الزينة المحرمة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقدم أنَّ الإسلام شرع للمرأة التجمل والتزين لزوجها بكل ما أباحه الله - تعالى -، من لباس وحلي وطيب ونحو ذلك، في حدود التوجيهات الإسلامية في هذا المجال.

وقد رخص الإسلام للمرأة في مجال الزينة أكثر مما رخص للرجل، تلبيةً لفطرتها وأنوثتها، وحرصاً على دوام المحبة، وحسن العشرة بين الزوجين.

والإسلام عندما أباح للمرأة التزين لم يطلق العنان لتحصيل الجمال، أو استكماله، بل وضع الأسس والقواعد التي تحقق الهدف المقصود من الزينة، هذا من جانب. ومن جانبٍ, آخر حرَّم بعض أشكال الزينة إن صحَّ التعبير كوصل الشعر، والوشم، والنمص، وتفليج الأسنان، ونحو ذلك لما فيه من تغيير خلق الله - تعالى -، والخروج عن الفطرة، مع ما في ذلك من التدليس والإيهام.

وليست هذه المحرمات هي كل ما حرم الله في مجال التزين والتجمل، بل هي تنبيه على ما يماثلها على ما يماثلها على مر العصور، ولا سيما ما ظهر في وقتنا هذا مما يُسمى بجراحة التجميل، وهذا لا يعني أن الأصل في الزينة هو التحريم، بل الأصل هو الإباحة، لكن ذلك مقيد بضوابط دلت عليها النصوص.

قال الخطابي: [إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيءٍ, منها لكان وسيلةً إلى استجازة غيرها من أنواع الغش! ولما فيها من تغيير الخلقة، وإلى ذلك الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله: (المغيرات خلق الله) والله أعلم] [1].

ولقد ظهر في هذا العصر من أنواع الزينة كما يقال ما أخبر عنه الرسول e وحذر منه، وظهر من يشجع على انتشاره من بيوت الأزياء ومحلات التجميل، والمستشفيات، ووسائل الأعلام، من صحفٍ, ومجلاتٍ, وغيرها، تقود إلى ذلك دعاية وترغيباً، بغية تغيير الخلقة، وإفساد الفطرة، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ثُمَّ تحقيق الأهداف الاقتصادية بابتزاز أموال المسلمين، في استهلاك هذه الكماليات، عدا ما فيها من أضرار.

وإنَّ من صفات المرأة المسلمة أن تكون وقَّافةً عند حدود الله - تعالى -، لا تتعداها ولا تقربها، تقتصر على ما أباح اللهُ لها من أنواع الزينة تنظر بعين البصيرة، مهتدية بشرع ربها، لم يفسد مزاجها، ولم تنحرف فطرتها، وإنَّ مما يؤسف له أن يعجب الإنسان بكل ما يصدر عنه، أو بكل ما يهواه، مهما بلغ من السوء! فيرى القبيح حسناً، والتشويه جمالاً، وتغيير خلق الله زينة، وهذا انتكاس في الفطرة، وفساد في الذوق، ونبذ لتعاليم الإسلام! قال - تعالى -: ((أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)) (سورة فاطر: 8)). والشاعر يقول:

يقضى على المـرء في أيام محنتـه حتى يـرى حسناً ما ليس بالحسن

وإليك أختي المسلمة هذا الحديث الجامع، فاقرئيه وتأمليه علماً وعملاً، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله؟ فقال عبدا لله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله e وهو في كتاب الله فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأته لقد وجدتيه، قال الله - عز وجل -: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)) فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئاً. فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها)). [2]

قال النووي: قوله: [لو كان ذلك لم نجامعها] قال جماهير العلماء معناه: لم تصاحبها ولم نجتمع نحن وهي، بل كنا نطلقها ونفارقها][3].

وقال في فتح الباري: (قوله ما جامعتها) يحتمل أن المراد بالجماع الوطء، أو الاجتماع، وهو أبلغ. ويؤده قوله في رواية الكُشمَيهَنِي: (ماجامعتنا) للإسماعيلي (ما جامعتني) [4].

قال النووي: [فيحتج به في أنَّ من عنده امرأةً مرتكبةً معصية كالوصل أو ترك الصلاة، أو غيرهما، ينبغي له أن يطلقها، والله أعلم]. مثله قال ابن العربي في شرحه على الترمذي [5].

فهذا الحديث دلَّ على أنواع محرمة، مما يطلق عليه زينة، وهي تفليج الأسنان، والنمص، والوشم، وكذا الوصل كما عند أبي داود في سننهِ من حديث عبد الله بن عمر قال: ((لعن رسول الله e الواصلة والمستوصلة)) [6]، وتحريمها جاء من لعن فاعلها، لأنَّ اللعنة على الشيء تدلُ على تحريمه، وتدل على أنَّهُ من الكبائر، وهي تغيير لخلق الله - تعالى - كما تقدم.

قال ابن العربي: [إنَّ الله - سبحانه - خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيئة الأصلية، ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها وتبطل حكمته بها، فهو ملعونٌ لأنَّهُ أتى ممنوعاً] [7].

وقال الطبري: [لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، التماساً للحسن لا للزوج ولا لغيره] [8].

 

----------------------------------------

[1] فتح الباري (10/380). وانظر: أعلام الحديث للخطابي (3/2162).

[2] أخرجه الخاري (8/630)، ومسلم (14/352) واللفظ له، وأبو داود (11/225) بزيادة (والوصلات)، والترمذي (8/67) بدون حكاية المرأة، والنسائي مختصراً (8/146، 148)، وأحمد (6/21، 85). تحقيق: أحمد شاكر.

[3] شرح النووي (14/354).

[4] فتح الباري (18/631).

[5] شرح النووي (14/355)، عارضة الأحوذي (7/263).

[6] انظر: عون المعبود (11/225).

[7] عارضة الأحوذي (7/263).

[8] فتح الباري (10/377).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply