القضاء بالقرائن المعاصرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

 من مهمات القاضي في مجال الفصل في الخصومات أن يسعى جاهدًا لإثبات الحق أو نفيه.
فالمدعي مطالب بإثبات الحق المدعى به.
والمدعى عليه: مطالب بنفي الدعوى المقامة ضده.
وطرق الإثبات التي نصت عليها الشريعة: الإقرار: وهو كما يقولون (سيد الأدلة) لانتفاء نسبة الاحتمال إليه، ثم الشهادة وهي شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين كما دلت النصوص الشرعية على ذلك.
وفي حالة عدم وجود إقرار ولا شهادة ولا بينة وهي التي تسمى (الأدلة المباشرة)، فإن القاضي يلجأ إلى وسيلة أخرى غير مباشرة وهي المسماة بالقرائن:
والقرائن : جمع قرينة بمعنى المصاحبة والمقارنة والملازمة:
والقرائن: لم تفرد في فقه المذاهب في باب مستقل وإنما تذكر في معرض الحديث عمن وسائل الإثبات في باب الدعاوى والبيانات، كما يقول الإمام الزيلعي في كتاب تبين الحقائق (وإن وصف أحدهما علامة –أي بالولد- فهو أحق به) وهذا له أصل في الشرع كما في قصة يوسف عليه السلام (وإن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين) فالقرينة في هذا المعنى هي العلامة.
وعرفها الجرجاني في كتاب التعريفات بقوله: (هي أمر يشير إلى المطلوب) وهذا التعريف فيه إجمال إذ ليس مقصورًا على القرينة الشرعية عند الفقهاء.
وعرفها مصطفى الزرقاء في المدخل الفقهي العام (2/918) بقوله (كل أمارة ظاهرة تقارن شيئًا خفيًا تدل عليه).
وتعريفات الفقهاء متقاربة ولعل هذا أقربها، ومن الأمثلة على ذلك سكوت المرأة البكر فإنه قرينة على رضاها بالخاطب.

1- تنقسم القرائن باعتبار مصدرها إلى:
l- قرائن نصية ثابتة بالكتاب أو السنة كالمثال السابق في قصة يوسف عليه السلام، فشق القميص من الخلف قرينة على صدق يوسف وكذب امرأة العزيز. ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من قصة مجزز ابن الأعور لما دخل فرأى أسامة وزيد بن حارثة قد بدت أقدامها فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
II- قرائن فقهية:وهي التي استنبطها الفقهاء باجتهادهم ومن الأمثلة على ذلك:
الحجر على المفلس بقرينة عدم الوفاء إذا ثبت أنه تصرف في أمواله بقصد إخفائها لتفويت حق الغرماء.
III- قرائن قضائية: وهي التي يستنبطها القاضي بفطنته وذكائه وهي دليل على الإثبات متى اقتنع القاضي بها وغلب على ظنه صحتها، وقد ذكر ابن القيم في الطرق الحكمية أمثلة عليها منها:
ادعى رجل أنه سلم رجلًا وديعة فأنكرها فقال له القاضي أين سلمته إياها؟ قال: في مسجد البلد فقال اذهب فجئني منه بمصحف فذهب ثم قال للمدعى عليه أتظنه بلغ المسجد قال لا فألزمه بالمال.
2- وتنقسم باعتبار علاقتها بمدلولها إلى قسمين:
I- قرائن عقلية: وهي التي يقوم العقل باستنباطها كظهور الحمل على امرأة غير متزوجة قرينة على زناها، وكوجود الرماد في مكان دليل على سبق وجود النار.
II- قرائن عرفية: وهي التي يدل عليها العرف والعادة وهي غير ثابتة قد تتبدل: كشراء الشاة يوم عيد الأضحى فهو قرينة على أنها أضحية وقد تكون لغير ذلك.
3- وتنقسم باعتبار قوة دلالتها في الإثبات:
أ- قرائن قوية: وهي التي بلغت حد اليقين:
مثالها: لو خرج رجل من دار وفي يده سكين ملوثة بالدماء وثوبه ملطخ بالدم وهو خائف مضطرب. وبعد خروجه وجد الناس في الدار رجلًا مقتولًا ولم يكن في الدار غيرهما. فهذه قرينة على أن ذلك الرجل هو القاتل.
ب- قرائن ضعيفة: وهي التي تقبل إثبات عكسها فلا يصح الاعتماد عليها وحدها بل تحتاج إلى دليل آخر لترتب الحكم عليها.
مثالها: إذا وقع نزاع بين زوجين في متاع البيت كل يدعيه له ولا بينه وكلاهما صاحب يد فيرجح قول كل منهما فيما يصلح له بقرينة المناسبة فما يناسب الرجال هو للزوج وما يناسب النساء فهو للزوجة.
ج- القرينة الكاذبة: وهي التي يتطرق إليها الاحتمال ولا تفيد العلم فلا يعول عليها في الإثبات لمعارضتها ما هو أقوى منها كدعوى إخوة يوسف أن الذئب أكله وجاءوا بالدم على قميصه كقرينة على صدق قولهم لكن أباهم اكتشف كذبهم، لأنه لا يمكن أن يفترسه الذئب ويسلم القميص من التمزق، ولهذا قال لهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل) .

 

جواز العمل بالقرائن لقوة أدلة القائلين بذلك ومن المرجحات:
1- إن عدم الأخذ بالقرائن يؤدي إلى ضياع الحق خاصة في العصور المتأخرة حيث كثرت وسائل التحايل والتستر وقلب الحقائق.
2- أن القرائن نوع من البينات، وقد جرى الاتفاق على حجية البينة.
والعمل بالقرائن ليس على إطلاقه وإنما في حال عدم وجود بينة أقوى منها وعندما تكون الأدلة عند القاضي غير كافية.
والعمل بالقرائن لا يعني التوسع فيها وإنما في نطاق ضيق إذا دعت إليها الحاجة.
يقول ابن القيم (إن أهملها الحاكم أضاع حقًا كثيرًا وأقام باطلًا كبيرًا وإن توسع وجعل معموله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع الظلم والفساد).


القرائن المعاصرة لها ارتباط وثيق بمسرح الجريمة، وقد تطورت تبعًا للتطور العلمي الذي يشهده العالم اليوم.
وهي تقوم على أساس أسلوب الاستشارات الفنية والبحوث والخبرة في مجال الإثبات والبحث الجنائي ومنها:
1-مقارنة الخطوط والكتابات عند التزوير.
2- الفحص الطبي المثبت للدعوى للتوصل إلى معرفة الجاني وسبب الوفاة وهو ما يسمى بتقرير الطبيب الشرعي.
3- الحمض النووي: وهو البصمة الوراثية القائمة على معرفة الصفات الوراثية للجنس البشري.
4- التحاليل المعملية لماديات الجريمة سواء كانت ظاهرة أم خفية لتكون أدلة علمية لكشف الجريمة ومرتكبها ومنها:
آثار الشعر، المقذوفات النارية، آثار الأقدام، مقارنة البصمات، الروائح، فحص الدم، المني، التصوير، التسجيل.
1. القضاء بقرينة المستندات الخطية
صورتها: إذا ادعى شخص على آخر وأثبت حقه بموجب كتابة رسمية أو عادية فهل تكون هذه الكتابة حجة رسمية يعتمد عليها في إصدار الحكم إثباتًا أو نفيًا.
حجيتها: الراجح من قول الفقهاء أن الكتابة (الخط) تعد من وسائل الإثبات في الحقوق للأدلة الدالة على ذلك كآية الدين وحديث الوصية، وحاجة الناس إليها ماسة لاستيفاء حقوقهم وإبراء الذمم، وقواعد الشريعة ومقاصدها تقتضيها لحفظ الحقوق ودفع الحرج.
ومن ذلك: الكتابة على الجدار بأن المنزل وقف، وقد حكم بذلك الإمام أحمد –رحمه الله- وقد تكون الكتابة مستندًا رسميًا كالصكوك، وما يصدر من كتابة العدل، وشهادة الميلاد ...الخ. ويشترط في كاتبها العدالة.
وفي حال الاعتراض على الكتابة بالتزوير فهي دعوى تحتاج إلى دليل وإلا فالأصل إلغاؤها ووجوب العمل بالسندات الرسمية هو ما نص عليه نظام القضاء والأعمال الإدارية في المملكة.
حجية الكتابة في إثبات النسب:
إذا أنكر رجل بنوة آخر يدعي عليه أنه ابنه ولا يوجد ما يثبت نسبه إليه إلا ورقة مكتوبة بخطه فهل تثبت نسبته بهذه الورقة؟
فإن كانت الورقة مجردة عن الإشهاد، والمدعي امرأة، وكاتب الورقة ميت فلا تعتبر دليلًا على الإثبات، حتى لا يكون ذريعة للنساء بحيث كل امرأة تقدم على الفاحشة تدعي مثل ذلك لدفع العار عنها.
فلا تسمع دعوى النسب عند الإنكار إلا إذا كانت ثابتة بشاهدين أو كانت الورقة رسمية كشهادة الميلاد.
فإن كان الكاتب حيًا: فإن أقر فيها، ثبت النسب بالإقرار.
فإن أنكر ، فهناك قرائن أخرى لإثبات النسب كالتحاليل المخبرية والبصمة الوراثية وهناك مستندات أخرى خطية غير معدة للتوثيق كالرسائل البريدية، والبرقيات والتلكس والفاكس. وللفقهاء فيها تفصيلات لا يتسع المقام للحديث عنها.
2/ القضاء بقرينة محضر الشرطة
المحضر: صورة صادقة لما يتم من إجراءات وهو أعم من التقرير لاشتماله على الوقائع وكلام الخصوم وحججهم والجواب عنها. وقد يشتمل على رسم تخطيطي لمكان الحادث. وللقاضي سلطة الاقتناع بما في المحضر أو عدم اقتناعه به، وله تركه والاعتماد على أدلة أخرى فالمحضر ليس بحد ذاته حجة على ما ورد فيه. لكنه خير معين للقاضي في التعرف على ملابسات القضية كأن يكون فيه شهود عيان، أو قرائن مادية أو معنوية تنير له الطريق.
وفي حال عدم اقتناع القاضي بما ورد في المحضر أو التقرير يطلب إثباته بوسائل أخرى.
مثاله: تقرير أو محضر تصادم بين سيارتين نتج عنه وفاة أحد السائقين وقد أثبت التقرير نسبة الخطأ على كل منهما. فقد يؤدي نظر القاضي إلى العكس.
3/ القضاء بقرينة الفحص الشرعي (الطبي)
للطب الشرعي في مجال الإثبات دور بارز خاصة في مجال الجنايات، مما يؤكد معرفته لكل طبيب. خاصة طبيب النساء والولادة لإثبات حالات الإجهاض أو الولادة، أو الاغتصاب. ومن يقوم بالعمليات الجراحية. يقدم تقرير عن أسباب الكدمات والجروح ومدى خطورتها ومضاعفاتها ومدتها.
وكذا إثبات حالات التسمم الانتحاري أو الجنائي.
وقد ساهم الطب الشرعي في حل كثير من المشاكل التي تعترض سير القضاء منها:
1- قضايا أخطاء مهنة الطب والصيدلة.
2- فحص المسجونين في حال دعوى المرض لمعرفة الحقيقة.
3- فحص حالة الجنون لمن ادعاه خوفًا من العقاب.
4- التعرف على المجهولين من الأحياء والأموات في حال هرب الأحياء من يد العدالة وتغيير ملامحهم، وفحص الجثة معرفة سبب الوفاة وهو علم واسع يسمى (بالتشريح الجنائي).
5- فحص المتهم بالزنا، أو من تناول سكرًا بتحليل دمه.
6- إثبات العيوب بين الزوجين عن طريق الفحص الطبي.
7- إثبات النسب بتحليل فصيلة الدم لمعرفة تقاربها مع مدعيه.
8- الفحص الطبي لإثبات جريمة الغش التجاري.
ونفصل القول في مسألتين:-
الأولى: القضاء بقرينة الفحص الطبي في إثبات النسب أو نفيه:
كان الاعتماد في السابق في إثبات النسب على القيافة في حال تعذر الإقرار أو الشهادة وفي العصر الحاضر تم اكتشاف العلامات الوراثية عن طريق تحاليل الدم المخبرية.
فالدم: يشتمل على العديد من تلك الصفات الوراثية الموروثة من الأب والأم بحيث يأخذ الولد نصف الصفات من أبيه الحقيقي والنصف الآخر من أمه عن طريق الحيوان المنوي للرجل، والبويضة للأنثى.
(العلامات الوراثية الموجودة في الدم) منها:
1/ فصائل الدم الرئيسية:
فلكل إنسان صفات وميزات في دمه تختلف عن الآخر بدليل أنه لو خُلط نوعان من الدم مختلفين لم يمتزجا إذا كانا من فصيلتين مختلفتين وهي أربع فصائل: أ،ب،أب،صفر.
وهذه لها خصائص يعرفها الأطباء:
طريقة تحديد فصيلة الدم: بواسطة الميكروسكوب.
وفصيلة الدم التي تحددت فإنها تبقى ثابتة لكل شخص وتنتقل من الوالدين إلى الولد.
2/ بصمة الحمض النووي:
لإثبات تميز إنسان عن آخر يمكن بواسطة الحمض النووي الذي يوجد في خلايا الجسم ما عدا كرات الدم الحمراء حيث ليس لها نواة.
ونواة كل خلية من خلايا الجسم تحتوي على (23)زوجًا من الكروموزومات منها (22) متماثلة بين الذكر والأنثى. ويختلفان في واحدة وهي الكروموزومات الجنسية ولكل خلايا رمز خاص بها.
فمثلًا يمكن عن طريق خلايا الشعر معرفة هل هو لذكر أم لأنثى، وكذا في التعرف على الدم، واللعاب، والجلد.
ووجد أن وحدة بناء هذه الكروموزومات هو الحمض النووي. وكل حمض نووي يتكون من سلاسل حلزونية يلتف بعضها حول بعض. وهذا التسلسل يختلف من شخص لآخر. ولا يحصل تشابه إلا في حال التوائم المتشابهة لأن أصلها بويضة واحدة وحيوان منوي واحد.
ويطلق على هذا العلم (البصمة الوراثية) نظرًا لهذا الاختلاف وهذا الحمض النووي أو المعلومات الوراثية هي المسؤولة عن صفات الوراثة المكتسبة منذ بدء خلق الإنسان: وهي (الموروثات التي تدل على كل إنسان بعينه).
وما توصل إليه العلم الحديث في اكتشاف بصمة الحمض النووي ما هو إلا فيما يتعلق بالصفات الوراثية ولم يعلم سوى ذلك من ملايين المعلومات عن الإنسان في حياته وبعد موته (وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا).

أ- فصيلة الدم:
تقدم أن كل إنسان يرث صفاته من أبيه وأمه مناصفة سواء كان دم الأبوين من فصيلة واحدة أو من فصيلتين مختلفتين.
ومتى وجدت زمرة دموية في طفل لا توجد في مدعيه يمكن الاعتماد على ذلك في نفي نسبه منه.
وفي حال توافق الفصائل بين الطفل ومدعيه فإن هذا ليس قطعيًا في إثبات نسبه لأن الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون أبو الطفل واحدًا منهم.
مثال: لو ولدت امرأتان في مستشفى واختلط الولدان وتعذر تمييزهما فيمكن عن طريق تحليل الدم معرفة نسب الولد الصحيح. وفي حال اختلاف الفصائل يكون التحليل قاطعًا في نفي النسب أما في حال التوافق بإلحاقه من باب الاحتمال فقط.
فيمكن الاعتماد على قرينة اختلاف فصائل الدم في نفي نسب الولد في غير الحالة التي يجب فيها على النافي اللعان وهي حال قذف الزوج زوجته.
ومتى ثبت عدم نسبة الولد إليه بواسطة العلامة الوراثية فلا حاجة إلى اللعان عند بعض الفقهاء، لأن اللعان يمين وهي إنما وضعت لتحقق ما يحتمل الوقوع وعدمه وفي هذه الحالة لا يمكن كون الولد من الزوج فلم يحتج في نفيه إلى لعان.
ب/ بصمة الحمض النووي
وتسمى البصمة الوراثية، وهي تختلف من شخص لآخر نظرًا لاختلاف الصفات الوراثية ويمكن بواسطتها تحديد البنوة لأن هناك تشابهًا بين الشخص وولديه في هذا الحمض. فإن وجدت الصفات الوراثية الموجودة في الابن نصفها في الأم والنصف الآخر غير مطابق لصفات الأب المدعي فهذا يدل على أنه ليس هو الأب الحقيقي والعكس صحيح. وهذا يتم بعمل بصمة الحمض النووي لكل منهم ومطابقتها.
وبناء على ذلك وما قرره الأطباء من أنه لا يوجد تشابه بين شخص وآخر في الحمض النووي ما عدا الابن مع والديه فإن تلك القرينة تعد قاطعة في إثبات النسب إذا تشابه المدعي به مع المدعيين له في هذا الحمض أما إذا اختلفت فهي قرينة قاطعة على نفي النسب ولا تقبل الشك.
أما فصائل الدم فهي قرينة قاطعة في نفي النسب دون إثباته.
الأدلة من الشرع على حجية العلامات الوراثية:
1- لذلك أصل في الشرع كما في حديث الرجل الفزاري الذي جاء للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) يريد نفي ولده لوجود اختلاف بينهما في اللون فقال: (إن امرأتي ولدت غلامًا أسود فقال. هل لك من إبل؟ قال: نعم قال: ما ألوانها؟ قال حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى لها ذلك؟ قال: لعله نزعة عرق. قال: فلعل ابنك هذا نزعة عرق.
2-كذلك اتفق جمهور الفقهاء على العمل بالقافة في إثبات النسب بناء على العلامات الظاهرة التي يعرفها القائف. كما ورد في حديث مجزز المدلجي في قصة أسامة بن زيد. وزيد بن حارثة.
يقول ابن القيم (أصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب والشارع متشوف إلى إيصال الأنساب وعدم انقطاعها).
ويكون الشبه دليلًا على نفي الولد استنادًا لحديث المرأة التي لاعنها زوجها وهي حامل فقال الرسول –صلى الله عليه واله وسلم- انظروا إن جاءت به أسهم أدعج العينين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق. وإن جاءت ابن أحيمر كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب عليها فجاءت به على الوصف الأول فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- (لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن) فجعل الشبه دليلًا على نفي النسب.
والأخذ بقرينة الشبه والقافة على نفي النسب أو إثباته لا ينافي العمل بالعلامات الوراثية. بل العمل بالعلامات الوراثية أولى لأن نسبة الخطأ فيها نادر بينما نسبة الخطأ في الشبه والقافة واردة لكونها تقوم على الظن والخبرة.
فالفقه الإسلامي لا يمنع من الأخذ بالوسائل الطبية الحديثة في إثبات النسب أو نفيه.
كما أن الاعتماد على العلامات الوراثية في نفي النسب لا يعارض قرينة الفراش إذا ثبت أن الولد مولود لزوجين على فراشهما حسب القرينة الظاهرة لأن العمل بالعلامات الوراثية إنما يكون إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها، ومتى وجد معارض أقوى كالفراش حكمنا به، لأن القرائن يقدم فيها الأقوى فالأقوى، والفراش أقوى لحديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
إذا تعذر إثبات ذلك بالشهادة والإقرار تتجه المحكمة إلى طلب إجراء الفحص الطبي التشريحي لإثبات أن الوفاة كانت جنائية أو أنه اعتداء على ما دون النفس.
وللتشريح ثلاثة أغراض:
أ/ إثبات جريمة القتل بتشريح الجثة:
إذا لم يعلم سبب الوفاة واشتبه في وجود جريمة تدخل الطب الشرعي في فحص الشخص المتوفى ومعرفة سبب وفاته هل هي طبيعية أم ناتجة عن جريمة اعتداء مما يعين عند التحقيق على توجيه التهمة للفاعل، ومعرفة نوع السلاح المستخدم.
ب/ وكذا لو كانت الوفاة غير جنائية لمعرفة نوع المرض الذي مات بسببه من أجل الوقاية منه وعلاجه في المستقبل فلكل داء دواء. والأحاديث في الأمر بالتداوي مستفيضة والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.
ج/ وكذا التشريح لغرض التعليم، فعلم التشريح له باع واسع في كليات الطب وهو من العلوم النافعة والضرورية في وقتنا الحاضر حيث لا يمكن الاقتصار في التشخيص على الفحص السريري في بعض الحالات.
فتشريح الجثة جائز شرعًا للضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، ففي حال الاشتباه في سبب الوفاة فإن التشريح يزيله فيتوصل به إلى الحقيقة حفظًا لحقوق الأولياء وإعانة على حفظ الأمن، وردع أمثال الفاعل من المجرمين وقد يثبت التشريح نتائج سلبية ويحكم بأن الوفاة عادية فتحصل براءة الذمة.
كما أن المصلحة الراجحة مقدمة على المفسدة المرجوحة وهي انتهاك حرمة الميت.
مثال: لو ابتلع شخص مالًا ثم مات فطلب صاحب المال رده، يشق جوفه ويرد المال على صاحبه، ذكره النووي في روضة الطالبين (2/141) وابن قدامة في المغني (2/552).
وكذا مشروعية التشريح لأجل التعلم فإن طب الأجسام وعلاج الأبدان أمر مشروع والتشريح من الوسائل المفيدة في ذلك والوسائل لها حكم الغايات.
* وقد صدرت الفتوى من هيئة كبار العلماء بجواز التشريح تحقيقًا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل سواء كانت الجثة معصومة الدم أم لا.
أما التشريح لأجل التعليم فإن الضرورة منتفية فيكتفى بتشريح جثث غير معصومة.

كل جريمة تترك وراءها من الدلائل والعلامات ما يتوصل به إلى معرفة الفاعل مهما حاول المجرمون طمس معالم الجريمة وإخفاء آثارها، وقد أثبتت التجارب العلمية المخبرية التوصل إلى المجرمين بواسطة القرائن المادية التي تخلف الجريمة.
وقد اتجهت الدراسات الحديثة إلى الاستفادة من الوسائل الحديثة لإثبات الجريمة وكشف مرتكبيها من خلال الآثار المادية التي يتركها الجاني في مكان الجريمة. وتختلف حالة الآثار باختلاف الجريمة من حيث نوعها وأسلوب تنفيذها ووسائلها المستخدمة في التنفيذ.
والآثار المادية نوعان:
أ/ آثار مادية ظاهرة. ب/ آثار مادية خفية.


أولًا: الآثار المادية الظاهرة:
(أ) آثار الشعر:
وجود الشعر في مكان الجريمة يساعد على تفسير ملابساتها ويساعد المحقق على معرفة نوعه وعلاقته بالجريمة.
وللشعر خاصية عجيبة في التعرف على الجريمة والفاعل لما يختص به من صفة الالتصاق بالأجسام الصلبة. وله صفة امتصاص تساعد على معرفة نوع المشروب ومدة بقائه في الجسم.
مما يستوجب المحافظة على عينة الشعر حتى تبقى على طبيعتها التي وجدت عليها.


]طريقة فحص الشعر]
يتم ذلك بالطرق التالية:
1- تفريق الشعر عن الألياف عن طريق إجراء اختبارات كيميائية.
2- التفريق بين شعر الإنسان والحيوان عن طريق الميكروسكوب.
3- معرفة من يخصه الشعر من الجنس البشري.
4- هل الشعر يخص ذكرًا أم أنثى عن طريق فحص خلايا الشعر.
5- معرفة موقع الشعر من جسم الإنسان.
6- معرفة صاحب الشعر عن طريق فصيلة الدم من الشعر والمقارنة أو عن طريق التحليل الإشعاعي ويحتاج إلى مزيد من الدراسات حتى يمكن تحديد الجاني بدقة أكبر.
* أو عن طريق بصمة الحمض النووي لكل من الشعر المعثور عليه والمتهم، ومطابقة النتيجة لمعرفة صاحب الشعر، لأن التشابه في هذه الحالة غير وارد.
قوة قرينة الشعر في الإثبات أو النفي:
بعد فحص الشعر فإما أن يتشابه بشعر المتهم أو يختلف، فإن تشابه عن طريق فصيلة الدم المأخوذة من الشعر والبروتين الموجود في الشعر فإن هذا يزيد الشك في المتهم ولكي يزول هذا الشك لابد من استخدام فحص الحمض النووي DNA لكل من الشعر المعثور عليه وشعر المتهم ففي حال المطابقة نجزم بأن هذا الشعر يخص المتهم. لأن بصمة الحمض النووي قرينة قوية في الإثبات أو النفي لا تقبل الشك.
س/ هل ينتفي النسب بالبصمة الوراثية دون اللعان؟
ج/ هذه المسألة محل خلاف عند الفقهاء: والذي يترجح -والله أعلم- أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب مادامت النتيجة قطعية كما ترد دعوى الزوج بنفي النسب إذا أثبتت البصمة الوراثية خلاف ذلك لمخالفة قول الزوج للحس والعقل. وينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل اللعان لفحوص البصمة الوراثية. لأن اللعان مشروط بعدم وجود بينة. فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد فلا وجه لإجراء اللعان كما لو صدقته الزوجة فلا وجه لإجراء اللعان مع وجود بينة قاطعة.
(ب) قرينة المقذوفات النارية:
الأسلحة النارية أداة مهمة من أدوات الإجرام بل هي في مقدمة الوسائل المستخدمة في جرائم القتل.
ومن آثارها ما يفيد في التعرف على نوع السلاح المستخدم وتحديد عياره كالمقذوفات، والظروف الفارغة وهذا يفيد المحقق في التعرف على مرتكب الجريمة، لأن لكل جرح ما يناسبه من السلاح، ومعرفة ما إذا كان السلاح المضبوط من نفس عيار المقذوف المستخرج من حجم المجني عليه ويتم ذلك بالفحص في مختبرات الأسلحة النارية.
(ج) قرينة آثار الآلات
لا يخلو مكان الجريمة –غالبًا- من الآلات تبقى آثارها في مسرح الجريمة كالفأس، والسكين وكل آلة حديدية قاتلة أو آلة خشبية، ومتى تم ضبط الآلة المستخدمة أمكن إجراء المقارنة المخبرية للبحث عن الآثار التي قد تكون عالقة بالآلة كذرات الخشب أو الحديد- أو وجود خدوش على الآلة نتيجة الاستخدام أو آثار دم. أو طلاء، أو شعر ويستخدم الميكروسكوب في عملية المقارنة.
وإذا لم يمكن العثور على الآلة فيمكن معرفتها على وجه التقريب وبواسطة الآثار الناتجة عنها.
يمكن القول بأن آثار الآلات هي: (الخطوط الدقيقة التي تحدثها الآلة على سطح الجسم).
وأثر الآلة على سطح الجسم يمكن مشاهدته إما بالعين المجردة أو عن طريق استخدام العدسات المكبرة وينتج هذا الأثر إما بسبب انزلاق الآلة على الجسم أو ترددها عليه، أو الضغط القوي.
ويتم فحص أثر الآلة عن طريق مضاهاة الأثر مع أثر مماثل للآثار التي عثر عليها بواسطة الميكروسكوب، ليتم معرفة نوع الآلة وعددها وتعدد الجناة، ومهارة الجاني، واليد التي استخدمها، وزمن الاستخدام التقريبي عن طريق دراسة البرق المعدني وما طرأ عليه من تغيير نتيجة الصدأ.
وقرينة أثر الآلة من القرائن الضعيفة لأنها مبنية على الظن والتخمين، لما بين الآلات من التشابه، وقد لا تكون الجريمة مقصودة إذا ادعى المتهم استخدام الآلة لغرض آخر.

ثانيًا القرائن المادية الخفية
وهي أنواع منها:
1- قرينة آثار البصمات.
2- قرينة آثار بقع الدم.
3- قرينة آثار بقع المني.
4- قرينة آثار الروائح.
أولًا: قرينة آثار البصمات:
البصمة: هي تلك الخطوط والنتوءات البارزة وما يصيبها من قنوات صغيرة تشكل معًا أشكالًا خاصة توجد في أصابع اليدين والقدمين وراحة اليدين وباطن القدمين.
وتترك آثارًا عند ملامستها السطوح المصقولة. ويرجع تاريخ البصمات إلى ما قبل 1000عام.
وأول من استخدم البصمات في التحقيقات الجنائية: الصينيون، ولم تكن في ذلك الوقت مبنية على دراسة علمية وفي عام 1858م تعددت الدراسات والبحوث في علم البصمات وتطورت على مرور الزمن حتى ظهرت للوجود وأثبتت نجاحًا باهرًا في مجال التحقيق الجنائي.
ويعثر على وجود البصمات غالبًا على الأشياء التي لامسها الجاني بيده أو قدمه كزجاج النافذة، أو مقبض الباب، أو الدولاب، أو الخزانة التي فتحها، أو على الآلات التي كان يحملها وتركها في موقع الحادث.
وتحتاج معرفتها إلى خبراء متخصصين لمعاينة مكان الجريمة لرفع آثار البصمات ويؤخذ في الاعتبار اختلاف هذه الآثار من حيث الوضوح وعدمه.
ويتم إظهار البصمات الخفية بإحدى طرق ثلاث:
أ- بواسطة المساحيق لها قدرة على الالتصاق على موضع الفحص إذا كان مستويًا لا نتوءات فيه.
ب- الأشعة فوق البنفسجية، إذا كان السطح ذا ألوان بعد رشه بمادة تلتصق بمادة الأثر وتظهر خطوطه ويتم تصويرها بعد ذلك.
ج- الطرق الكيميائية. خاصة إذا مضى على البصمات زمن طويل وغالبًا تكون للأسطح نصف مسامية كالورق، والمستندات وقد أثبتت الدراسات بصمتين لشخصين مختلفين.


]أهمية آثار البصمات]
1- الكشف عن سوابق المتهمين في حال عودة المتهم إلى الإجرام.
2- إثبات شخصية الطفل بعد الولادة عن طريق بصمات قدمه اليمنى حيث تسجل على نموذج خاص يسلم للوالدين تلافيًا لخطأ اختلاط المواليد.


(الخطوات التي يتبعها المحقق لتقديم هذه القرينة للقضاء)
1- استخراج العلامات المميزة للبصمة المنقولة من مكان الحادث وإعطاء كل علامة رقمًا يخصها
2- تطبق العلامات المميزة على بصمة المتهم، فإن تطابقت 12 علامة مميزة من حيث الشكل والموقع في البصمتين يمكن القول بأنهما لشخص واحد وهذا يحتاج إلى تكبير حجم البصمتين خمس مرات.
3- يقوم الخبير بعمل تقرير واف يضمنه رأيه مع ذكر الأسباب التي اعتمد عليها.
وللمحكمة الحق في استدعائه لمناقشة تقريره في الجلسة.
* لقد أصبحت البصمات دليلًا قويًا لا يحتمل الشك في إثبات الجريمة إذا توفرت الخبرة في التعامل معها فهي قرينة قاطعة في الإثبات أو النفي في حال التطابق أو عدمه.
ثانيًا/ القضاء بقرينة آثار بقع الدم
تعتبر البقع الدموية من أهم الآثار المادية التي يجدها المحقق في موضع الحادث، والتي يتعين عليه فحصها لتقديم معلومات تفيده في الكشف عن الجاني وهل هي من دمه أو دم المجني عليه.
وتفيد البقع الدموية في معرفة ما يلي:
1- معرفة مكان الجريمة.
2- الوضع الذي كان عليه المصاب وقت إصابته.
3- تحديد اتجاه سير المصاب.
4- المسافة بين الجاني والمجني عليه.
وتعتبر البقعة الدموية قرينة قوية ضد المتهم: إذا وجدت البقعة الدموية المطابقة لفضيلة المجني عليه على المتهم أو ما يتعلق به. وكذا بواسطة تحليل بروتين بلازما الدم للبقعة الدموية ودم المجني عليه لأن التشابه في هذا النوع قليل جدًا، وفي حال عدم توفر ذلك فإنها تكون قرينة قاطعة على نفي التهمة إذا كان اتهامه بوجود البقعة على جسمه أو ما يتعلق به. وكذا تكون قاطعة في النفي والإثبات بواسطة بصمة الحمض النووي المسماة DNA.


من وسائل الإثبات الحديث
1- أنها قرينة نفي وإثبات بخلاف فصائل الدم فهي وسيلة نفي فقط.
2- يمكن تطبيقها على كافة التلوثات الدموية –السائلة- والجافة، والقديمة. حيث ثبت أن هذا الحمض يقاوم الظروف الجوية المختلفة.
3- تظهر آثارها بواسطة خطوط بواسطة خطوط يسهل قراءتها وتخزينها في الحاسب الآلي.
4- بصمة الحمض النووي هي أصل كل العلامات الوراثية، ومتى حصل أي خلل في الحمض النووي فإنه يظهر على صورة مرض.
ومما يدل على الاستدلال بالدم في التعرف على القاتل قول النبي –صلى الله عليه وسلم- لمن ادعيا قتل أبي جهل (هل مسحتما سيفيكما قالا لا) فنظر في السيفين ثم قال: كلاكما قتله، وهذا فيه توجيه ضمني إلى الاستفادة من بقع الدم في التحقيق الجنائي.
ثالثًا: القضاء بقرينة آثار المني في إثبات الزنا:
إذا لم يثبت الزنا بالإقرار أو الشهادة وقويت الشبهة في حصوله فمن القرائن المعاصرة تحليل الآثار المنوية على اللباس أو البدن، وتحديد فصيلتها فإذا ثبتت مطابقتها بفصيلة المتهم كانت قرينة في إثبات حصول الزنا منه.
قد يتفق بعض الأشخاص في فصيلة الحيوان المنوي مما يجعل الاحتمال يتطرق إلى نتائج الفحص المخبري مما يضعف الأخذ بهذه القرينة في إثبات جريمة الزنا.
أما في حال نفي التهمة فيكون التحليل المنوي قرينة قوية على براءة المتهم مما نسب إليه.
لذلك فإنه يمكن التأكد من ثبوت التهمة بطريق بصمة الحمض النووي للمني. وفي حالة توافق بصمة الحمض النووي للتلوثات المنوية مع بصمة الحمض النووي لمني المتهم فهذا مما يؤكد إدانة المتهم. فإن بصمة الحمض النووي أقوى نفيًا وإثباتًا من الفصائل الأخرى كما تقدم.
وقد ذكر ابن القيم (الطرق الحكمية ص48) قصة طريفة حصلت في عهد عمر بن الخطاب حين ادعت امرأة أن شبابًا اغتصبها ووضعت على ثوبها وفخذيها بياض البيض، وبعد معاينة النساء لها همَّ عمر – بعقوبة الشاب إلا أن الشاب طلب من -عمر التثبت من أمره وأقسم انه لم يرتكب الفاحشة فسأل عمر
عليًا (سلام الله عليه) في أمرهما فنظر علي (سلام الله عليه) إلى ما في الثوب فدعاء بما ء حار فصب عليه فجمد البيض ثم شمه فعرفه، فشدد عمر -رضي الله عنه- على المرأة حتى اعترفت.
رابعًا: القضاء بآثار الروائح في إثبات الجريمة:
أ- بطريق استخدام الكلاب المعلمة.
ب- عن طريق التحاليل المخبرية.
الأول: مجالات استخدام الكلاب في الإثبات الجنائي وحجيته.
يستخدم الكلب البوليسي في الإجراءات الوقائية من الجريمة وكشف الجريمة والتعرف على مرتكبيها وذلك بالطرق التالية:
أ- تتبع الآثار:بحيث يقوم الكلب بتتبع آثار الرائحة لأثر معين واستبعاد ما عداها من الروائح، وعلى المدرب أن يلاحظ ردود الفعل من الكلب عند قيامه بالتتبع.
ب- تزويد دوريات الشرطة بالكلاب البوليسية أثناء الليل في المناطق التجارية وأطراف المدن.
ج- تدريب الكلاب على تفتيش الأماكن و الأشخاص في المطارات خاصة للبحث عن المخدرات وأنواعها لما للكلاب من حاسة شم قوية لا تقارن بحاسة البشر.
د- كشف المفرقعات وأنواع المتفجرات بعد تعرف الكلب عليها حيث يقوم بإرشاد رجال الأمن إلى أماكن وجودها.
*مع ما للكلاب من قدرة على التتبع والكشف إلا أنه لا يعتمد عليها اعتمادًا كاملًا في إدانة المتهم أو تبرئته، فالدليل الذي يقدمه الكلب يعد قرينة ضعيفة بسبب أن العنصر الأساس الذي يعتمد عليه الكلاب هو الرائحة، وقد تتشابه هذه الرائحة بسبب مأكول أو مشروب، وقد يقوم الجاني بتضليل الكلب باستخدام روائح عطرية نفاذة، ثم إن الروائح لها صفة الانتقال من شخص لآخر فقد تشم رائحة التدخين من شخص لا يدخن بسبب المجالسة، والكلاب تتأثر قدرتها بالآثار الطارئة عليها من تعب وجوع وعطش. مما يؤكد ضعف هذه القرينة والقاضي لا يحكم إلا بقرينة قاطعة مقنعة لا بالظن والتخمين وهذا لا يمنع الاستعانة بالكلاب في الوصول إلى الحقيقة.

رابعًا: القضاء بقرينة التصوير والتسجيل:
أ- يتم التصوير إما بالأشعة غير المرئية، أو باستخدام التصوير الضوئي أو بغير ذلك بحثًا عن الدليل الجنائي كتصوير البصمات، وآثار الأقدام وآثار الإطارات للمضاهاة.
وكذا يستخدم التصوير في فحص المستندات المزورة، والخطابات المقفلة –وتصوير الطرود
المشتملة على المفرقعات. وكذا التصوير المتحرك عن طريق الإخراج التلفزيوني.
س/ لو ادعى شخص على آخر بجريمة سرقة وليس لدى المدعي إلا صورة أخذها وقت قيام المتهم بالسرقة، أو أتهم شخص باغتصاب امرأة وليس لدى المدعي إلا صور.
فهل يحكم على المتهم بموجب تلك القرينة؟.
ج/ الصور الفوتغرافية على ارتكاب جريمة (ما) دلالة ضعيفة لا يعتمد عليها في إثبات الجريمة لعدة أمور منها:
1- احتمال التركيب بين الصور لمكانين مختلفين بطريق الدبلجة.
2- التشابه بين صور الأشخاص أحيانًا إذا لم يوجد علاقة خارقة.
3- القدرة على الرسم بما يشبه الصورة.
ولكن متى ما رأى القاضي ترجيح جانب الصورة في الإثبات لعدة مرجحات فله العمل بها وإن أمكن تعزيزها بغيرها فهو أولى، فالأمر راجع إلى ما يتمتع به القاضي من فطنة وذكاء.
وكذا في حال التصوير في قضايا الحوادث المرورية.
أما التصوير بكميرات الفديو: (الصوت والصورة) في إثبات الخطأ في الحوادث المرورية فإنه أولى بالاعتبار من الأدلة المادية الأخرى.
(ب)- تعد عملية تسجيل المحادثات الهاتفية من الأدلة الحديثة المستخدمة في الإثبات أو النفي. فإن كان استعماله من قبل سلطة التحقيق لجمع المعلومات عن المتهم فذلك جائز لأن في مصلحة التحقيق.
أما إن كان من غير جهة التحقيق فإن كان مكان عام كالمحاضرات والندوات فلا بأس باعتبار الإذن العام. أما إن كان في مكان خاص لا يسمح فيه التسجيل فلا يجوز لأنه من باب التجسس المنهي عنه.
(ج)- الدليل المستحدث من التسجيل الصوتي يعد قرينة ضعيفة لإدانة المتهم بموجبها، لوجود التشابه في الأصوات وإمكانية تقليدها وإحداث تغيير فيها بحذف أو تقديم وتأخير وهذا خلاف مقاصد الشرع فلا يعتمد عليه في مجال الإثبات والنفي، ويمكن الاستعانة به لتقوية التهمة.
وأحكام الشرع تبنى على أمور ثابتة لا تحتمل الخطأ حفاظًا على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم.
ويمكن للقاضي الاستفادة من هذه القرينة عند الحاجة إليها متى وجد إلى ذلك سبيلًا خاصة في القضايا التي يقوى فيها جانب التسجيل الصوتي ومنها: المجالات الجنائية المتعلقة بكشف الجريمة وتشخيص مرتكبيها.


من قرارات مجمع الفقه الإسلامي
1/ في إثبات النسب بالبصمة الوراثية:
(يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
أ- حالات التنازع على مجهول النسب.
ب- حالات الاشتباه في المواليد والمستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال وأطفال الأنابيب.
ج- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث والكوارث وحالات عدم التعرف على الهوية أو القبيلة.
2/ في نفي النسب، وحكمها مع اللعان:
لا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply