الصحافة ... والكيل بمكيالين ، والوزن بميزانين


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما تختل الموازين، و تنقلب القيم، وتنتكس الفِـطَـر، وتتغيّر المفاهيم

وعندما يَـقِـلّ العدل أو ينعدم القسطاس المستقيم

فتكتسي نفوس بثوب الجَـور، وتتّـزر أُخَـر بإزار الظٌّـلم، وترتدي رداء الحَـيـف، وتتحلّى بِـحُـلية القوم البُـهـت

فعندها لا تَـسَـل عن العدل في الأقوال فضلا عن العدل في الأفعال

وحينها تُعبأ عقول أقوام بما يُمليه أقوام يحيفُون في حُـكمهم

ويشتطٌّون بعيدا بآرائهم، ويقذفون قذفـاً مُريعـاً بثمر أقلامهم

ذلك الثمر الذي كأنه ثمر الصبّار، إن لُـمِـس اشتاك لامِسُه، وإن نُـظِـر ما سـرّ ناظِره

 

عندما يكيل أقوام بمكيالين، ويَزِنُون بميزانين

فإنهم ولا شك داخلون تحت صنف (المطففين) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالُهم أو وزنوهم يُخسرون.

والتطفيف أعـمّ من أن يكون في مكيل وموزون فحسب

قال سلمان - رضي الله عنه -: الصلاة مكيال من أوفى أوفِيَ به، ومن طفّفَ فقد علمتم ما للمطففين.

ولما انصرف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من صلاة العصر لقي رجلا لم يشهد العصر، فقال عمر: ما حبسك عن صلاة العصر؟ فذكر له عذراً، فقال عمر: طَفّفتَ.

 

فكما يكون التطفيف في الكيل والميزان فإنه يكون في سائر الأعمال والأقوال.

قال الإمام مالك: يقال لكل شيء وفاء وتطفيف.

 

ولعلي أستعرض بعض الصور التي يقع فيها التطفيف مما نُشاهده ونُعايشه.

 

عندما يتكلّم خطيب عن منكر ظاهـر، فربما ذكر جهات أو أشخاص، فإن أعمدة الصحافة ترميه عن قوس واحدة:

= ما بالُـه يُشهّـر بالناس!!

= أين ذلك الخطيب من منهجه - صلى الله عليه وسلم - حينما يقول: ما بالُ أقـوام!!

 

وهم يقينا لا يقصدون الإقتداء ولا التأسي بدليل انقلاب الموازين لديهم كما سيأتي.

 

وعندما يقع الخطأ من كاتب فيُناصح سـراً أو جهـارا

فإنه سيُواجه بسهم آخر:

كونوا عونا لأخيكم على الشيطان، ولا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم!

 

وعندما يُخطئ صحفي مُصحِّـف، أو كويتب مُلمّع يحمل شهادة الخامس الابتدائي!! أو السادس على أكثر تقدير!!!

فيأتي من يرد عليه

فإنه واجدٌ – ولا بُـدّ – صخرات في طريقه

تُهوّن خطأ ذلك الكاتب وأنه ما أتى بعظيم!! والمسألة قابلة للنقاش!! أو المسألة اجتهادية!! واختلف فيها العلماء!!

 

وعندما يقع خلل في أي قطاع من القطاعات، فإن لم يكن له صلة بالدين والمتدينين فإن خطأه مُغتفر، وخلله يسير!!

 

ولو كان الأمر يتعلق بأرواح الناس وأمنهم، فإنه أمر يهون! ويُمكن مُعالجته.

 

ولكن:

دعونا نرى الكفّـة الأخرى للميزان

ونُبصر بعين البصيرة الطريقة الثانية في الكَيل

 

ماذا لو أخطأ خطيب ما في خُطبته، كأن يلحن فيها أو يأتي فيها بأقوال شاذّة، أو يُخالف فيها الفتوى، أو يخطب خطبة واحدة!

فإنه يستحيل أن تصدر صحف يوم السبت دون أن تتناوله ولو أمكن لتناولته بالصوت والصورة!

ولن تأتي الحِكمة!

بل سيغيب منهج (ما بالُ أقوام)!

وسيختفي ما ردّدوه: (كونوا عونا لأخيكم على الشيطان، ولا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم!)

وسيظهر ذلك الفعل بثوب النّصح!

ولن يكون فيه شُبهة تشهير!

 

بل لا بُـدّ من تبيين الأمر للناس!!

ولا بُـدّ أن يفهم الناس الصواب من الخطأ!!

 

وعندما يجتهد رجل الحسبة في أمـر قابل للاجتهاد فإنه يوضع عند رأسه عَـلَـم!

ويُطوّف به في آفاق الصحف!

انظروا إلى هذا الجاهل الذي لا يفهم!

ومن ثم تُلصق به تـُـهمٌ هو من براء

هاهو يأمر الناس وينسى نفسه!

هاهو يقول، ويُخالِف قوله فعله!

هاهو يأمر نساء الناس ونساؤه متبرّجات!

بل ربما رُميَ بالفسق والفجور – عياذا بالله –

 

كل هذا جائز عند انقلاب الموازين

وداخل تحت باب: التحذير من الأخطاء

وواقع تحت مظلّة: حُريّة الكلمة!

 

وإذا ردّ غيور على هذا الهراء

فإن ردّه لن يُنشر، وإن،شر ففي خبايا الزوايا، بعد أن تُجرى له عمليات استئصال!!!

وربما كانت عمليات استئصال لِقَلبِ وكبد المقال!! فماذا بقي منه؟؟؟!

 

لقد رأينا شراسة الهَجمة على الهيئات عموماً، وعلى رئاسة تعليم البنات خصوصاً عندما وقع حريق بمدرسة واحدة (لا تهويناً من شأن الأرواح)

بل كيف كانت الهجمة شرسة حتى تكاد الصحيفة تقطر دَمـاً، أو تتساقط منها نيوب الذئاب!!!

 

لقد مات مبدأ (ما بالُ أقوام)

وكُفّنت قاعدة (عدم التشهير)

 

لأن الأمر يُوافق أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضَلٌّوا عبر صُحفهم!! التي هي تكايا لأنواع الزواحف والذئاب – كما قال الشاعر –!!

وعندما طالب الغيورون بما فيه مصالح أمتهم عامة ومجتمعهم خاصة

خرج علينا من يُدندن بما لا طائل تحته

 

دعونا الآن نهتم بأمر فلسطين

 

وهو لم يعرف فلسطين قبل اليوم

إنما كان يغرف الفِلسَ من الوَحل والطين

حينما كان يُتاجر بالمبادئ، ويأكل (العيش) بالمتاجرة بالغرائز!

والإعلانات بأجساد الفتيات على صحف سوّدوها بأفعالهم

 

وحينما اهتم الناس بقضية الساعة، واتجهت الأنظار إلى مشرق الدنيا

صاح: يا قوم! أين أنتم من قضية فلسطين؟؟

 

بل قال بعضهم: كيف يذهب من يذهب إلى أفغانستان أو غيرها، ويتركون فلسطين؟!!

وهو ما رفع بقضية فلسطين رأسا أصلاً!

ولكنها محاولات صرف الأنظار عن كل قضية ساخنة بقضية أخرى.

ولما قيل ذلك للشيخ المجاهد عبد الله عزام - رحمه الله -–

رد عليهم شاعر من شعراء الإسلام:

أجبهم يا رعاك الله: أن كابول == في شرعنا أخت القدس لو عقلوا

 

وهذا الصائح له في صياحه ذلك قدوة وأسوة، فسوف يصيح أستاذه بالمؤمنين يوماً مـا!

فقد ثبت في صحيح مسلم ضمن حديث طويل عنه - عليه الصلاة والسلام -: فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علّقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج.

 

أذكر أن مُغنيّاً غنى بكلمات أقل أحوالها أنها مشتبهة، فأفتى فيه بعض العلماء بما تبيّن له آنذاك، وحسبما أدّاه إليه اجتهاده

فرفعت بعض الصحف عقيرتها، ودعت بالويل والثبور لذلك العالِم! المتسرع في فتواه، المتشدد فيها!

وأصبحت تلك الصحف درعاً واقياً وحصنا حصيناً لذلك المُطبِّـل التافـه!

بل رأينا مِن الكُتّاب مَن أصبح مُفتياً، ولو كان تخصصه (جغرافيا)!!!

ولكن تلك الصحف لم تقف يوماً من الأيام ولا أظنها تقف في يوم من الأيام لتُدافع عن عرض عالِم، أو تذب عن دين الله.

ولسان حالها بل لسان مقالِها: وللبيت ربُّ يحميه!

أليس للمغنّي ربٌ يحميه؟؟؟!!!!

 

ليتبيّن بذلك عـور موازينهم، وخلل مفاهيمهم، بل واختلال عقولهم

 

إن كانت الكُرة في مرماهم التمسوا لأنفسهم الأعذار! وتذاكروا أحاديث الرٌّخص! بل والأحاديث الموضوعة!

 

وإن كانت الكرة في مرمى خصومهم أصبحوا مُفتين وقُضاة!

فنشروا أعراضهم على الملأ بأي عذر وبأي حُـجّـة!

وجعلوهم تحت مشرحـة الصّحـافـــة!

 

فأي سخــافــة هذه يا قـــوم؟؟؟

 

وختاماً هذه وصيةٌ من ربّ العالمين: (وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربَى وَبِعَهدِ اللّهِ أَوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ).

 

وهذه أخرى

(إِنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ)

 

والعدل هو الإنصاف كما قال ابن جرير - رحمه الله -.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply