بسم الله الرحمن الرحيم
- التعريف بالإضراب:
هو امتناع الإنسان عن تناول الطعام وإعراضه عنه، بقصد الضغط على غيره، حتى يحقق له هدفاً معيناً.
ومثل ذلك - إجمالاً - الامتناع عن شرب الماء، أو غيره من السوائل التي يحتاج إليها جسم الإنسان.
وكذلك الامتناع عن تناول العلاج الذي يكون - بإذن الله - تعالى - سبباً في تسريع الشفاء أو إزالة المرض.
حالاته وبعض صوره:
قد يقع الإضراب عن الطعام من الأبناء، للضغط على آبائهم من أجل تحقيق هدف مادي أو عاطفي أو اجتماعي.
وقد يقع الإضراب عن الطعام من الزوجة، حتى يتحقق لها من زوجها ما تريد.
وقد يقع من الأم مع أبنائها.
وربما لا تستمر طويلاً هذه الأنواع من الإضراب عن الطعام.
ومن الوقائع التي تذكر في هذا المقام، ما رواه أبو يعلى والطبراني وغيرهما. أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: \" كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت، قالت لي: يا سعد.. لتتركن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعيرك العرب فتقول: يا قاتل أمه، فقلت لها: يا أمي لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء أبداً، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً آخر وليلة، وقد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك، قلت: والله يا أمي لو كان لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت إصراري على ذلك أكلت. فأنزل الله - تعالى -: \" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.. \" لقمان: 15\".
أما النوع الأهم الذي نحن بصدد بحثه وبيان حكمه وآثاره، والذي قد يستمر أمداً طويلاً، فهو إضراب السجناء ونحوهم عن الطعام من أجل تحسين ظروف حبسهم، أو الإفراج عنهم، أو نحو ذلك من الأهداف المعيشية أو السياسية أو الفكرية.
وهذا النوع الأخير هو أمر مستحدث، انتقل إلى المجتمعات الإسلامية من بلاد الغرب، وما كان المسلمون يلتفتون إليه ويعملون به في العصور الإسلامية السابقة، وقد وجد له مسلكاً إلى قلوب بعض المسلمين بحجة الدوافع النبيلة والأهداف السامية، التي ستتحقق من ورائه، فكان من الضروري الكلام عنه وبيان حكمه وموقف الإسلام منه.
حكم الإضراب عن الطعام:
لم ينص العلماء السابقون على حكم الإضراب بذاته، لكنه يمكن أن يخرج ويعرف في ضوء العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وما نص عليه العلماء الأجلاء في الحالات المشابهة من بعض الوجوه، لما نحن بصدده، ومن ذلك ما يلي:
1 - قول الله - تعالى -: \" ولا تقتلوا أنفسكم\" النساء: 29، ومن المعلوم أن تجويع النفس بالإضراب عن الطعام يفضي إلى قتلها بغير حق، وذلك حرام للنهي عنه في هذه الآية.
2 - قول الله - تعالى -: \" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة \"البقرة: 195، والإضراب عن الطعام فيه تعريض النفس للتهلكة ولو بعد حين، وهو منهي عنه بنص الآية.
3 - قول الله - تعالى -: \" إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير.. \"، ثم قوله - تعالى -: \" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه\" البقرة: 173، وقد أجمع العلماء على ضوء هذه الآية التي ترخص للمضطر الأكل من الميتة ومن لحم الخنزير استبقاء لنفسه وحياته، على أن عمل الإنسان على استحياء نفسه وإنقاذها من الهلاك فرض واجب ما استطاع لذلك سبيلا، سواء أكان ذلك بإزالة سبب التلف كالجوع والعطش، أم بعدم إماتتها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما هو معروف من صور الانتحار المتعددة، التي روى مسلم في صحيحه بعضاً منها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من تردى من جبل فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن تحسى سماً فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن وجأ بطنه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا \".
4 - الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال في الصوم، وجاء في رواية للإمام مالك في الموطأ: \" إياكم والوصال \" ثلاث مرات.
والوصال.. متابعة الصيام بحيث يمتد إلى وقت السحر، أو أكثر من ذلك يومين أو ثلاثة، من دون طعام أو شراب.
والسبب في النهي عن هذا الصوم - مع أن الصوم عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه - دفع المشقة والضعف عن الإنسان، فربما أدى به ذلك إلى تعذيب نفسه وإيذائها، وليس هذا مما يقصده الشرع، وإذا كان الأمر كذلك في صوم الوصال، فإن الإضراب عن الطعام ممنوع من باب أولى، لما فيه من مشقة وضعف، بل إن مآله إلى الموت انتحاراً.
5 - الحديث الذي رواه الشيخان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" لا صام من صام الأبد \" وفي هذا نهي عن صوم الدهر لإضعافه الجسم غالباً - كما يقول العلماء - مع أنه يصاحبه إفطار وسحور في كل يوم، فكيف بالإضراب عن الطعام والامتناع عنه أياماً وربما أسابيع!
6 - مجموعة من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى الرفق بالنفس وتغذيتها وإعطائها حقوقها الفطرية، وتنهى عن إرهاقها وإنهاكها بالتجويع أو تقليل الطعام، مخافة أن تضعف عن القيام بالواجبات الدينية والاجتماعية، لأن المشروع في حقها أن تتقوى وتنهض لأداء حقوق الله - تعالى -وحقوق الناس، وتسهم في بناء المجتمع وتنميته.
ومن هذه الآيات قول الله - تعالى - في صيام رمضان: \" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل \" البقرة: 187.
ومنها قوله أيضاً: \" ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر \" البقرة: 185.
ومن الأحاديث ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: إنه أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه\".
ومنها حديث الشيخين: \" ليس من البر الصيام في السفر\".
ومنها حديث أحمد وابن ماجه: \" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة بعرفات\" أي للحجاج لئلا يضعفوا عن التعبد في هذا اليوم.
ومنها حديث الإمام أحمد: \" لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور\".
ومنها حديث الترمذي: \" إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر الصوم، وعن الحبلى والمرضع\".
- وهكذا يتضح من الأدلة السابقة أنه لا يشرع للمسلم إضعاف جسمه بالجوع والعطش وتعريضه لأخطار إنهاء الحياة، بل ينبغي عليه اتخاذ الأسباب التي تبعده عن ذلك، وتحقق له الصحة والسلامة، ليقوم بالدور المناط به في هذه الحياة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
جيد
17:24:18 2022-05-28