} [الكهف: 46]، وقال - جل وعلا - عن حال الإنسان مع المال: {وتحبون المال حبا جما} [الفجر: 20]، وربنا قد أخبر عن هذه الحقيقة بأن المال فتنة: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنةِ وأن الله عنده أجرِ عظيمِ} [الأنفال: 28]، والله - سبحانه - قرر حقيقة باقية وسنة ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي كذلك ميزان الله في الآخرة. إن المال ليس بمقياس على علو منزلة الإنسان عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا من عدل الله ورحمته بالأمة مصداق ذلك ما جاء في التنزيل: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37].

والفتنة بالمال أخذت صورا شتى في كل العصور، وبرزت في عصرنا هذا، فوجب التنبيه ولفت الأنظار لها، فرب مفتون لاه ساه غافل يظن أنه على طريق صحيح وهو في طريق هلكة - والعياذ بالله -. ومن هذه الصور: عدم التحري في المعاملات المالية وعدم السؤال عن ما يدخل إليه أمن حرام أمن حلال، والتساهل في ذلك وعدم سؤال أهل العلم عما يشكل عليه من المعاملات: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه... )، وإن من أعظم الفتن التي وقع فيها بعض الناس أن يتتبع الرخص ومن يجيز له المعاملات الربوية والمحرمة - نسأل الله السلامة والعافية -، وليتذكر الإنسان يوم العرض على الله ويتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيما جسد نبت على السحت فالنار أولى به).

 

ليست ظاهرة سيئة:

لقد طاشت عقول الناس مع الأسهم والمساهمات مع وجود البدائل المباحة والحمد لله.

الدكتور محمد بن سعود العصيمي الخبير الاقتصادي قال: إن توجه الناس بهذا الزخم الكبير لسوق الأسهم لا يعد ظاهرة سيئة. غير أن (والحديث له) لا بد من معرفة أمور مهمة لخصها لنا فيما يلي:

الأول: أن يعلم الشخص المساهم حكم الله - تعالى - في الأمور التي يقوم بتداولها. وقد فصل العلماء الأفاضل الضوابط التي يجب على الشخص أن يتبعها في مجال المتجارة في أسهم الشركات المساهمة.

ثانيا: أن يعلم الشخص أن المتجارة في الأسهم من أكثر المجالات خطورة. وعليه، فما يفعله كثير من الناس من الاقتراض، ورهن الراتب، أمر ليس من الرشد الاقتصادي، فسوق الأسهم في كل بلد سوق مضطربة، تتأثر بكثير من العوامل والشائعات، وتكون عقوبة المقترض أسوا عاقبة، إذ يخسر أسهمه، ويبقى عليه الدين، وقد يسل رهنه، وقد مرت تجربة سيئة على المتعاملين في الأسهم في هذا الشهر، وتبين لهم مدى خطورة سوق الأسهم. وهذه الخطورة ليست خاصة بسوق الأسهم السعودية، بل في أي بلد، من البدهي الإشارة إلى حرمة الاقتراض بالربا، ويسمى أحيانا تسهيلات، لأجل العمل في الأسهم.

 

الزكاة الزكاة:

الثالث: أمر الزكاة. وكثير من المتعاملين يفرط فيه. والرأي الراجح إن شاء الله أن المستثمر طويل الأجل (الذي يبقى السهم عنده أكثر من سنة، وليس مضاربا) فلا زكاة عليه في أصل قيمة السهم. ولكن يبقى أن يزكي الربح الموزع بعد أن يحول عليه الحول عنده. أما المضاربون، وهم أكثر الناس الآن، فيجب عليهم الزكاة على قيمة المحفظة الاستثمارية كاملة (بما في ذلك رأس المال والربح) بعد حولان الحول على المحفظة، وعلى المستثمر إن كان متمولا (مقترضا) أن يخصم ما يجب عليه من القروض لمدة سنة من قيمة المحفظة ويزكي الصافي. وأضرب لهذا بمثال رقمي لأهميته. فلو أن شخصا تمول من بنك بمليون ريال تسدد على عشر سنوات. فيجب عليه أن يسدد مائة ألف ريال كل سنة من ذلك القرض. ولنفرض أنه اشتغل بكل المليون في الأسهم، فبعد أن تمر السنة الأولى على المحفظة الاستثمارية يقومها بسعر السوق، ولنفرض أنها أصبحت أسهما قيمتها مليون ونصف المليون. فيجب عليه أن يخصم مائة ألف من المحفظة، وهو القسط السنوي من الدين القائم عليه، ويزكي الصافي وهو مليون وأربعمائة ألف، بإخراج 2. 5 منه. وهذا الرأي الذي أذكره في زكاة الدين من أكثر الأقوال عدلا فيها في رأيي. والله أعلم.

 

مطلوب دورات:

ولفت فضيلته انتباه المساهمين إلى خطورة السوق من ناحية الربح والخسارة، خاصة لمن يدخل بقرض داعيا إلى أخذ دورات في طرق التعامل مع سوق الأسهم. ناصحا بالاستفادة من المنتديات على الشبكة مؤكدا أنه من الداعمين للاستثمار طويل الأجل في السوق، ولا يحب المضاربة.

 

احذروا الغش والمكر :

فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد الداعية الإسلامي حذر من التلاعب في عالم الأسهم واصفا ذلك بسياسة القوي يأكل الضعيف، مشيرا إلى التعامل بأسهم ذات قيمة وهمية مبينا أن ذلك غش ومكر وتعاون على الإثم قائلا هذه من القضايا الخطيرة والتي فيها غش والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من غش فليس منا) والتي فيها مكر وخديعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المكر والخديعة في النار)، وفيها تعاون على الإثم والعدوان والله - تعالى - قال: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]، أناس يشكلون عصابات يشترون بأسماء أشخاص على خلاف ما تسمح به الشركة ويجمعون بطاقات يشترون بها لأنفسهم ثم يتفقون في ساعة معينة يبيعون أسهمهم وأحيانا يبيعون على بعض بأسعار مخفضة بالاتفاق فينزل سعر السهم فيشترونه هذه الأشياء التي نزلت والنزول وهمي ثم يتركونه لترتفع مرة أخرى.

 

الإضرار بالغير :

فضيلة الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد الله الوابل الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة الملك خالد بأبها أكد على كلام الشيخ المنجد وعد هذا النوع من التعاملات إضرار بالغير، مؤكدا على حدوث هذا النوع من التلاعب داخل السوق فيقول فضيلته:

السوق بحالته الراهنة يحتوي على مخالفات شرعية أخرى كما في احتكار المعلومات والتحكم فيها، إضافة إلى ما يحصل من خداع وكذب وغش وتسريب لمعلومات خاطئة داخل السوق مما يفوت المصالح المرجوة ويجلب المفاسد، فلقد أخبرني من أثق به ممن تعامل في هذه السوق بأن هناك اتفاقات سرية تعقد بين بعض كبار المضاربين وبعض الشركات لرفع قيمة أسهمها أضعاف أضعاف ما هي عليه حقيقة ليزداد سهمها صعودا فيشتري هؤلاء أسهمها لإغراء الآخرين بذلك ممن لا يملكون هذه المعلومات الخادعة والتي تقف وراء اللعبة ثم يقوم هؤلاء المضاربون بعد فترة وجيزة وقبل اكتشاف اللعبة ببيع أكبر كمية ممكنة من الأسهم لجني الأرباح ومقاسمتها مع تلك الشركة المتآمرة وفي هذا ما فيه من الاحتيال والكذب والإضرار بالغير، بل بالمجتمع كاملا فهذه السوق لها تأثير كبير على الاقتصاد الكلي ولا يفقه هؤلاء حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: (من غشنا فليس منا)، والحديث الآخر: (لا يحل لأحد باع بيعا فيه عيب إلا بينه).

 

اتقوا الشبهات :

وبناء على ما سبق فإنني لا أنصح بالتعامل في هذه السوق بحالتها الراهنة فهي شبهات بعضها فوق بعض وإنني آمل من أهل العلم الشرعي وأصحاب الخبرة الاقتصادية والمالية إعادة النظر في الآليات التي تدار بها السوق لإيجاد مخرج شرعي وفني اقتصادي يحقق المصالح المعتبرة باتقاء الشبهات صونا لدينه وحذرا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به). ومهما كثرت الأرباح في مثل هذه الأسواق الشبهاتية فلا بركة فيها وإنما البركة تكون في الحلال وإن كان قليلا.

 

رقابة شرعية:

وعن الآلية الواجب اتباعها لتصحيح مسار سوق الأسهم في المملكة ودول الخليج وغيرها من بلاد العالم الإسلامي يرى الوابل: تكوين رقابة شرعية وفنية اقتصادية مالية لها قوة فاعلة وسلطة مؤثرة لتحديد الضوابط والمعايير من شأنها أن تحد من الغرر والجهالة وسواها من المحاذير الشرعية والاقتصادية وتطبيق هذه المعايير بدقة ويكون لهذه الرقابة الحق في منع دخول أي شركة تتعامل في سلعة محرمة أو تقترض بالربا ولو كان يسيرا ولها كذلك مع كل أسلوب غير شرعي يؤدي إلى إحداث تلاعب وغش داخل السوق.

 

تصحيح مسار السوق:

ولا بد من تصحيح مسار آلية عمل السوق بحيث تحقق السوق العناصر الآتية:

أن تكون المعلومات المالية متاحة للجميع وبتكلفة صفرية. فلو توفرت المعلومات عن الشركات بصورتها الصحيحة للجميع لأدى ذلك إلى تخفيض درجة حمى سعار المضاربات وجني الأرباح بالطرق غير المشروعة ولتحققت المنافع الاقتصادية التي من أجلها قام السوق.

ألا يكون بوسع أحد المضاربين في السوق السيطرة على حركات الأسعار أو جعلها عرضة للتلاعب والمناورة والخداع.

أن يسود السوق ما يقرب من التوازن الدائم بحيث تتجه القيمة السوقية نحو القيمة الذاتية.

الاهتمام بالسوق الأولية والتركيز عليها ولا سيما أنها لا تزال سوقا ناشئة في عدد من الدول الإسلامية، إضافة إلى أننا بحاجة إلى كثير من المشاريع الإنتاجية ذات الوحدات الكبيرة لتتحول من سوق استهلاكية إلى سوق إنتاجية مصدرة ولذلك فلا بد للدول الإسلامية أن تهتم بذلك وتسهل إجراءات قيام الشركات النافعة في جميع المجالات الصناعية والزراعية والخدماتية التي تجلب الخير والرخاء وتوجد منافع حقيقية للبلاد والعباد وتحقق العدالة في فتح باب المساهمة لجميع أفراد المجتمع.

 

الثراء السريع:

تحديد ضوابط في السوق الثانوية وذلك للحد من عقد صفقات ربحية بقصد المتاجرة ورغبة في الثراء السريع دون اهتمام بما يؤدي ذلك إليه من أضرار اقتصادية مستقبلية لحساب فئة محدودة وهذا يستدعي توسيع قاعدة السوق الأولية والاهتمام بها ودعمها ليتجه الأفراد إلى الإنتاج الحقيقي بدلا مما يحصل الآن. إذ بلغتني حالات كثيرة تم فيها بيع أصول إنتاجية بل باع بعض الأفراد أصوله المادية الضرورية من بيت وسيارة وأعظم من ذلك أن البعض الآخر صار يقترض أو يشتري أصلا إنتاجيا بالتقسيط ويبيعه نقدا للدخول في مضاربات سوق الأسهم دون قرار مدروس ومعرفة جيدة بما يحتوي عليه سوق الأسهم من محاذير شرعية ومخاطر اقتصادية والأسوأ من ذلك كله أن طائفة من الناس أهملوا وظائفهم وأعمالهم سعيا وراء الكسب السريع وسراب الأرباح المتصاعدة يدفعهم إلى كل تلك الدعاية القوية التي يقوم بها المضاربون من خلال السماسرة مقابل عمولة محددة لهم ولم يدر بخلد هؤلاء المتعجلين أنه ربما كانت هذه الأرباح في لحظة ما جزءا من رأسماله الذي ربما يخسره في صفقة لاحقة واحدة.

 

الفائض النقدي:

تسهيل فتح قنوات استثمارية متنوعة لاستيعاب الفائض النقدي لدى الأفراد بحيث تكون هذه القنوات منضبطة بضوابط شرعية وقواعد نظامية بعيدا عن التعقيد أو مضاره من يسعى لإيجاد منفعة اقتصادية أو أصلا إنتاجيا يستفيد منه ويفيد البلاد وفي هذا جمع للمصالح ودفع للمفاسد وتحقيق لرفاهية الأفراد وبناء مستقبل واعد بالخير.

نشر الثقافة الصحيحة الاستثمارية من الجهة الشرعية والاقتصادية والنظامية من خلال المنابر الإعلامية والقنوات التعليمية وغير ذلك من وسائل التوعية العامة حتى يتحقق المقصد الشرعي من حفظ أموال الناس وقبل ذلك سلامة دينهم وهذا بلا شك هو من القيام بواجب الأمانة التي حملها الله الراعي تجاه الرعية لإصلاح دينهم ودنياهم. قال الإمام الشافعي - رحمه الله -:(منزلة الوالي من الرعية بمنزلة والي اليتيم).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply