بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
- إذا كانت المرأة تتزين بهذه الزينة أمام زوجها أو أخواتها مثلا وليس في نيتها أي تقليد للغرب، وأنا اعلم أن الصحابة في زمن الرسول كانوا يأتون بالأقمشة التي تصنع في بلاد الروم مثلا وأن الرسول حارب الروم وهو يرتدى حله رومية فهل هذا تقليدا لهم في ملابسهم
عذرا للإطالة ولكنها بعض الأسئلة التي أجدها في نفسي أو من صديقاتي وأود أن أعرف حكمها
جزاكم الله عنا خير الجزاء ووفقنا وإياكم إلى خير ما يحب ويرضى.
الجواب:
لا يُشترط في التقليد أو التشبّه بالكفار وجود النية في ذلك.
بل متى وُجِدت المشابهة تعيّن النهي.
ألا ترين أيتها الكريمة إلى نهي الله - عز وجل - لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم أن يتشبّهوا باليهود والمنافقين ولو بكلمة واحدة، مع علمنا ويقيننا أن الصحابة - رضي الله عنهم - لا يُمكن أن يخطر ببالهم ما تقصده اليهود من تلك الكلمة.
قال الله - عز وجل -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرنَا وَاسمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
وليس في هذا فحسب بل حتى في العبادة نُهينا عن التشبّه بالكفار، وإن اختلفت المقاصد
فالكافر الذي يُصلي عند طلوع الشمس يركع ويسجد للشمس، ويُشاركه الشيطان هذه العبادة، وهو يتجه للشمس ويقع في الكفر.
والمسلم نُهي عن الصلاة في هذا الوقت، مع اختلاف المقاصد وتباينها
فالمسلم يُصلي لله، ويريد وجه الله، وربما لا يخطر بباله طلوع الشمس وان هناك من يُصلي لها ولا أن الشيطان يطلع معها ليجعل له نصيبا من سجود الكفار.
ومع ذلك يُنهى المسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس
قال - عليه الصلاة والسلام - لعمرو بن عبسة السلمي: صَلّ صَلاَةَ الصّبحِ ثُمّ أَقصِر عَنِ الصّلاَةِ حَتّىَ تَطلُعَ الشّمسُ حَتّىَ تَرتَفِعِ، فَإِنّهَا تَطلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَينَ قَرنَي شَيطَانٍ,، وَحِينَئِذٍ, يَسجُدُ لَهَا الكُفّارُ، ثُمّ صَلّ فَإِنّ الصّلاَةَ مَشهُودَةٌ مَحضُورَةٌ، حَتّىَ يَستَقِلّ الظّلّ بِالرّمحِ ثُمّ أَقصِر عَنِ الصّلاَةِ، فَإِنّ حِينَئِذٍ, تُسجَرُ جَهَنّمُ، فَإِذَا أَقبَلَ الفَيءُ فَصَلّ فَإِنّ الصّلاَةَ مَشهُودَةٌ مَحضُورَةٌ حَتّىَ تُصَلّيَ العَصرَ، ثُمّ أَقصِر عَنِ الصّلاَةِ، حَتّى تَغرُبَ الشّمسُ فَإِنّهَا تَغرُبُ بَينَ قَرنَي شَيطَانٍ,، وَحِينَئِذٍ, يَسجُدُ لَهَا الكُفّارُ...الحديث.رواه مسلم.
بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتغيير الشيب الذي لا يَـد للإنسان فيه أصلا، بل هو من خلق الله لما في ذلك من مُشابهة اليهود
فالمسلم الذي يشيب ليس هذا من عمله بل لا يرغب فيه! ثم يؤمر بمخالفة الكفار فيه
قال - عليه الصلاة والسلام -: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. رواه البخاري ومسلم.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه.
يعني مُخالفة لهم حتى في فرق الشَّعر، بدليل أنه - عليه الصلاة والسلام - لما كان في المدينة واليهود يُجاورنه فيها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر أصحابه بمخالفة اليهود.
ومن ذلك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله - تعالى -: (وَيَسأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطهُرنَ فَإِذَا تَطَهَّرنَ فَأتُوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبٌّ المُتَطَهِّرِينَ)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! رواه مسلم.
وخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في صوم يوم عاشوراء.
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم.
وهذا يعني أنه - عليه الصلاة والسلام - كان حريصا على مُخالفة اليهود والنصارى حتى في العبادة المحضة والطاعة والقُربة، فلهذا يُسنّ لمن أراد صيام عاشوراء أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده مُخالفة لليهود.
والأدلة على مخالفة اليهود والنصارى كثيرة بل كثيرة جدا.
ومن هذه الأدلة يتبين أن المشابهة أو التقليد لا يُشترط فيها وجود القصد والنية. بل مخالفة أهل الكتاب من لوازم (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)
ألست تقرئين بعد ذلك: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ) فمن هم هؤلاء؟
هم اليهود والنصارى كما فسّره النبي - صلى الله عليه وسلم -.
كما أن الأخت السائلة أشارت إلى مسألة لبس أو استعمال ما صُنِع في بلاد الكفار أو بأيديهم
وأقول: فرق حفظك الله بين ما صُنع بأيديهم أو في بلادهم وبين ما كان من خصائص لباسهم، وما كان من زِيِّهم.
فالأول مباح، والثاني ممنوع.
ألا ترين إلى ركوب السيارة وهي قد صُنعت في بلادهم ويجوز ركوبها
وفرق بينه وبين ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ركوب المياثر، كما في الصحيحين.
والنهي فيها لأنها من زِيّ الكفار، كما قال ابن حجر - رحمه الله -.
وأحب التنبيه على أمر مهم
وهو أنه لا تقع المشابهة في الظاهر إلا نتيجة إعجاب في الباطن.
ولذا قال ابن مسعود: إذا شابَه الزيّ الزيّ شابَهَ القلب القلب.
يعني المشابهة في الظاهر تورث المشابهة والمشاكلة في الباطن.
وقاعدة:
لا يقع التشبّه إلا من ضعيف.
لأن القوي لا يُمكن أن يتشبه بالضعيف
والتشبّه لا يقع إلا من صغير صغُرت نفسه عنده
فالصغير مولع بالتشبه بالكبار
والله - تعالى -أعلى وأعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد