ما يحل من الحائض


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال:

ماذا يجوز للرجل من امرأته وهي حائض؟

 

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالأصل في المعاشرة الزوجية في حال الحيض هو قول الله - تعالى -: \"وَيَسأَلونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذىً فَاعتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطهُرنَ فَإِذَا تَطَهَّرنَ فَأتُوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبٌّ المُتَطَهِّرِينَ\" [البقرة: 222].

ولفظ \"المحيض\" يصدق على زمان الحيض، وعلى مكانه الذي هو الفرج، وعلى الحيض نفسه.

وظاهر التعليل الوارد في الآية (هو أذىً) يقتضي كون الاعتزال المأمور به مقتصراً على مكان الحيض فقط، الذي هو الفرج، وهذا ما دلَّ عليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجعة في خميصة إذ حضت، فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي. قال: \"أنفست\"؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة. أخرجه البخاري (294)، ومسلم (296).

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض. أخرجه البخاري (295)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك. أخرجه البخاري (296)، ومسلم (293).

وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض. أخرجه البخاري (297)، ومسلم (294). زاد ابن حبان وأصحاب السنن في حديث ميمونة رضي الله عنها-: في صفة أو مقدار الإزار \"...إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين، تحتجز به\".أخرجه ابن حبان في صحيحه (1365)، وأبو داوود (267)، والنسائي (287) وغيرهم.

ومعلوم من دلالة الآية السابقة وغيرها من السنة والإجماع أن الوطء (الإيلاج) حرام في أثناء الحيض، وقد دل النص والإجماع أيضا على جواز الاستمتاع بما عدا منطقة الإزار (فوق السرة ودون الركبة) من دون حائل.

واختلف العلماء في جواز مباشرة منطقة الإزار (فوق السرة ودون الركبة) من دون حائل في وقت الحيض، من غير وطء، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: عدم جواز المباشرة من غير حائل (إزار)، وعلى هذا القول أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف، وجماعة عظيمة من العلماء.

وقد استدلوا بأدلة، منها:

1- ما رواه مالك في الموطأ (124)، ومن طريقه الدارمي (1014)، مرسلاً أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لتشد عليها إزارها، ثم شأنَك بأعلاها\".

2- ومنها: الأحاديث السابقة من رواية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

وقد ردَّ ابن دقيق العيد على الاستدلال بأحاديث أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- بأنها ليس فيها ما يقتضي منع ما تحت الإزارº لأنها تحكي فعلاً مجرداً.

القول الثاني: جواز الاستمتاع بما عدا الفرجº وبعضهم قال: إذا تجنب موضع الدم، وبعضهم قال: إذا وضعت على فرجها ثوباً.

وإلى هذا القول ذهب كثير من السلف كالثوري وأحمد وإسحاق، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجَّحه الطحاوي منهم، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلا. وقد استدلوا بأدلة، منها:

1- قوله - عليه الصلاة والسلام -: \"اصنعوا كل شيء إلا النكاح\". أخرجه مسلم (302).

2- ما ورد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً. رواه أبو داود (272) بإسناد قوي.

3- واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدًّا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار.

وحملوا أحاديث الباب على الاستحباب جمعاً بين الأدلة.

القول الثالث: التفصيل، فإن كان الزوج يضبط نفسه - عند المباشرة - عن الفرج، ويثق منها (من نفسه) باجتنابه جازت له المباشرة من تحت الإزار، وإلا فلا. وبهذا يقول بعض الشافعية، واستحسنه النووي.

والخلاصة من كل ما سبق:

أن جسم الزوجة في حالة الحيض بالنسبة لجواز الاستمتاع به ينقسم إلى منطقتين: -

1- منطقة ما فوق السرة، وما تحت الركبة، وهذه يجوز للزوج أن يباشرها كيفما شاء بلا خلاف، فحرية الزوجين فيها غير مقيدة إلا بالتستر عن أعين الآخرين.

2- ما بين سرة الزوجة وركبتها، وهذه على التفصيل الآتي: -

أ- يحرم الوطء (الإيلاج في الفرج) بلا خلاف.

ب- تجوز المباشرة من فوق الإزار بلا خلاف.

ج- أما المباشرة من دون حائل والمفاخذة، فقد اختلف العلماء في جوازهاº والذي يقتضيه النظر هو الحرمة عند الخوف من غلبة الشهوة والوقوع في الوطءº سدًّا لذريعة الوقوع فيما هو محرم بالإجماع.

والجوازُ عند الأمن من ذلك، إذا كان الفرج مستوراً بما جرت العادة به من الفوط، والسراويل القصيرة ونحوها.

مع الاحتياط والحذر من تحول الشهوة إلى حسرة ومرض في الدنيا، وإثم وعذاب في الآخرة.

ولا شك أن الأولى والأحوط هو ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله مع زوجاته كما سبقت الإشارة إليه.

ومن أراد التفصيل فيمكنه الرجوع إلى المراجع الآتية: تفسير القرطبي (3/86-87)، وفتح الباري (1/403405)، والمغني (1/ 414416)، والذخيرة (1/376 377).

والله - سبحانه وتعالى - أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply