بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة أحدثت اختلافاً بين المسلمين في بعض المناطق الناطقة بغير العربية فقوم يرون وجوب أن تكون خطبة الجمعة بالعربية، وآخرون يرون أن تكون بلغة المخاطبين وسداً لأبواب الاختلاف ننقل فتوى بعض أهل العلم المعتبرين في هذه المسألة.
فتوى الشيخ عبد العزيزبن باز- رحمه الله -: (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أما بعد:
فقد تنازع العلماء - رحمهم الله - في جواز ترجمة الخطبة المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم، رغبة منهم - رضي الله عنهم - في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعاً للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، وتحذيرهم من خلافهما، ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، ولا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها، تسابقاً إلى تعلمها، وحرصاً عليها.
فالمقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها، وزوال المفسدة، وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية، فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين، فيخطب باللغة العربية، ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.
ويدل لذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة، منها ما تقدم، وهو: أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله، ودعوتهم إليه، وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم. ومنها: أن الله - سبحانه - إنما أرسل الرسل - عليهم السلام - بألسنة قومهمº ليفهموهم مراد الله - سبحانه - بلغاتهم، كما قال - عز وجل -: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)، وقال - عز وجل -: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)، وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور، وهم لا يعرفون معناه، ولا يفهمون مراد الله منه، فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد، وتوضح لهم حق الله - سبحانه - إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته، والعناية بها، ومن ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها، ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي - صلى الله عليه وسلم - مرادهم، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته، فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه والتمسك بشريعته والاستقامة عليها وأن يصلح ولاة أمرهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه إنه جواد كريم.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فتوى الشيخ: محمدبن صالح العثيمين - رحمه الله -: (2)
الجواب: الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره، فإذا كان هؤلاء القوم مثلاً ليسوا بعرب ولا يعرفون اللغة العربية فإنه يخطب بلسانهم، لأن هذا هو وسيلة البيان لهم، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله - سبحانه وتعالى - للعباد، ووعظهم وإرشادهم، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسر بلغة القوم، ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله - تعالى -: (وما أرسلنا من رسول إلى بلسان قومه ليبين لهم). [سورة إبراهيم: الآية: 4]
فبين الله - تعالى -أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطَبون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
-----------------------
(1)- انظر فتاوى اللجن الدائمة 8/251
(2)- فتاوى أركان الاسلام 393
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد