بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يباح للمرأة أن تتطيب بما شاءت، سواءً في لباسها أو في بدنها، ولكن عليها ملاحظة ما يلي:
1- أن تحرص أن يكون تطيبها لزوجها ولا سيما في الفراش، فإنَّ هذا مما يزرع الألفة بين الزوجين، ويؤدي إلى كمال الاستمتاع، وليس من حسن العشرة أن تجالس المرأة زوجها بثيابِ البيت ورائحة المطبخ، فإذا جاء ضيوف أو أرادت حضور مناسبة، أسرعت إلى زينتها وعطرها. كعروس مجلّوة!!
2- أنَّ الإسلام يحرم على المرأة أن تتطيبَ وهي تريد الخروج من بيتها، لأنَّ ذلك يحرك الشهوة ويلفت أنظار الرجال.
وقد ورد عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية))(1).
ومعنى هذا الحديث أنَّ هذا الفعل فعل الزناة، وليس زنى حقيقةً يجبُ فيه الحد، وإنما سيق هذا المساق للزجر والابتعاد عن هذا الفعل الذي لا تفعله إلاَّ امرأة زانية، وورد أيضاً عن زينب الثقفية أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا خرجت إحداكنَّ إلى المسجد فلا تقربن طيبا))(2).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما امرأةٍ, أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة))(3).
قال ابن دقيق العيد: (وفيه حرمة الطيب على مريده الخروج إلى المسجد، لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال)(4).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لقيته امرأةً وُجد منها ريح الطيب [ينفح] ولذيلها إعصار، فقال: يا أمة الجبار، جئت من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم. قال: إني سمعت حبي أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة))(5).
قال ابن الأثير: (إنما أضاف الأمة إلى الجبار دون باقي أسماء الله -تعالى-، لأنَّ الحال التي كانت عليها المرأة من الفخر والكبرياء بالطيب الذي تطيبت به، وجر أذيالها، والتعجب بنفسها، اقتضى أن يضيف اسمها إلى اسم الجبار، تصغيراً لشأنها، وتحقيراً لها عند نفسها، وهذا من أحسن التعريض، وأشبهه بمواقع الخطاب)(6).
قال ابن القيم: في "أعلام الموقعين" في الكلام على اهتمام الشرع بسد الذرائع (الوجه السابع والخمسون: أنَّه نهى المرأة إذا أخرجت إلى المسجد أن تتطيب أو تصيب بخوراً، وذلك لأنَّهُ ذريعةً إلى ميل الرجال وتشوقهم إليها، فإنَّ رائحتها وزينتها وصورتها، وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج تفلة وألاَّ تتطيب، وأن تقفَ خلف الرجال، وألا تسبح في الصلاة إذا نابها شيء، بل تصفق ببطنِ كفها على ظهر الأخرى، كل ذلك سداً للذريعة، وحماية عن المفسدة)(7).
فلتنظر المسلمة بعين البصيرة إلى أن التطيب إذا كان محرماً على مريدة المسجد، فكيف حكمهُ لمن تريد مجامع الرجال، كالأسواق والمحلات التجارية ونحو ذلك؟ إنَّ هذا أعظمُ جرماً وأشد تحريماً.
يقول المودودي: (والطيب رسولٌ من نفسٍ, شريرة على نفس شريرةٍ, أخرى، وهو من ألطفُ وسائل المخابرة والمراسلة، مما تتهاونُ به النظم الأخلاقية عامة، ولكن الحياء الإسلامي يبلغ من رقة الإحساس ألاَّ يحتمل حتى هذا العامل اللطيف من عوامل الإغراء، فلا يسمح للمرأة المسلمة أن تمر بالطرق، أو تغشى المجالس مستعطرة لأنَّها وإن استتر جمالها وزينتها، فينتشر عطرها في الجو ويحرك العواطف)(8).
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا الموضوع، أنَّهُ لا ينبغي استعمال البخور للنساء عند خروجهن إلى المساجد، ولا في المساجد كما يحصل في شهر رمضان ومن الخطأ إدخال المجامر (المباخر) على النساء في رمضان في مصلياتهن (في المساجد)، أو إتيان بعض النساء بذلك، وهذا سببهُ الجهل وعدم التنبيه على ذلك.
كما لا ينبغي تقديم الطيب والبخور في الزيارات النسائية، فإنَّ هذا خطأ كالذي قبله، ولاسيما إذا كانت المرأة تمر في طريقها بالرجال.
3- ومما ينبغي ملاحظته في هذا الباب أنَّ المرأة تترك التطيب والتجمل أيضاً إذا كان زوجها غائباً، وإنما يكون لباسها نظيفاً لا زينة ولا تجملاً، تقول عائشة -رضي الله عنها- كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب وتطيّب فتركته، فدخلت عليّ، فقلت: أمشهدٌ أم مغيب؟ فقالت: مشهد كمغيب، قلت: مالك؟ قالت: عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النساء، قالت عائشة: فدخل عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بذلك، فلقي عثمان فقال: ((يا عثمان تؤمن بما نؤمن به؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: فأسوة مالك بنا") وفي رواية: ("فاصنع كما نصنع))(9).
قال الشوكاني: (قولها: أمشهد أم مغيب؟ أي: أزوجك شاهد أم غائب؟ والمراد أنَّ ترك الخضاب والطيب إن كان لأجل غيبة الزوج فذاك، وإن كان لأمرٍ, آخر مع حضوره فما هو؟ فأخبرتها أنَّ زوجها لا حاجةَ له بالنساء، فهي في حكم من لا زوج لها، واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب، يشعر بأن ذوات الأزواج يحسنَّ منهنَّ التزين لأزواجهن بذلك)(10).
وقد ورد الوعيد فيمن غاب عنها زوجها فأظهرت زينتها ومحاسنها للأجانب. فعن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثلاثةٌ لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها الدنيا فتبرجت بعد فلا تسأل عنهم))(11).
فعلى المرأة المسلمة أن تراقب الله -تعالى-، وتحفظ نفسها لئلاَّ تكون من هؤلاء الهالكين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1) أخرجه أبو داود (11/230)، والترمذي (5/99)، والنسائي (8/153)، وأحمد (4/400) و(4/413) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه مسلم (4/407)، والنسائي (8/154، 155).
(3) أخرجه مسلم (4/407)، وأبو داود (11/231)، والنسائي (8/154).
(4) انظر: إحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني (2/139).
(5) أخرجه أبو داود (11/230)، وأخرجه النسائي مختصراً (8/153).
(6) جامع الأصول لابن الأثير (4/772). وانظر: عون المعبود (11/230).
(7) إعلام الموقعين (3/161).
(8) الحجاب للمودودي ص261.
(9) أخرجه أحمد (6/106) من طرق مختلفة قال في مجمع الزوائد (4/301): أسانيد أحمد رجالها ثقات. انظر: إرواء الغليل 7/78.
(10) نيل الأوطار (6/218).
(11) أخرجه الحاكم (1/119)، وأحمد (19/286 الفتح الرباني) وغيرهما.قال الحاكم: (على شرطهما ولا أعرف له علة) وأقره الذهبي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد