بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
تطور العلم في القرن العشرين الميلادي فقفز قفزات جبارة في شتى العلوم وكان لها تأثير كبير في تغيير مجريات الأحداث وأنماط الحياة ومن أبرز ما ظهر في هذا القرن ما يلي:
1 الثورة الذرية: حيث تمت صناعة قنابل ذرية واستخدمت على اليابان في مدينتي هيروشيما ونجازاكي عام 1945 م، معلناً بذلك الانتقال من عصر الكهرباء والأسلحة التقليدية إلى عصر الذرة بكل مخاوفه وهواجسه وويلاته.
وتمتلك عدد من الدول قنابل ذرية تقدر قوتها بما يكفي لتدمير الأرض ست مرات.
2 ثورة الإلكترونيات:
حيث ظهر علم السيبرنطيقا Cybernetics وكان ظهوره بمثابة الأساس لتقنية الحاسوب (الكمبيوتر) فيما بعد، ومن ثم ثورة الانترنت Internet الذي أورث ثورة عارمة في المعلومات المختلفة في شتى الميادين بلا ضابط وتنشأ يوماً بعد يوم مئات المواقع وتدخل يومياً ملايين المعلومات المختلفة في شتى الميادين وبعدة لغات.
3 غزو الفضاء:
حيث تمكن الروس من إطلاق أول قمر صناعي (سبوتنيك 1) عام 1957 م، وتوالت بعدها المحاولات التي كان منها هبوط الإنسان على سطح القمر وإرسال مركبات للمريخ وزحل والكوكب الأخرى لدراسة أحوالها، وتم وضع أقمار صناعية حول الأرض لأغراض متعددة منها تسهيل الاتصالات والتجسس ونقل الأحداث من شتى بقاع العالم مباشرة.
4 الثورة البيوتكنولوجية (الحيوية):
واتخذت عدة أشكال أشهرها:
1 زراعة الأعضاء: حيث تم عام 1967م أول عملية زرع قلب بشري وحظيت بالنجاح، ثم توسعت عمليات النقل والزرع حتى سجلت الكلى والبنكرياس والكبد والقلب والرئة معاً، وقد تطور الأمر في البلاد الإسلامية ليشمل إنشاء مراكز للتبرع بالأعضاء بعد الموت.
2 التلقيح الصناعي:
حيث نجحت أول عملية للإخصاب الصناعي عام 1978م وكانت ولادة أول طفلة سميت لويزا براون، ثم أنشئ بعدها بعامين بنك المني حيث يودع فيه مني الرجل وبييضات المرأة لأغراض مختلفة وتوالت بعدها التقنيات المستجدة كتأجير الأرحام والأم البديلة والتحكم في جنس الجنين وبنك العباقرة وغيره.
3 الهندسة الوراثية:
حيث تم الكشف عن الحمض الريبي النووي DNA ونال صاحبه جائزة نوبل عام 1962م ثم تم الكشف عن أنزيمات التحديد أو التقييد اللازمة لقص ذلك الحمض في مواقع محددة، وتدريجياً بدأ مصطلح هندسة وراثية Genetic Engineering يتداول بين الناس لتشكل تلك الهندسة في ذاتها ثورة من أخطر الثورات العلمية وهي ثورة حقيقية تعتمد على مادة الحياة وهي الخلية وبداخلها الجينات وهي ثورة تشارك فيها ثلاثة علوم أساسية هي علوم الوراثة والخلية والأجنة وتقوم على فكرة التحكم في الجهاز الوراثي للإنسان ومن ثم إمكانية برمجة الجنس البشري وفق تصميمات معدة سلفاً، وبذلك بدأ العلماء في تعديل أو العبث في أهم خصوصيات الإنسان وهي الشفرة الوراثية.
4 الاستنساخ:
حيث فوجئ العالم عام 1997 م باستنساخ النعجة (دوللي) على يد العالم إيان ويلمت وتوالت بعدها التجارب حتى أعلن في اكريكا عن استنساخ اثنين من القرود من خلايا جنينيه أعلن في أمريكا عن استنساخ اثنين من القرود من خلايا جنينية وأعلن في اليابان عن نجاح استنساخ ضفادع وقد وقف العالم ضد فكرة سريان الاستنساخ لعالم البشر حتى سمحت بريطانيا لاحقاً بإجراء التجارب تحت ضوابط معينة لأغراض خاصة(1).
فما هي حقيقة الاستنساخ وما هي آثاره ولماذا وقف العالم ضده؟ وما هو الموقف الشرعي منه؟ هذا ما سيكون الإجابة عليه في المباحث التالية:
المبحث الأول: حقيقة ا لاستنساخ:
الاستنساخ في اللغة بمعنى: النقل، يقال نسخت الكتاب نسخاً أي: نقلته من صورته المجردة إلى كتاب آخر، ويأتي أيضاً بمعنى الإزالة، يقال نسخت الشمس الظل أي: أزالته(2).
أما معناها في الاصطلاح فهو عبارة عن: زرع خلية إنسانية أو حيوانية جسدية تحتوي على المحتوى الوراثي كاملاً في رحم طبيعي أو صناعي وذلك بغرض إنتاج كائن حي (حيوان أو إنسان) صورة طبق الأصل من نظيره صاحب الخلية الأولى(3).
أقسامه:
ينقسم الاستنساخ إلى قسمين:
أ الاستنساخ الحيواني والنباتي.
ب الاستنساخ البشري وهو ثلاثة أنواع:
1 الاستنساخ الجنيني (الاستتآم)
وهو العمل على فصل خلايا بييضة ملقحة بخلية منوية بعد انقسامها إلى خليتين أو أكثر لتصبح كل خلية منها أيضاً صالحة للانقسام أيضاً بعد تهيئة ظروف نموها وانقسامها، وهكذا يتوالى الانقسام والفصل في كل خلية ثم تزرع بعض هذه الخلايا في رحم الأم، ويتم تبريد الباقي ليحتفظ به إلى وقت اللزوم.
2 الاستنساخ العضوي:
وهو العمل على استنساخ العضو الذي يحتاج إليه الإنسان في حياته حال حدوث عطب في هذا العضو.
3 الاستنساخ الخلوي (التنسيل)
وهو زرع خلية جسدية (تحتوي على 46 كروموزوم) مكان نواة منزوعة من بيضة ليتولى السيتوبلازم المحيط بالنواة الجديدة حثها على الانقسام والتنامي من طور إلى طور من أطوار الجنين الذي يكون بعد ولادته صورة مطابقة لصاحب تلك الخلية الجسمية من الناحية المظهرية(4).
كيف بدأ الاستنساخ؟
عندما نجح العلماء في معالجة البقرة (روزي) التي يمكنها إفراز حليب مقارب لحليب الأم البشرية بعد القيام بهندستها وراثياً هي وثمان بقرات أخر لإنتاج البروتين الآدمي ألفا لاكتالبومين Alpha-Human Lactalbumin، وقد كلفت عملية إنتاج (روزي) وحدها 4 ملايين دولار أمريكي.
فكر (ويلموت) و (كامبل) في الحفاظ على هذه الخاصية في البقرة حيث أنه إذا تم التزاوج الطبيعي بين (روزي) وذكر آخر فقد تفقد الجين الوراثي الذي تم تهجينها به أثناء عملية اندماج الخلية المنوية بالبييضة لتكوين النطفة، وبالتالي يضيع كل الجهد الذي بذله للوصول إلى هذا الاكتشاف، ومن هنا بدأ العالم (ويلموت) يفكر في إمكانية حل المشكلة عن طريق الاستنساخ الجسدي أي من خلال أخذ نواة خلية من ثدي روزي تحتوي على كل صفاتها الوراثيـة بما في ذلك الجنين الذي يضع بروتين (لاكتالبومين) وتفرزه في لبنها، ودمج هذه النواة مع بييضة نعجة أخرى بعد تفريغها من النواة التي تحمل كل صفاتها الوراثية، لكي يكون الناتج جنيناً يحمل كل الصفات الوراثية لروزي التي أخذت منها الخلية الجسدية، وهو مالا يمكن أن نضمنه لو تم تلقيح بييضة روزي التي تحمل نصف صفاتها الوراثية بخلية منوية من ذكر يحمل النصف الآخر وهكذا بدأت فكرة الاستنساخ(5).
المبحث الثاني: كيف تمت عملية الاستنساخ:
إن الاعتقاد الطبي السائد كان يقوم على فكرة حصر عملية التكاثر عن طريق الخلايا الجنسية فقط إلا أن تقنية الاستنساخ صححت هذه الفكرة:
وقد تمت العملية على النحو التالي:
1 تم أخذ خلية لبنية من ضرع النعجة (أ) وعمرها ست سنوات ووضعت في المعمل لتنميتها ووضعت في وسط حامضي يحتوي على نسب قليلة من المواد اللازمة لنموها لمدة خمسة أيام وبذلك تخرج الخلية من طور النمو إلى طور الراحة والتجويع.
2 تم سحب بييضة من مبيض النعجة (ب) بواسطة إبرة خاصة، ثم تفريغها من نواتها ووضعها في سائل كيميائي لإبطاء حركة نموها.
3 تم حقن خلية ثدي النعجة (أ) في البييضة المفرغة للنعجة (ب) ثم تسليط كهربائي ضعيف عليها لإتمام عملية الالتحام والاندماج، حيث تقوم الجزيئات في البييضة عندئذ ببرمجة الجينات في الخلية الثديية لإنتاج الخلية الأولية للجنين.
4 تم وضع هذه الخلية المندمجة في محلول كيميائي لتنميتها.
5 عند بلوغها مرحلة معينة من النمو والانقسام إلى خلايا متعددة تم نقلها إلى رحم النعجة (ج) لاحتضانها.
6 بعد 160 يوماً تم ولادة النعجة التي سميت دوللي وعند تحليلها كروموزمياً ثبت أنها صورة طبق الأصل من النعجة (أ) التي أخذ منها الخلية الأصلية وليس من النعجة (ب) التي أعطت البييضة أو النعجة (ج) التي احتضنت البييضة طوال فترة الحمل(6).
وفي 24 شباط 1997م أعلن الدكتور (أيان ويلموث) وفريقه عن استنساخ
شاة استنساخاً جسديا وأسموها \" دوللي \" حيث أن هذه النعجة صارت أشهر نعجة في التاريخ حيث اشترك في وجودها (ثلاث أمهات) بدون أب الأولى أعطت الخلية المانحة للمورثات من ضرعها والثانية أعطت البييضة والثالثة حملت البييضة في رحمها حتى ولدت جنينيها الكامل وقد جاء هذا النجاح بعد 277 مرة وقد لوحظ ع
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد