استمطار السحاب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة:

دعت الكميات الكبيرة من السحب التي تمر فوق المدن والقرى المختلفة، في أوقات كثيرة من العام دون سقوط مطر، دعت الإنسان إلى التفكير في إيجاد طرق ممكنة لاستمطار هذه السحب، وجلب خيراتها، وهذا العمل يسميه العلماء المختصون بالاستمطار، والمطر الناتج عنه يسمى بالمطر الاصطناعي(1).

وقبل أن أذكر الحكم الشرعي لمثل هذا العمل، وما يمكن أن يقترن به من محذورات، لا بد أن أشير إلى ما يذكره العلماء المختصون في معنى الاستمطار ومفهومه، وبيان المقصود منه، والطرق العلمية التي يذكرها المختصون لتمطير السحب، لذا سوف يكون عرض ما يحتويه هذا الفرع كالتالي:

أولاً: مفهوم الاستمطار، والمقصود منه، والطرق العلمية للاستمطار.

ثانياً: الحكم الشرعي للاستمطار.

مفهوم الاستمطار:

أما مفهوم الاستمطار: فهو محاولة إسقاط الأمطار من السحب الموجودة في السماء، سواء ما كان منها مدراً للأمطار بشكل طبيعي، أم لم يكن كذلك.

ويمكن أن ندرج تحت هذا المفهوم أية عملية تهدف إلى إسقاط الأمطار بشكل صناعي، بما في ذلك محاولات تشكيل السحب صناعياً، وتنمية مكوناتها(2).

ويقصد من الاستمطار أحد أمرين:

1- تسريع هطول الأمطار من سحب معينة، فوق مناطق بحاجة إليها، بدلاً من ذهابها إلى مناطق لا حاجة بها إلى الماء، لظروفها الطبيعية الملائمة للإدرار الطبيعي.

2- زيادة إدرار السحابة عما يمكن أن تدره بشكل طبيعي(3).

 

وأما الطرق العلمية للاستمطار:

فمن أكثر طرق استمطار السحب شيوعاً ما يلي:

1 - رش السحب الركامية المحملة ببخار الماء الكثيف، بواسطة الطائرات، برذاذ الماءº ليعمل على زيادة تشبع الهواء، وسرعة تكثف بخار الماء، لإسقاط المطر، وهذه طريقة تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء.

2 - قذف بلورات من الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون المتجمد)، بواسطة الطائرات في منطقة فوق السحبº لتؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء، وتكون بلورات من الجليد عند درجة حرارة منخفضة جداً، لتعمل على التحام قطرات الماء الموجودة في السحب وسقوطها كما في حالة المطر الطبيعي.

3 - رش مسحوق إيود الفضة (agj) بواسطة الطائرات، أو قذفه في تيرات هوائية صاعدة لمناطق وجود السحب، ويكون ذلك باستخدام أجهزة خاصة لنفث الهواء بقوة كافية إلى أعلى، ويعد إيود الفضة من أجود نويات التكاثف الصلبة التي تعمل على تجميع جزيئات الماء، وإسقاطها أمطاراً غزيرة على الأرض(4).

 

الحكم الشرعي للاستمطار:

يعتبر الاستمطار بالمفهوم المتقدم من القضايا المستجدة في هذا العصر، الذي استطاع فيه الإنسان -بما سخر الله له- أن يصل إلى السحب في السماء، ويطير فوقها، ويبحث في مكوناتها، مما جعله يفكر في مثل هذا التصرف، لعله يستطيع أن يتصرف تصرفاً لم يسبق إليه، يدفعه لذلك الحرص على نفع نفسه، بما وهبه الله من مقدرات ومما أعطاه من هبات.

والحقيقة أن مثل هذا العمل لا يظهر فيه محذور أو مانع شرعي، إذ الأصل أن كل ما في هذا الكون من مسخرات مباحة للإنسان، فهي تحت تصرفه، يفعل بها ما يشاء، ما دام أن عمله داخل تحت دائرة المباح، الذي لم يرد النص أو الدليل العام أو الخاص بالمنع منه، ويشهد لذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: \"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا فِي الأَرضِ جَمِيعاً\" [البقرة: 29]، وقوله - سبحانه -: \"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ, دَرَجَاتٍ, لِيَبلُوَكُم فِي مَا آتَاكُم\" [الأنعام: 165].

لكن يذكر بعض علماء البيئة من الباحثين في علم الاستمطار: إنه من خلال التجارب التي أجريت في مجال زيادة الأمطار فإن النتائج كانت في أغلبها سلبية، وأخفقت العديد من المشاريع خاصة مشاريع بذر السحب، بحيث لم تحقق الهدف الذي تبتغيه، بل كانت النتيجة معاكسة، وهي حدوث تناقص في الهطول، وكانت نسبة التناقص في العديد من المشاريع تفوق نسبة الزيادة المعتادة والمتوقعة قبل إنجاز المشروع(5).

لذا يعد التحكم في معدل سقوط المطر الاصطناعي، ومكان سقوطه، من أهم المشكلات التي تواجه العلماء المختصين في مجال علم الأرصاد، كما أن عمليات إسقاط المطر لا تزال غير اقتصادية ومكلفة، ولذا لم تخرج إلى حيز التنفيذ الميداني إلا على شكل تجارب بحثية بهدف الدراسة(6).

ولذلك يرى بعض الباحثين أنه لا فائدة من الاستمطار، بل إنه يجر إلى مشكلات سياسية واقتصادية، ومما يذكره علماء البيئة من السلبيات أو المضار لهذا العمل ما يلي:

1- أن التكنولوجيا ما زالت غير متطورة تماماً، وهذا مما يجعل النتائج غير مضمونة.

2- الصعوبات في تقييم النتائج، حيث يتطلب جمع معلومات موثوق بها وقتاً طويلاً، (خمس سنوات على الأقل).

3- أن تلك العمليات تعتمد على الأحوال الجوية، وتتوقف فيها النتائج على ما يمكن أن يكون في الجو من ظروف وتغيرات.

4- المشكلات السياسية (الحقيقية والتخمينية)، فبعض البلدان قد تتطلب المطر أكثر من غيرها، وقد تتهم بعض الدول التي تجري مثل هذه العمليات باختلاس الموارد الطبيعية من الرطوبة الجوية(7).

وعلى هذا فيرجع بعض علماء البيئة السبب في عدم التقدم في مجال الاستمطار، أو ما يسميه البعض بعلم زراعة الغيوم إلى الأسباب الاقتصادية والسياسية(8).

ثم في المشروعات التي كانت فيها نتائج الاستمطار إيجابية، وأعطت من خلال الإحصائيات تزايداً في هطول الأمطار لابد من طرح هذا السؤال:

هل تعود نسبة الزيادة في الكميات التي تمت فيها تجارب الاستمطار إلى فعل الاستمطار؟ أليس لقدرة الله - سبحانه - وتقديره دور في ذلك؟ (9).

وهل تساوي التكاليف والنفقات التي احتاجتها تلك العمليات ما نتج عنها من ثمرات، أم أن التكاليف تفوق تلك النتائج بكثير؟، مما يعني زيادة العبء الاقتصادي على الدولة التي تتبنى مثل هذا العمل.

ثم ما يدريهم أن الكمية المتوقعة قبل التجربة كذا وبعد التجربة كذا، لاشك أن هذا تخمين وظن لا يستند في الواقع على أي دليل، بل قد ورد الدليل الشرعي على أن ما ينزل من السماء من مطر فهو بأمر الله وبقدرته، وأنه مقدر من عند الله، وليس للناس فيه أدنى عمل أو تصرف، يقول الله - سبحانه -: \"وَإِن مِن شَيءٍ, إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ, مَعلُومٍ,\" [الحجر: 21]، ويقول -جل جلاله-: \"وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ, فَأَسكَنَّاهُ فِي الأَرضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ, بِهِ لَقَادِرُونَ\" [المؤمنون: 18]، ويقول - سبحانه -: \"وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ, فَأَنشَرنَا بِهِ بَلدَةً مَيتاً كَذَلِكَ تُخرَجُونَ\" [الزخرف: 11].

وإذا كان نزول المطر بأمر الله وحده، وهو من علم الغيب الذي استأثر الله به كما في قوله - سبحانه -: \"إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ\"[لقمان: 34]، فالله هو المنفرد بإنزال المطر، وهو الذي يعلم وقت نزوله (10)، إذا كان الأمر كذلك، فقد شرع الله لعباده المؤمنين أمراً هو أرجى من محاولات الاستمطار التي لم يثبت نجاحها، ألا وهو دعاءه - سبحانه -، وطلب السقيا منه، فالمطر من فضل الله ورحمته، الذي يستجلب بدعائه والتضرع إليه - سبحانه -، ولقد أصاب الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قحط، وتأخر نزول المطر عنهم، فطلبوا منه- صلى الله عليه وسلم - سؤال ربه الغيث، فأجابهم لذلك، كما روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أصابت الناس سَنة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم جمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وسلم -، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى \" الحديث(11).

كما ثبت أيضاً: \" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين وحوّل رداءه، ورفع يديه، فدعا واستسقى، واستقبل القبلة\" (12).

وإلى ما ورد في هذا الحديث وما شابهه من الأحاديث والآثار عن الصحابة ومن بعدهم ذهب أكثر الفقهاء، فنصوا على مشروعية صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض وتأخر نزول المطر، فيخرج الناس مع الإمام، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده(13).

وقد جاء في القرآن التذكير بأن نزول المطر وغيره من البركات، يكون بطاعة الله - سبحانه - واستغفاره، ومن ذلك قوله - سبحانه - على لسان هود - عليه السلام -: \"وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَاراً وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ\" [هود: 52]، وقوله - سبحانه - على لسان نوح: \"فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَاراً\"[نوح: 10-11].

هذا هو الأولى بالناس والمشروع لهم عند حاجتهم إلى المطر، أن يلجئوا إلى الله ويتوبوا إليه، ويكثروا من الاستغفار والعمل الصالح، يقول - سبحانه -: \"وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ, مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ\" [الأعراف: 96].

هذا هو حكم الاستمطار - فيما يظهر لي أنه لا بأس به ولا مانع منه، وإن كان الأولى عدمه، خاصة عند التحقق من عدم فائدته أو ثمرته، فإن المجازفة في ذلك قد تكلف أموالاً طائلة، وأوقاتاً طويلة، لو صرفت في غير ذلك مما هو نافع كان أولى.

ومع أن الأصل في مثل هذا العمل هو الجواز والإباحة، إلا أن هذا العمل قد يقترن به بعض المحاذير التي لا بد من التنبيه عليها، ومن ذلك مثلاً اعتقاد من يقوم بهذا العمل، أو غيرهم من عموم الناس أن المطر وجد بهذه الأسباب ولولاها لم يوجد، فالمحذور هو نسبة المطر إلى تلك الأفعال: لأن الله - سبحانه - هو المنفرد بالخلق والإنشاء، فلا يصح أن ينسب نزول المطر لفعل أحد من الناس كائناً من كان، كما لا يصح نسبة نزول المطر للكواكب والنجوم أو غيرها مما هو تحت تصرف العزيز الحكيم، ولذا جاء الحديث بالتنبيه على هذا المعنى، لأجل حماية معتقدات الناس وسلامتها مما قد يشوبها من شوائب الشرك، فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب\" (14).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث، فيقولون: الكوكب كذا وكذا وفي حديث المرادي بكوكب كذا وكذا\"(15).

ومعنى الحديث كما ذكر الإمام الشافعي وغيره: \"أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله، لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله - عز وجل -، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه، ولا لغيره شيئاً، ولا يمطر، ولا يصنع شيئاً\"(16).

يقول ابن عبد البر: \"فإن المعتقد أن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب، دون الله - عز وجل -، فذلك كافر كفراً صريحاً، يجب استتابته عليه، وقتله، لنبذه الإسلام، ورده القرآن\"(17).

وقال ابن عباس وغيره من السلف في قول الله - عز وجل - : \"وَتَجعَلُونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ\"[الواقعة: 82]: هو الاستمطار بالأنواء(18).

فهذه الآية بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكن أسباباً، بل ينبغي أن يروه من قبل الله - تعالى -، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة، أو صبر إن كان مكروهاً، تعبداً له وتذللاً(19).

وقد نبه الباري - سبحانه - على هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه، فمن ذلك قوله - عز وجل -: \"يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اذكُرُوا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم هَل مِن خَالِقٍ, غَيرُ اللَّهِ يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ\" [فاطر: 3].

وقد بين العلماء أن المحذور في ذلك هو إضافة نزول المطر إلى تلك الأسباب، أما لو جرت العادة بنزول المطر عند نوء من الأنواء، فاستبشر أحد لنزوله عند ذلك النوء، على معنى أن العادة جارية به، وأن ذلك النوء لا تأثير له في نزول المطر، ولا هو فاعل له ولا أثر له فيه، وأن المنفرد بإنزاله هو الله - تعالى -، لما كفر بذلك، وكذا لو استبشر منتظر المطر إذا رأى الريح التي جرت عادة ذلك البلد أن يمطروا بها، مع اعتقاده أن الريح لا تأثير لها في ذلك، ولا فعل ولا سبب، وإنما الله - تعالى - هو المنزل للغيث، وقد أجرى العادات بإنزاله عند أحوال يريها عباده(20).

وبهذا يعلم أن المنهي عنه هو نسبة المطر إلى شيء من تلك الأفعال على أن لها تأثيراً وفعلاً مع فعل الله - سبحانه -، أما لو نسب نزول المطر إلى ما جرت العادة بأنه ينزل عنده فيقال هذه الريح أو هذا الوقت أو هذا الفعل قد يوجد عنده المطر، وأن تلك الأمور غير مستقلة به من دون قدرة الباري - سبحانه - وإرادته فهذا لا بأس به.

وقد تكاثرت النصوص القرآنية الدالة على أن إنزال المطر من السماء من أعظم الأدلة الدالة على قدرة الباري - سبحانه -، وانفراده بالخلق والتدبير(21).

يقول أبو بكر الجصاص(22): وأما دلالة إنزاله الماء على توحيده فمن قبل أنه قد علم كل عاقل أن من شأن الماء النزول والسيلان، وأنه غير جائز ارتفاع الماء من سفل إلى علو إلا بجاعل يجعله كذلك، فلا يخلو الماء الموجود في السحاب من أحد معنيين: إما أن يكون محدث، أحدثه هناك في السحاب، أو رفعه من معادنه من الأرض والبحار إلى هناك، وأيهما كان فدل ذلك على إثبات الواحد - سبحانه -، الذي لا يعجزه شيء، ثم إمساكه في السحاب غير سائل منه، حتى ينقله إلى المواضع التي يريدها بالرياح المسخرة لنقله فيه، أدل دليل على توحيده وقدرته، فجعل السحاب مركباً للماء، والرياح مركباً للسحاب، حتى تسوقه من موضع إلى موضع، ليعم نفعه لسائر خلقه، كما قال - تعالى -: \"أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعاً تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ\" [السجدة: 27]، ثم أنزل ذلك الماء قطرة قطرة لا تلتقي واحدة مع صاحبتها في الجو، مع تحريك الرياح لها حتى تنزل كل قطرة على حيالها إلى موضعها من الأرض، ولولا أن مدبراً حكيماً عالماً قادراً دبره على هذا النحو، وقدره بهذا الضرب من التقدير، كيف كان يجوز أن يوجد نزول الماء في السحاب مع كثرته، وهو الذي تسيل منه السيول العظام على هذا النظام والترتيب؟ ولو اجتمع القطر في الجو وائتلف، لقد كان يكون نزولها مثل السيول المجتمعة منها بعد نزولها إلى الأرض، فيؤدي إلى هلاك الحرث والنسل وإبادة جميع ما على الأرض من شجر وحيوان ونبات، وكان يكون كما وصف الله - تعالى -من حال الطوفان في نزول الماء من السماء في قوله - تعالى -: \"فَفَتَحنَا أَبوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ, مُنهَمِرٍ,\" [القمر: 11]، فيقال إنه كان صباً كنحو السيول الجارية في الأرض، ففي إنشاء الله - تعالى -السحاب في الجو، وخلق الماء فيه، وتصريفه من موضع إلى موضع، أدل دليل على توحيده وقدرته(23).

 

---------------------------------------

(1) مجلة العلوم والتقنية العدد الثاني عشر ص18.

(2) الاستمطار، د/علي موسى ص 58، وتعرف السحب علمياً بأنها: عبارة عن أجسام سماوية مرئية، مؤلفة من تجمع من قطيرات مائية أو بلورات جليدية أو كليهما معاً، تسبح في الطبقة الجوية الأولى من طبقات الغلاف الجوي، وتبدو تلك الأجسام بأشكال متنوعة، وأحجام مختلفة، وألوان متباينة. الاستمطار ص 9.

(3) الاستمطار ص 6.

(4) تلوث البيئة د/ شفيق يونس ص 31، مجلة العلوم والتقنية العدد الثاني عشر ص18، ويعتبر استخدام الطائرات الأسلوب الأكثر فعالية، ويذكر العلماء المختصون أنه يمكن استخدام صواريخ أرض جو يتم ضبطها والتحكم بها آلياً من على سطح الأرض، وقد قام العلماء الروس بتطوير صواريخ خاصة بذلك وقنابل محملة بمواد البذر التي تدفع بسرعة إلى السحب، كما يمكن استخدام رشاشات أرضية، ومحطات يتم فيها حرق المواد التي تتصاعد نحو السحابة المراد استمطارها. راجع كتاب: الاستمطار94 -113.

(5) يرجع بعض الباحثين في تلك التجارب السبب في انخفاض نسبة الهطول المطري عن الطبيعي إلى ما يلي:

1- البذر المفرط بنوى التجمد الاصطناعية، مما يعمل على إحداث تجمد في كامل الأجزاء العليا من السحابة الشديدة البرودة، وهذا ما يعيق أو يلغي عمليات النمو التراكمي....

2- قلة كمية مادة البذر المستخدمة، وضعف التخطيط والبرمجة الإحصائية.

3- الظروف الجوية، وطريقة وموقع مكان البذر. انظر كتاب: (الاستمطار 165-167).

(6) مجلة العلوم والتقنية العدد الثاني عشر ص18.

(7) تلوث البيئة د/ شفيق يونس ص32، 33.

(8) تلوث البيئة د/ شفيق يونس 32.

(9) يعبر علماء البيئة عن ذلك بقولهم أوليس للصدفة دور في ذلك؟ (الاستمطار 172)، وهذا من الخطأ إذ لا يجوز أن ينسب شيء للطبيعة أو للصدفة مما هو تحت مشيئة الله - سبحانه -.

(10) تفسير السعدي 1/653.

(11) أخرجه البخاري بهذا اللفظ في الجمعة باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة 1/315 رقم (891)، وفي مواضع أخرى من صحيحه، ومسلم في الاستسقاء باب الدعاء في الاستسقاء 2/612رقم (895).

(12) أخرجه البخاري عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم في كتاب الاستسقاء باب تحويل الرداء في الاستسقاء 1/341 رقم (960)، ومسلم في أول كتاب الاستسقاء 2/611 رقم (894).

(13) وقد نقل النووي في شرح مسلم 6/187: إجماع العلماء على أن الاستسقاء سنة، وإن اختلفوا هل تسن له صلاة أم لا؟. وقد ذهب إلى مشروعية صلاة الاستسقاء وسنيتها سائر العلماء من السلف والخلف، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، انظر: المدونة 1/244، المنتقى شرح الموطأ 1/331، الأم 1/282، المجموع 5/69، المغني 3/334، الفروع 2/157، المحلى 3/310، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا صلاة في الاستسقاء إنما هي دعاء واستغفار، انظر: المبسوط 2/77، بدائع الصنائع 1/282.

(14) أخرجه مسلم باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء 1/83 رقم (71).

(15) أخرجه مسلم باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء 1/84 رقم (72).

(16) الأم 1/418، 419.

(17) التمهيد 16/286.

(18) الجامع لأحكام القرآن 17/228، تفسير القرآن العظيم 4/300، التمهيد 16/291.

(19) الجامع لأحكام القرآن 17/228.

(20) المنتقى شرح الموطأ 1/334، 335.

(21) انظر على سبيل المثال: آية: 21 من سورة الحجر، آية: 18 من سورة المؤمنون، آية: 11 من سورة الزخرف، آية: 49 من سورة القمر، آية: 43 من سورة النور، آية: 30 من سورة الملك، آية: 48 من سورة الفرقان، آية: 12 من سورة الرعد، آية: 24 من سورة الروم، آية: 70 من سورة الواقعة، آية: 48 من سورة الروم، آية: 57 من سورة الأعراف.

(22) هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، الفقيه الأصولي المفسّر، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته، وكان فيه ميل إلى الاعتزال، من مؤلفاته: أحكام القرآن، شرح الجامع، شرح مختصر الكرخي، توفي في بغداد سنة 370هـ. انظر: البداية والنهاية 11/297، سير أعلام النبلاء 16/341، الجواهر المضيئة 1/84.

(23) أحكام القرآن للجصاص 1/145، 146.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply