عورة المرأة ( 1- 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لباس المرأة بين النساء وأمام المحارم، مما تساهلت به بعض النساء، ولا شكّ أنَّ لهذا التساهل آثاره الخطيرة التي وقفت على بعضها بنفسي، وسأذكرها لا حقاً بعد بيان الحُكم عورة المرأة:

الصحيح أنَّ عورة المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها.

 فيجوز أن تُبدي للنساء مواضع الزينة ومواضع الوضوء لمحارمها ولبنات جنسها.

 أما التهتك في اللباس بحجة أنَّ ذلك أمام النساء، فليس من دين الله في شيء.

وليس بصحيحٍ, أنَّ عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل، أي من السرة إلى الركبة، فهذا الأمر ليس عليه أثارةً من علم، ولا رائحة من دليل، فلم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف. بل دلّت نصوص الكتاب والسنة على ما ذكرته أعلاه.

قال - سبحانه - وتعال: {وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُنَّ أَو التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الإِربَةِ مِن الرِّجَالِ أَو الطِّفلِ الَّذِينَ لَم يَظهَرُوا عَلَى عَورَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُون} ووجه الدلالة أنَّ الله ذكر النساء بعد ذكر المحارم وقبل ذكر مُلك اليمين.

فحُكم النساء مع النساء، حُـكم ما ذُكِرَ قبلهنَّ وما ذُكِرَ بعدهـنّ في الآية.

ولعلك تلحظ أنَّ الله - سبحانه وتعالى - لم يذكر الأعمام والأخوال في هذه الآية، وليس معنى ذلك أنَّهم ليسوا من المحارم.

قال عكرمة والشعبي: لم يذكر العم ولا الخالº لأنهما ينعتان لأبنائهما، ولا تضع خمارها عند العم والخال، فأمَّا الزوج فإنما ذلك كله من أجله، فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره .

وهذه الآية حـدَّدَت مَن تُظهـر لهم الزينة، فللأجانب {وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ}.

قال ابن مسعـود-رضي الله عنه-: الزينـة زينتان: فالظاهـرة منهـا الثياب، وما خفي الخلخالان والقرطـان والسواران. رواه ابن جرير في التفسير والحاكم، وصححه على شرط مسلم، والطبراني في المعجم الكبير، والطحاوي في مشكل الآثار.

قال ابن جرير: ولا يُـظهرنَّ للناس الذين ليسوا لهنَّ بمحرم زينتهنَّ.

 أمَّا الزينـة المقصـودة في قوله - تعالى -: {وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ} الآية فهذه يُوضِّحهـا علماء الإسلام.

قال البيهقي: والزينـة التي تبديهـا لهـؤلاء الناس، قرطاهـا وقلادتهـا وسواراها، فأما خلخالها ومعضدتهـا ونحرهـا وشعرهـا، فلا تبديه إلاَّ لزوجهـا. وروينا عـن مجاهـد أنَّهُ قـال: يعني به القرطين والسالفة والساعـدين والقدمين، وهـذا هو الأفضل ألاّ تبدي من زينتها الباطنة شيئاً لغير زوجهـا إلاَّ ما يظهر منها في مهنتها. ا هـ.

وقوله: لهؤلاء الناس: أي المذكورين في الآية من المحارم ابتداءً بالبعل (الزوج) وانتهاءً بالطفل الذي لم يظهر على عورات النساء، ثم استثنى الزوج. والمعضدة ما يُلبس في العضد، ويؤيد هذا قولـه - صلى الله عليه وسلم -: ((المـرأة عورة)). رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح، فلا يُستثنى من ذلك إلاَّ ما استثناه الدليل.

وأمَّا قوله: إن عـورة المـرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل، فليس عليه أثارةً من علم، ولا رائحة من دليل، ولو كان ضعيفـاً.

إذاً فالصحيحُ أنَّ عورة المرأة مع المرأة ليست كعورة الرجل مع الرجل، من السرة إلى الركبة، وإن قال به من قال، بل عورة المرأة مع المرأة أكثر من ذلك.

 

ويؤيّد ذلك أيضـاً أنَّ الأمَـة على النصف من الحُرّة في الحـدِّ، لقوله - تعالى -: ((فَإِن أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ, فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى المُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ). والأمَـة على النصف في العورة، لما رواه أبو داود، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا زوج أحدكم خادمهُ عبده أو أجيره فلا ينظـر إلى ما دُون السرة وفوق الركبة)). وحسّنه الألباني وزاد نسبته للإمام أحمد.

وإذا كان ذلك في الأمَة، التي هـي على النصف من الحـرة في الحدِّ والعورة وغيرها، فالحُـرّة لا شك أنَّها ضِعف الأمَة في الحـدِّ والعورة وغيرها، مع المحـارم والنساء.

قال البيهقي: والصحيح أنَّها لا تبدي لسيِّدها بعدما زوّجها، ولا الحـرة لذوي محارمها إلاَّ ما يَظهـرُ منها في حال المهنة. وبالله التوفيق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply