بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
هناك نوعان من كروموزومات الجنس. أما الذي في بويضة المرأة فهو دائمًا من النوع المسمى (X). وأما منويات الرجل فبعضها يحمل (X)والآخر يحمل (Y)وكلاهما موجود بأعداد وفيرة مختلطين في القذيفة المنوية الواحدة. فإن قدر أن يلقح البويضة منوي يحمل (X) كان كروموزوما الجنس في الجنين الناتج (XX) وهذا الجنين أنثى. وإلا فهما (X Y) وهذا الجنين ذكر.
دار البحث ولا يزال عما تختلف فيه المنويات حاملة (X) عن تلك حاملة (Y) من خصال. وثبت أنهما يختلفان في الكتلة وفي سرعة الحركة وفي الأثر الكهربي وفي القدرة على اقتحام وسط لزج واجتيازه وفي درجة نشاطها باختلاف التفاعل الكيميائي للبيئة المحيطة. واستخدمت هذه الفروق في إتاحة الفرصة لأحدهما دون الآخر في أن يكون السابق إلى تلقيح البويضة ومن ثم اختيار جنس الجنين الناتج.
وقد تم تطبيق ذلك فعلاً في صناعة تربية الحيوان. حيث تتم تهيئة الظروف المرغوبة وإجراء التلقيح الصناعي للإناث والحصول على مواليد من الجنس المنشود إن لم يكن دائما فبنسبة عالية.
ولم يتم ذلك في الإنسان حتى الآن..لأسباب أهمها أن من الصعب إخضاع الطبيعة الإنسانية لظروف التجربة الحيوانية من منع عن الجنس لفترات طويلة تكتنفها تلقيحة صناعية واحدة..ولكن أصبح في حيز الاحتمال أن يصل العلم إلى المزيد في هذا الشأن.. بل إن بعض السيدات تتحايل على ذلك بمعرفة نوع الجنين الذي في أرحامهن بشفط جزء من السائل الرحمي الذي حول الجنين وفحص ما فيه من خلاياي الجنين المنفوضة، فإن لم يكن الجنين من الجنس المراد طلبن من الطبيب إجهاضه وذلك في البلاد التي تبيح الإجهاض.. على أن رأينا نحن واضح في أن الإجهاض حرام.
ولكن ماذا لو تم التغلب على الصعوبات الباقية بغير إجهاض وهذا أمر محتمل؟
وفي مهنتي أرى أم البنات تريد أن تحدد عدد أطفالها ولكنها تزيد وتزيد في انتظار الذكر المنشود. فهل إن استطاعت من البدء إنجاب الذكر أفضى ذلك إلى تقليل التناسل؟
وهل يجنح الأغنياء إلى إنجاب الذكور حرصًا على الثروة أن تخرج من الأسرة إن ورثت البنت وانضمت بما تملك إلى زوج غريب يحمل أولاده منها اسمه واسم أسرته ثم تؤول إليهم أملاك أمهم بالوراثة؟
أو أن الإنسان إن حاول أن يأخذ على عاتقه مهمة الطبيعة الحكيمة بعيدة النظر في توزيع الجنس آل به الأمر إلى أن يفسد حيث ظن أنه يصلح كما فعل من قبل وهو يعبث بالتوازن الحيوي على هذه الأرض.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا ريب أن هذه القضايا قضايا خطيرة تستحق الاهتمام من المشتغلين بفقه الشريعة وبيان أحكامها، وخصوصًا إذا كانت في حيز الإمكان القريب، كما يؤكد الأطباء وإن كان من فقهاء السلف - رضي الله عنهم - من جعل نهجه رفض الإجابة عما لم يقع بالفعل من الحوادث المسئول عنها، حتى لا يجري الناس وراء الافتراضات المتخيلة، مما لا يقع مثله إلا شاذًا، بدل أن يعيشوا في الواقع، ويبحثوا عن علاج لأدوائه.
فعن ابن عمر قال: لا تسألوا عما لم يكن: فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن.
وكان بعضهم يقول للسائل عن أمر: أوقد وقع؟ فإن وقع أجابه. وإلا قال له: إذا وقع فاسأل.
وكانوا يسمون من سأل عما لم يقع: \" أرأيتيًّا \" نسبة إلى قوله: \" أرأيت لو كان كذا وحدث كذا \" الخ....
قال الشعبي إمام الكوفة في عصر التابعين: والله لقد بغّض هؤلاء القوم إليّ المسجد. قلت: من هم يا أبا عمر؟ قال: الأرأيتيون.
وقال: ما كلمة أبغض إليّ من \" أرأيت \"؟ !
ويمكننا أن نقتدي بهؤلاء الأئمة، ونقول للسائل: دع الأمر حتى يقع بالفعل، فإذا حدث أجبنا عنه، ولا نتعجل البلاء قبل وقوعه.
وما يدرينا؟ لعل عقبات لم يحسب العلماء حسابها، أو قدروا في أنفسهم التغلب عليها. تقف في طريقهم، فلا يستطيعون تنفيذ ما جربوه في بعض الحيوان على نوع الإنسان.
ولكنا - مع هذا - نحاول الجواب لأمرين:
الأول: إن موجه السؤال يعتقد أن الأمر وشيك الوقوع، وليس من قبيل الفروض المتخيلة التي كان يسأل عن مثلها \" الأرأيتيون \" فلابد أن نتهيأ لبيان حكم الشرع فيما يترتب عليها من آثار لم يسبق لها نظير في الحياة الإسلامية، بل الإنسانية.
الثاني: إن السؤال فيما أرى أيضًا فيما يتضمن بحث مشروعية هذه الأعمال المطروحة للاستفتاء: أتدخل في باب الجائز أم المحظور
قضية اختيار الجنس:
أما قضية اختيار جنس الجنين، من ذكورة وأنوثة، فهي تصدم الحس الديني لأول وهلة وذلك لأمرين:
الأول: أن علم ما في الأرحام للخالق - سبحانه -، لا للخلق. قال - تعالى -: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) وهو من الخمسة التي هي مفاتيح الغيب المذكورة في آخر سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام).
فكيف يدعي بشر أنه يعلم جنس الجنين ويتحكم فيه؟
الثاني: أن ادعاء التحكم في جنس الجنين تطاول على مشيئة الله - تعالى -، التي وزعت الجنسين بحكمة ومقدار، وحفظت التوازن بينهما على تطاول الدهور، واعتبر ذلك دليلاً من أدلة وجود الله - تعالى -وعنايته بخلقه وحسن تدبيره لملكه.
يقول - تعالى -: (لله ملك السموات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير).
ولكن لماذا لا يفسر علم ما في الأرحام بالعلم التفصيلي لكل ما يتعلق بها؟ فالله يعلم عن الجنين: أيعيش أم يموت؟ وإذا نزل حيا: أيكون ذكيًا أم غبيًا ضعيفًا أم قويًا، سعيدًا أم شقيًا؟ أما البشر فأقصى ما يعلمون: أنه ذكر أو أنثى.
وكذلك يفسر عمل الإنسان في اختيار الجنس: أنه لا يخرج عن المشيئة الإلهية، بل هو تنفيذ لها. فالإنسان يفعل بقدرة الله، ويشاء بمشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).
وفي ضوء هذا التفسير، قد يرخص الدين في عملية اختيار الجنس، ولكنها يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة
والله أعلم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد