بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
فقد أصيبت الأمة الإسلامية بجراحات غائرة، في مشارق الأرض ومغاربها، فكان الواجب الشرعي هو: نصرة إخواننا المسلمين على عدوهم الكافر، و رفع الظلم عنهم، وإغاثتهم، وتعليمهم ما يجب عليهم في دينهم، والدعاء لهمº ومما يشرع من الدعاء (قنوت النوازل) (1).
ونظراً لأهمية هذا الموضوع، وحاجتنا إليه، وخفاء بعض أحكامه على كثير من الناس، أردت بيان أحكامه بإيجاز وفق ما ثبت في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتباً في الآتي:
أولاً: يشرع القنوت في النوازل في الصلوات الخمس كلها. وقد ثبت في ذلك نصوص كثيرة منها:
1. عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, - رضي الله عنه -: \" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهرًا يَلعَنُ رِعلاً وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ \" متفق عليه واللفظ لمسلم.
2. عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, - رضي الله عنه -: \" أَنَّ رِعلاً وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحيَانَ استَمَدٌّوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ, فَأَمَدَّهُم بِسَبعِينَ مِنَ الأَنصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِم كَانُوا يَحتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلٌّونَ بِاللَّيلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُم وَغَدَرُوا بِهِم فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَنَتَ شَهرًا يَدعُو فِي الصٌّبحِ عَلَى أَحيَاءٍ, مِن أَحيَاءِ العَرَبِ عَلَى رِعلٍ, وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأنَا فِيهِم قُرآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَومَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرضَانَا) \". أخرجه البخاري.
3. عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: \" كَانَ القُنُوتُ فِي المَغرِبِ وَالفَجرِ \" أخرجه البخاري.
4. عَنِ البَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: \" قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الفَجرِ وَالمَغرِبِ \" أخرجه مسلم.
5. عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: \" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ فِي الرَّكعَةِ الآخِرَةِ مِن صَلَاةِ العِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنجِ عَيَّاشَ بنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنجِ سَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ, اللَّهُمَّ أَنجِ المُستَضعَفِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ اللَّهُمَّ اشدُد وَطأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجعَلهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ \"(2). أخرجه البخاري.
6. عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: \" لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - يَقنُتُ فِي الرَّكعَةِ الآخِرَةِ مِن صَلَاةِ الظٌّهرِ وَصَلَاةِ العِشَاءِ وَصَلَاةِ الصٌّبحِ بَعدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ فَيَدعُو لِلمُؤمِنِينَ وَيَلعَنُ الكُفَّارَ \". متفق عليه.
7. عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ, - رضي الله عنهما - قَالَ: \" قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهرًا مُتَتَابِعًا فِي الظٌّهرِ وَالعَصرِ وَالمَغرِبِ وَالعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصٌّبحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ, إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ مِنَ الرَّكعَةِ الآخِرَةِ يَدعُو عَلَى أَحيَاءٍ, مِن بَنِي سُلَيمٍ, عَلَى رِعلٍ, وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَن خَلفَهُ \" أخرجه أحمد وأبو داود وسنده جيد. قال النووي: \" رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح \" (المجموع3/482). وقال ابن القيم: \" حديث صحيح \" (زاد المعاد 1/280). وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ح1443).
ويتبين من هذه الأحاديث أمور:
1. مشروعية القنوت في النوازل. قال ابن تيمية: \" القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين \". (مجموع الفتاوى 23/ 108).
2. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، وثبت في صحيح البخاري منها: الفجر والظهر والمغرب والعشاء. أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود بسند جيد كما سبق.
3. أن أكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ فيما يظهر من هذه الأحاديث وغيرها ـ كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: \"..فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وغيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه (اللهم العن كفرة أهل الكتاب)\" (مجموع الفتاوى 22/270).
وقال أيضاً: \" وأكثر قنوته ـ يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ كان في الفجر \".(مجموع الفتاوى 22/269).
وقال ابن القيم: \" وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - القنوت في النوازل خاصة، وتركَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها \". (زاد المعاد 1/273).
4. أن قنوت النوازل إنما يكون في الركعة الأخيرة، و أن محله بعد الرفع من الركوع.
ثانياً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً. فيبتعد عن الإطالة لحديث أَنَسٍ, - رضي الله عنه - لما سئل: هَل قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلَاةِ الصٌّبحِ؟ قَالَ: \" نَعَم بَعدَ الرٌّكُوعِ يَسِيرًا \" أخرجه مسلم. وقد ظهر لنا من الأحاديث السابقة أن قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جُملاً قليلة. والسعيد من وفق لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثاً: الاقتصار في الدعاء على النازلة. فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والذي يظهر من الأدلة السابقة وغيرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكرر الدعاء نفسه في قنوته حينما قنت شهراً، وربما كان بينها اختلاف يسير.
رابعاً: القنوت مشروع عند وجود سببه (وهو النازلة بالمسلمين) فإذا زال السبب ترك القنوت. أما قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً فليس مقصوداً منه التحديدº لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: \" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ بَعدَ الرَّكعَةِ فِي صَلَاةٍ, شَهرًا إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ اللَّهُمَّ أَنجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ, اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ المُستَضعَفِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ اللَّهُمَّ اشدُد وَطأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجعَلهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ ثُمَّ رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ الدٌّعَاءَ بَعدُ فَقُلتُ أُرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد تَرَكَ الدٌّعَاءَ لَهُم قَالَ فَقِيلَ وَمَا تُرَاهُم قَد قَدِمُوا(3) \". أخرجه مسلم.
قال ابن القيم: \" إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم و جاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت \". (زاد المعاد 1/272).
خامساً: قنوت النوازل ليس له صيغة معينة، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة.
أما الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن: \" اللهم اهدنا فيمن هديت.. الخ \" فإنما هو في قنوت الوتر، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: \" فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب القوم المحاربين \". (مجموع الفتاوى 21/155).
وقال أيضاً: \" وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً \". (مجموع الفتاوى 22/271).
و قال أيضاً: \" عمر - رضي الله عنه - قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - دعا بدعاء يناسب مقصوده. فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً وثانياً، وكما دعا عمر - رضي الله عنه - لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده \" (مجموع الفتاوى 23/109).
ومن دعا بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -º لأنه يناسب نازلة المسلمين كأن يقول في مثل مصابنا هذه الأيام: (اللهم أنج إخواننا المسلمين في كوسوفا، اللهم انصرهم، اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى ومن شايعهم وأعانهم، اللهم العنهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فقد أحسنº لأن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل وأجمع ما يدعى به.
سادساً: يسن جهر الإمام في القنوت للنازلة. لحديث أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: \" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَن يَدعُوَ عَلَى أَحَدٍ, أَو يَدعُوَ لأحَدٍ, قَنَتَ بَعدَ الرٌّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ اللَّهُمَّ أَنجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ, وَعَيَّاشَ بنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشدُد وَطأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجعَلهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجهَرُ بِذَلِكَ \" أخرجه البخاري.
قال النووي: \" وحديث قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قُتل القراء - رضي الله عنهم - يقتضي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات، هذا كلام الرافعي. والصحيح أو الصواب استحباب الجهر \". (المجموع 3/482).
قال ابن حجر: \" وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثمَّ اتفقوا على أنه يجهر به \" (فتح الباري 2/570).
سابعاً: يسن تأمين المأموم على دعاء الإمام في قنوت النازلة. لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: \".. يَدعُو عَلَى أَحيَاءٍ, مِن بَنِي سُلَيمٍ, عَلَى رِعلٍ, وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَن خَلفَهُ \" أخرجه أحمد، و أبو داود بإسناد جيد كما سبق.
ثامناً: يسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة. لحديث أنس - رضي الله عنه - قال \".. فَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَى شَيءٍ, قَطٌّ وَجدَهُ عَلَيهِم ـ يعني القرَّاء ـ فَلَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلَاةِ الغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيهِ فَدَعَا عَلَيهِم \". أخرجه أحمد بإسناد صحيح. وقال النووي: \" رواه ـ البيهقي ـ بإسناد له صحيح أو حسن \" (المجموع 3/479).
وعن أبي رافع قال: \" صليت خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقنت بعد الركوع، ورفع يديه، وجهر بالدعاء \". أخرجه البيهقي وقال \" هذا عن عمر صحيح \" (سنن البيهقي 2/212).
قال النووي: \" وعن أبي عثمان قال: كان عمر - رضي الله عنه - يرفع يديه في القنوت. وعن الأسود أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرفع يديه في القنوت.. رواها البخاري في كتاب رفع اليدين(4) بأسانيد صحيحة، ثم قال في آخرها ـ يعني البخاري ـ: هذه الأحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه \" (المجموع 3/490).
تنبيهات:
أولاً: لا يشرع مسح الوجه بعد دعاء القنوت. لأن ما ورد في المسح ضعيف لا يحتج به.
قال البيهقي - رحمه الله -: \" فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث فيه ضعف. وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، و أما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف - رضي الله عنهم - من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق \". (سنن البيهقي 2/212).
وبين النووي - رحمه الله - ضعف ما ورد في مسح الوجه بعد الدعاء في الصلاة. و قال: \" وله ـ يعني البيهقي ـ رسالة مشهورة كتبها إلى الشيخ أبي محمد الجويني أنكر عليه فيها أشياء من جملتها مسحه وجهه بعد القنوت \" (المجموع 3/480).
وقال ابن تيمية: \" وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة \" (مجموع الفتاوى 22/519).
ثانياً: مما يلحظ على بعض الناس في الدعاء قوله: (اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين، أو يا عفو يا غفور) لأن التوسل بصفة الرحمة والمغفرة لا يناسب الدعاء عليهم باللعن وأخذهم بالشدة.
ثالثاً: من الخطأ التزام الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ختام دعاء قنوت النوازل، لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء. و الأصل في العبادات التوقيف، فلا يلتزم ذكر أو دعاء عند سبب أو زمن معين إلا بدليل. أما ما ورد عن بعض الصحابة فإنما هو في قنوت الوتر.
رابعاً: الذي ثبت هو القنوت في الصلوات الخمس في الجماعة.
أما القنوت في صلاة الجمعة، والنوافل، وللمنفرد فلم أقف للقنوت فيها للنازلة على حديث أو أثر صريح.
وقد بوب عبد الرزاق في مصنفه (3/194): \" باب القنوت يوم الجمعة \"، و ابن أبي شيبة في مصنفه (2/46) بقوله: \" في القنوت يوم الجمعة \"، وابن المنذر في الأوسط (4/122) بقوله: \" ذكر القنوت في الجمعة \" وذكروا آثاراً عن بعض الصحابة والتابعين عامتها في ترك القنوت وذمه في الجمعة. ولكن لم يرد في شيء منها أن القنوت المتروك أو المذموم فيها هو قنوت النوازل. فدلالتها على منع قنوت النوازل في صلاة الجمعة ليست صريحة.
قال المرداوي: \" وعنه يقنت في جميع الصلوات المكتوبات خلا الجمعة، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه. اختاره المجد في شرحه، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدين، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع،... وقيل: يقنت في الجمعة أيضاً. اختاره القاضي، لكن المنصوص خلافه \" (الإنصاف 2/175). واختار ابن تيمية مشروعية القنوت للمنفرد (انظر الإنصاف 2/175).
والأصل في العبادات هو المنع حتى يتبين وجه المشروعية. وهذه المسألة (أي القنوت في صلاة الجمعة، والنوافل، وللمنفرد) بحاجة إلى مزيد من البحث والنظر، والله أعلم.
خامساً: قال ابن تيمية: \" ينبغي للمأموم أن يتابع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهادº فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) \" (مجموع الفتاوى 23/115ـ116).
سادساً: قال بعض الفقهاء: إن قنوت النوازل إنما يفعله إمام المسلمين، أما عامة المسلمين فلا.
وهذا القول فيه نظرº لأمور:
الأول: أن الأصل في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - العموم لجميع المسلمين، إلا إذا دل الدليل الصريح على التخصيص. ولم يثبت في ذلك دليل، فنبقى على الأصل وهو مشروعيته لجميع المسلمين.
الثاني: حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - مرفوعاً: \" صلوا كما رأيتموني أصلي \" أخرجه البخاري. فهذا الحديث صريح في أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أنها لعموم المسلمين.
الثالث: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قنت وهو ليس بإمام للمسلمين، كما ثبت في الصحيحين ـ وقد سبق ـ أن أَبا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: \" لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - يَقنُتُ فِي الرَّكعَةِ الآخِرَةِ مِن صَلاةِ الظٌّهرِ وَصَلاةِ العِشَاءِ وَصَلاةِ الصٌّبحِ بَعدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ فَيَدعُو لِلمُؤمِنِينَ وَيَلعَنُ الكُفَّارَ \".
والحمد لله رب العالمين.
--------------
الحاشية:
(1) النازلة: \" هي الشديدة من شدائد الدهر \". (كشاف القناع 1/421).
(2) (عياش والوليد وسلمة y) حبسهم المشركون في مكة لما أسلموا ومنعوهم من الهجرة، وقد تواعدوا جميعاً للهروب من المشركين فدعا لهم النبي e. والمراد (بالمستضعفين من المؤمنين) هم ضعفاء المؤمنين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة، وآذوهم وعذبوهم. وقوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر) أصل الوطأة الدوس بالقدم، ومن وطأ الشيء برجله بشدة فقد استقصى في إهلاكه وإهانته، فيكون المعنى: اجعل بأسك وعذابك الشديد عليهم. وقوله: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) هي المشار إليها في قوله - تعالى -من سورة يوسف: \" ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد \" فكانت عليهم سبعة أعوام عمهم فيها القحط ونقص الطعام، فيكون المعنى هنا: هو الدعاء عليه بالقحط العظيم. (انظر في هذه المعاني: المنهل العذب المورود 8/82).
(3) \" أي أتسأل عن ذلك وما تعلم أن الوليد ومن معه قد قدموا إلى المدينة ونجاهم الله - تعالى -من عدوهم \" (المنهل العذب المورود 8/82).
(4) وهو من مصنفات الإمام البخاري - رحمه الله -. (انظر هدي الساري ص 516).
(*) نشر الموضوع في مجلة الدعوة (العدد 1700 ـ 2/4/1420هـ)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد