مناظرة في الجهر والإسرار في صلاة الكسوف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جاءني شاب من طلبة الفقه النابهين، فقال: هل قرأت مجلة التوحيد عـدد رجب؟

** فقلت: خيراً، مـاذا فيها؟.

 

* قال: هل قرأت مقال الشيخ صفوت عن صلاة الكسوف؟

** قلت: نعم.

 

* قال: لقـد اختار الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، فخالف بذلك الإمـام أبا حنيفة ومالك والشافعي - رحمهم الله-.

** قلت: يا أخـي الكريم، ما اختاره الشيخ هو الصواب.

 

* قال: كيف ذلك؟

** قلت: الحق أن يجهر الإمام بالقراءة في صلاتي الكسوف والخسوف، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -  جهر بالقراءة في صلاة الكسوف كما ثبت في \" الصحيحين \". من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((صلي بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -  في كسوف الشمس وجهر بالقراءة فيها)) وهــذا قول:

1- علي ابن أبي طالب. 2- عبد الله بن يزيد الخطمي. 3- البراء بن عازب. 4- زيد بن أرقم..- رضي الله عنهم -.5- أحمد بن حنبل.6- إسحاق بن راهوية. 7- ابن المنذر. 8- أبي يوسف. 9- محمد بن الحسن. 10- داود.. - رحمهم الله - \" المجموع \" للنووي (5/58).

 

* قال صاحبي: لكن القول الثاني أقوي.

** قلت: أي قول تعني؟

 

* قال صاحبي: الإسرار في صلاة الكسوف، والجهر في صلاة الخسوف، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي - رحمهم الله -.

** قلت: لماذا؟

 

* قال صاحبي: لأن صلاة كسوف الشمس نهارية فينبغي أن تكون سراً كالصلوات النهارية، وصلاة خسوف القمر ليلية فينبغي أن تكون جهرا كالصلوات الليلية.

** قلت: كيف تعارض نصا ثابتا بتحليل عقلي، ألم تعلم أن النقل مقدم علي العقل؟ وها أنا ذكرت لك آنفـا الحديث الثابت في \" الصحيحين \" عن أم المؤمنين عائشة، - رضي الله عنها -، أن النبي صلي الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس.

 

* قال صاحبي: معـاذ الله أن أرد حديثا صحيحا برأي عقلي.

** قلت: إذا هل معك دليل من الكتاب أو السنة؟

 

* قال صاحبي: نعم، معي دليلان.

** قلت: ما همــا؟

 

* قال صاحبي: الدليل الأول:

ما رواة البخاري ومسلم في \" صحيحيهما \" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: ((انخسفت الشمس علي عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، فصلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -  فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع....... )). فلو كان النبي -صلى الله عليه وسلم -  جهر بالقراءة لأخبر ابن عباس بالسورة التي قرأ ولم يقدر ذلك بغيره.

** قلت: لا دلالة في هذا الحديث من ثلاثة وجوه.

 الأول: يحتمل أن ابن عباس كان في الصفوف الأخيرة، فلم يسمع قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وقد ثبت أن المسجد اكتظ بالناس من الزحام.

 الثاني: أن ابن عباس لم ينفي الجهر، فلم يقل: (لم يجهر)، وإنما قال: (نحوا من سورة البقرة)، فلعل النبي -صلى الله عليه وسلم -  قرأ من سورة أخري، فقدرها ابن عباس بسورة البقرة.

 الثالث: أن عائشة - رضي الله عنها -، معها زيادة علم، وهو إثبات الجهر، حيث صرحت بذلك، ومن علم حجة علي من لم يعلم، وهـذا أمر لابد منه جمعا بين الأحاديث.

 

* قال صاحبي: نعمº لقد سلمت لك بهذا، فهو جمع جيد، ولكن معي دليل صريح في إثبات الإسرار في صلاة الكسوف.

** قلت: حسنــا، نسمعه.

 

* قال صاحبي: ما رواة أحمد وأهل السنن الأربعة من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -  صلي في كسوف الشمس لا نسمع له صوتا. فهذا حديث صريح في إثبات الإسرار في صلاة الكسوف.

** قلت: نعمº هو حديث صريح في إثبات الحكم لو صح سنده، لكنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.

 

* قال صاحبي: كيف ذلك وقد رواة الحاكم وقال: صحيح علي شرط الشيخين.

** قلت: رحم الله الحاكم، فقد وهم في ذلك، فإنه قد رواه من طريق ثعلبة بن عباد العبدي، وثعلبة هذه لم يخرج له الشيخين ولا أحدهما، فكيف يكون علي شرطهما؟

 

* قال صاحبي: ومــا سبب ضعفه؟

** قلت: قد رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر في \" الأوسط \" وابن خزيمة والحاكم والبيهقي وابن حبان والطبراني في \" الكبير \" من طرق عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد العبدي عن سمرة بن جندب به.

وثعلبة بن عباد مجهول. ومدار الإسناد عليه كما تري، فهو إسنــاد ضعيف.

 

* قال صاحبي: ومن الذي حكم علي ثعلبة بن عباد بالجهالة؟

** قلت: ابن المديني، وابن حزم، وابن القطان، والعجلي، والذهبي.

 

* قال صاحبي: سلمت لك بضعف هذا الحديث، وأنه لا يصح للاستدلال، ولكن بقي دليل آخر.

** قلت: مـا هو؟

 

* قال صاحبي: إن صلاة الكسوف نهارية، ومن المعلوم أن الصلوات النهارية سرية مثل الظهر والعصر فتقاس عليها.

** قلت: يرحمك الله يا أخي، إن هـذا خطأ من وجهين؟

 الوجه الأول: إن صح القياس في هذه المسألة فقياسها علي الصلوات التي يجتمع لها المسلون كالجمعة والعيدين، أولي من قياسها علي الظهر والعصر، والجمعة والعيدان صلوات نهارية ويجهر فيها بالقراءة.

 الوجه الثاني: أن القياس لا يصح في هذه المسألة، وذلك لأنه في مقابلة نص صحيح صريح، وهو ما ثبت في \" الصحيحين \" عن أم المؤمنين عائشة، - رضي الله عنها -، قالت: جهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -  بالقراءة في صلاة الكسوف.

 

* قال صاحبي: جـــزاك الله عني خيرا، فقد أوقفتني علي الدليل والتعليل، و ها أنا أعلن أنني رجعت عن قولي الأول إلي قولك اتباعا للحق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply