بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
سيدة لديها أملاك، وليس لديها أولاد ولا زوج، وترثها أخت شقيقة، وأخت غير شقيقة (أخت لأب)، وابن أخ غير شقيق (أخ لأب)، وترغب في بيع أملاكها في حياتها بسعر رمزي، -في حدود 10% من الثمن الحقيقي- لأولاد الأخت الشقيقة، على أن تأخذ عائد الأرض طول حياتها، وتبقى الأرض تحت يدها إلى أن تموتº لوجود ظلم وقع عليها من إخوتها غير الأشقاءº حيث إنهم منعوها من بعض إرثها من أبيها، علماً أن هذه الأملاك قد آلت إليها عن طريق الميراث من أمها وليس من أبيها. فهل هذا البيع صحيح؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا البيع غير صحيحº لأنه بيع صوري لا حقيقي، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فالغاية منه حرمان الورثة من الميراث نكالاً بهم، وهذا لا يجوز، فقسمة المواريث قد تولاها الله - تعالى -بنفسه، فإن تم هذا البيع على هذه الصفة فليس للمذكورين سوى رأس مالهم.
ويجوز للمرأة المذكورة أن توصي بالثلث فأقل من مالها لأولاد أختها، أما ما زاد فليس لها ذلك، فإن فعلت لم تصح الوصية بما زاد على الثلث، إلا إذا أجازها الورثة.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه - رضي الله عنه - قال: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أوصي بمالي كله؟ قال: \"لا\" قلت: فالنصف؟ قال: \"لا\" فقلت: أبالثلث؟ فقال: \"نعم، والثلث كثير\" رواه البخاري (2591)، ومسلم (1628).
وأنصح المرأة المذكورة بأن تعفو عن إخوتها طلباً للأجر والثواب من الله - تعالى -، فهو خير ما تتصدق به عليهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إن أفضل الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم الكاشح\". رواه أحمد (23019) من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - وابن خزيمة في صحيحه (2386) والحاكم (1/564) من حديث أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها - وقال: صحيح على شرط مسلم.
قال ابن عبد البر - رحمه الله - تعالى-: \"قيل في تأويل الكاشح هاهنا: القريب، وقيل: المبغض المعاديº فإنه طوى بكشحه على بغضه وعداوته وهو الصحيح والله أعلم\" التمهيد (1/207).
وقال المنذري - رحمه الله - تعالى-: \"ومعنى الكاشح: الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه\" الترغيب والترهيب (3/231).
وللعفو أجر عظيم وفضل كبير، قال - تعالى -: \"وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يجب الظالمين\" [الشورى: 40].
وقال - تعالى -: \"وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير\" [البقرة: 237].
وقال - تعالى -: \"إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً\" [النساء: 149].
وقال - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم\" [التغابن: 14].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي؟ فقال: \"لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك\". رواه مسلم (2558).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن لا تظلموا\".رواه الترمذي (2007)، والطبراني (8765) وقال الترمذي: حديث حسن غريب.والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد