للمسلمة ... غنائم مفقودة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال - صلى الله عليه وسلم -: \"عليكم بقيام الليل، فإنَّه تكفير للخطايا والذنوب، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة للداء عن الجسد\". (رواه الترمذي والحاكم).

 

ثمرات قيام الليل:

من ثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيل الطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعة الدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد.

 

فمن منَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد في تلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!

 

فيا ذات الحاجة:

ها هو الله - جل وعلا - ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة.. يقترب منا.. ويعرض علينا رحمته واستجابته.. وعطفه ومودته.. وينادينا نداء حنوناً مشفقاً: هل من مكروب فيفرج عنه.. فأين نحن من هذا العرض السخي!

 

قومي أيتها المكروبة.. في ثلث الليل الأخير.. وقولي: لبيك وسعديك.. أنا يا مولاي المكروبةُ وفرجك دوائي.. وأنا المهمومة وكشفك سنائي.. وأنا الفقيرة وعطاؤك غنائي.. وأنا الموجوعة وشفاؤك رجائي..

 

قومي.. وأحسني الوضوء.. ثم أقيمي ركعات خاشعة.. أظهري فيها لله ذلَّكِ واستكانتكِ له.. وأطلعيه على نية الخير والرجاء في قلبك.. فلا تدعي في سويدائه شوب إصرار.. ولا تبيتي فيه سوء نية.. ثم تضرَّعي وابتهلي إلى ربكِ شاكيةً إليه كربك.. راجيةً منه الفرج.. وتيقَّني أنكِ موعودة بالاستجابة.. فلا تعجلي ولا تَدَعي الإنابة.. فإنَّ الله قد وعدكِ إن دعوته أجابك، فقال - سبحانه -: (أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السٌّوءَ.. ) ثم وعدك أنَّه أقرب إليكِ في الثلث

الأخير، فتمَّ ذلك وعدان، والله - جل وعلا - لا يخلف الميعاد.

 

أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه *** ولا تدري ما صنع الدعاء

 

سهام الليل لا تخطيء *** ولكن لها أمـــد وللأمـــد انقضاء

 

قومي يا ذات الحاجة.. ولا تستكبري عن السؤال.. فقد دعاكِ مولاك إلى التعبد له بالدعاء فقال - سبحانه -: (وَاسأَلُوا اللّهَ مِن فَضلِهِ.. ).. وخير وقت تسألينه فيه هو ثلث الليل الأخير.

 

قومي.. ولا تيأسي مهما اشتدَّ اضطراركِ.. فربَّكِ قدير لا يعجزه شيء، وإنَّما أمره إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون.. وتذكري أنَّ الله - سبحانه - من جميل رحمته قد حرَّم عليكِ سوء الظن به، كما حرَّم عليكِ اليأس من رحمته، فقال - سبحانه -: (إِنَّهُ لاَ يَيأَسُ مِن رَّوحِ اللّهِ إِلاَّ القَومُ الكَافِرُونَ).

 

قومي.. وأحسني الظن بربكِ.. وتحنني إليه بجميل أوصافه.. وسعة رحمته.. وجميل عفوه.. وعظيم عطفه ورأفته.. فحاجتكِ ستقضى.. وكربكِ سيزول.. وليلك سيفجر.. فلا تيأسي واطلبي في محاريب القيام الفرج!

 

ويا صاحبة الذنب:

قد جاءتكِ فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامكِ كل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.

فعن أبي موسى بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها\" (رواه مسلم).

 

وقد تقدم في الحديث أنَّ الله - جل وعلا - ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا فيقول: \"من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له\" (رواه البخاري ومسلم).

 

ويد الله - سبحانه - مبسوطة للمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقت وبركة السحرº ولذلك مدح الله - جل وعلا - المستغفرين بالليل فقال - سبحانه -: {وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ.. }.

 

وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيه من المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوم والنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى - جل وعلا - إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيض على دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.

 

فيا من أسرفت على نفسها بالذنوب.. حتى ضاقت بها نفسها.. وشقّ عليها طلب العفو والغفرانº لما تراه من نفسها في نفسها من عظيم العيوب.. وكبائر السيئات.. قومي لربكِ في ركعتين خاشعتين.. فقد عرض عليكِ بهما الغفران.. فقال لك: \"من يستغفرني فأغفر له\".

 

قومي.. واهمسي في سجودكِ بخضوع وخشوع تقولي: \"أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك.. ربَّ اغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم\".

 

ويا صاحبة النعمة:

أقبلي على ربكِ بالليل وأديِّ حقّ الشكر له، فإنَّ قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظ النعمة وزيادتها؟!

 

تأمَّلي في رسول الله، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه، فقيل له: يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: \"أفلا أكون عبداً شكوراً\" (رواه البخاري).

 

ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّ قيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.. ومن منَّا لم ينعم الله عليه؟! فنعمه - سبحانه - تلوح في الآفاق.. وتظهر علينا في كل صغيرة وكبيرةº في رزقنا وعافيتنا وأولادنا وحياتنا بكلّ مفرداتها، وما خفي علينا أكثر وأكثر.. ولذلك فإنَّ حق شكرها واجب علينا لزاماً في كل وقت وحين، وأحقّ الناس بالزيادة في النعمة هم أهل الشكر..

وأنسب أوقات الشكر حينما يقترب المنعم وينزل إلى السماء الدنيا.. ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلل قيامه ويقول: \"أفلا أكون عبداً شكوراً\". أي: أفلا أشكر الله - عز وجل -.

 

فقومي ـ أختي ـ ليلك.. بنية ذكر الله.. ونية الاستغفار.. ونية الشكر.. تبسط لكِ النعم.. ويبارك لك في مالك وعافيتك وأهلك وولدك وبيتك وشأنك كله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply