النشاط اللاصفي يصفي القيادات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تنظر التربية الحديثة إلى النشاط المدرسي على أنه كل نشاط عقلي أو حركي يصدر من الطلاب تحت إشراف المدرسة، سواء كان هذا النشاط داخل الفصل أم خارجه، داخل المدرسة أم خارجها. وعلى هذا فالنشاط المدرسي جزء من المنهج يكمله ويتممه، أو هو الجانب العلمي التطبيقي لما يشمله المنهج من موقف أو خبرات.

والأنشطة اللاصفية، نشاطات متصلة بالمدرسة كأنشطة تعليم وتعلم، يشارك فيها الطلاب أو المعلمون، بصرف النظر عن «الدراسة الأكاديمية» التي تخصص لها حصص في الجدول الدراسي، مثل الرياضة، والنوادي المختلفة، ومجالس الطلاب، والصحافة المدرسية والإذاعة والرحالات..ومن خصائص هذه الأنشطة أن تترك الحرية للطالب للاشتراك فيها.بحيث يكون التوجه الذاتي للطالب، والدافعية الذاتية له أعلى ما يمكن، في حين يكون توجيه المعلم (أو تدخله)، والدافعية الخارجية، التي تدفع الطالب للاشتراك في النشاط أقل ما يمكن.

وفي مجال التربية الإسلامية فإن النشاط المدرسي اللاصفي هو الذي يطبع الطلاب على السلوك الطيب، ويكسبهم الخلق الإسلامي الكريم، ومجالات التربية الإسلامية في المدرسة كثيرة ومتنوعة وتستطيع المدرسة أن تهيئ لطلابها هذه المجالات أو بعضها وفقًا لإمكاناتها، كما أنها تستطيع أن تضيف إليها ما تراه محققًا لأهداف التربية الإسلامية.

فالنشاط خارج الفصل الدراسي لا يقل أهمية عما يحدث في الفصل، لأنه مجال تربوي يتحقق فيه عدد من الأغراض التربوية المهمة، فتتمثل أهمية النشاط المدرسي اللاصفي للتربية الإسلامية فيما يلي:

- يخدم المقرر من خلال مناقشة الطلاب المشرف أثناء النشاط في بعض الموضوعات المقررة التي لم يتمكنوا من استيعابها أو الموضوعات التي يريدون معرفة مزيد عنها، ويرجع ذلك إلى ضيق الوقت في الفصل، أما النشاط فلا يوجد وقت محدد له.

- يختلف النشاط المدرسي اللاصفي للتربية الإسلامية عن النشاط المدرسي الذي يجري داخل الصف، فالنشاط الصفي تغلب عليه اللفظية، أما النشاط اللاصفي فمنه ما هو لفظي، ومنه ما هو عملي، فالطلاب يمثلون، ويناقشون، ويتلقون أحاديث دينية... إلخ.

- يقوم على أساس مجهود الطلاب أنفسهم، تحت إشراف المعلم، فهم الذين يرسمون صحيفة الحائط الدينية وينفذونها، ويجمعون مادتها كل أسبوع، ويكتبون الأحاديث التي تلقى في الإذاعة المدرسية. وهم الذين يقومون بصفة عامة على إدارة النشاط وتنفيذه.

- يعمل على تقوية العاطفة الدينية لدى الطلاب، وهذا أمر منطقي لأن الطلاب يقبلون على النشاط ذاتيًا، كما أنهم يحددون محتواه.

- يستغل أوقات فراغ الطلاب بما يعود عليهم بالنفع، وكذلك يعمل على إبعادهم عن الأخطاء التي يمكن أن يقعوا فيها.

- يتيح الفرصة لنمو الطلاب في مجالات متعددة منها: النمو الجسمي، والعقلي، والاجتماعي، والانفعالي، والروحي.

- يعود الطلاب كثيرًا من العادات الحميدة، والفضائل، والقيم التي تساعد في توازن شخصياتهم وتكاملها.

- يعد مجالًا لتعبير الطلاب عن ميولهم وإشباع حاجاتهم، والتي إذا لم تشبع يكون ذلك من عوامل جنوح الطلاب، وميلهم للتمرد، وضيقهم بالمدرسة.

ويتضح من أهمية النشاط المدرسي اللاصفي للتربية الإسلامية أنه يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الوظائف التي تظهر من خلال ممارسة الطلاب للأنشطة المختلفة داخل جماعات النشاط.

أ- الوظائف الشخصية: اكتشاف مواهب الطلاب والعمل على تنميتها وتوجيهها في الاتجاهات السليمة.

ب- الوظيفة السيكولوجية: تحقق مجموعة من الوظائف النفسية منها: تقوية العاطفة الدينية، واستغلال الطاقات، والتعود على عادات حميدة وفضائل وقيم عالية واستغلال وقت الطالب، وهو ما يساعد في تحقيق الصحة النفسية للطلاب.

جـ- الوظيفة التربوية: بناء شخصية الطالب وتنمية قدراته على الخلق والابتكار والتعبير عن آرائه ومعتقداته في حرية كاملة ويزوده بالاتجاهات السليمة.

د- الوظيفة التحصيلية: ربط المادة الدراسية والمعارف التي يتلقاها الطالب داخل الفصل بالحياة، وتزويد الطلاب بالمهارات والقدرات الفكرية، ويرجع ذلك إلى أهمية التحصيل الدراسي بصفته هدفًا من الأهداف التي تسعى المدرسة لتحقيقها، وكذلك لأهميته لدى أولياء الأمور.

هـ- الوظيفة الاجتماعية: تعود الطلاب مواجهة ما يعترضهم من مواقف الحياة، وتكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين.

و- الوظيفة الترويحية: تساعد في تخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية والدراسية على الطلاب من خلال أنواع النشاط الترويحي، كإقامة الحفلات في المناسبات الدينية، والرحلات الدينية... إلخ.

وبالرغم من هذه الأهمية للنشاط المدرسي اللاصفي، إلا أن هناك من بين الآباء والمدرسين من يقلل من هذه الأهمية، فمن هؤلاء من يتخذ هذا الموقف متأثرًا بالتربية التقليدية التي ترى أن تنمية العقل عن طريق المعرفة فالتحصيل الدراسي هو الهدف من التربية المدرسية، كما يعتقدون أن النشاط المدرسي اللاصفي لا يفيد في مجال التحصيل الدراسي. واقتناعهم بهذا الرأي لا يكون عادة نتيجة دراسة نظرية للفلسفات التربوية المختلفة والاختيار من بينها، بل غالبًا ما يكون انعكاسًا للمناهج الدراسية التي ألفوها، والتي لم تكن تعنى بالنشاط اللاصفي، ولا تفسح له مجالًا يتناسب مع أهميته التربوية.

ومنهم (أي من بين أولئك الآباء والمدرسين) من يرى أن تلك الفلسفات التربوية القديمة قاصرة عن أن تحقق للطالب النمو المنشود، الذي يمكنه من الحياة المتكيفة المثمرة، في حين يركزون جُل اهتمامهم على التحصيل الدراسي، وقد ارتبط اهتمامهم الزائد بالتحصيل الدراسي، بما يلمسونه من تركيز الاختبارات المدرسية على تحصيل الطلاب للجانب المعرفي للمواد الدراسية، دون عناية بتقويم جوانب النمو الأخرى، ولهذا فهم يرون أنه لا داعي لأن يشغل الطلاب أنفسهم في أعمال لا تخضع للتقويم الدراسي العام، كما لا تفيد في زيادة التحصيل الدراسي. ولهذا نرى من بين هؤلاء الآباء والمدرسين من يقلق إذا ما اشترك ابن له في النشاط المدرسي اللاصفي، أو على الأقل لا يشجع على الاشتراك فيه، الأمر الذي يحرم الطلاب من فرص الاستفادة من خبرات النشاط المدرسي اللاصفي بالنسبة للعديد من مقومات سلوكهم المتصلة بتكوين شخصياتهم وإشباع حاجاتهم وحاجات مجتمعهم، ويؤكد هذا ما أظهرته نتائج بعض الدراسات عن أن عدم إدراك أهمية النشاط ودوره في العملية التربوية من قبل العاملين في التربية والتعليم المشرفين يعد من أهم معوقات نجاح هذا النشاط.

ولمعرفة عما إذا كان الاشتراك في جماعات النشاط المدرسي غير الصفي يؤثر في التحصيل الدراسي، وما إذا كان هذا التأثير موجبًا، إذا ما قورن مستوى تحصيل المشتركين في النشاط بمستوى تحصيل غير المشتركين فيه.

تبين من خلال دراسة أجراها كاتب هذه السطور أن التحصيل الدراسي يرتبط ارتباطًا إيجابيًا بالاشتراك في الأنشطة غير الصفية، وأنه يعود بالنفع على كل من الطلاب والمدارس. فالطلاب الذين يشاركون في برامج الأنشطة غالبًا ما يصبح لديهم اهتمام مضاعف بالمقررات الدراسية الأكاديمية، ويكون المجال مفتوحًا أمامهم لممارسة مهارات القيادة والتبعية في آن واحد، كما تكون لديهم فرصة للالتقاء مع الطلاب والتعامل مع المعلمين في مواقع أخرى خلاف الفصل الدراسي، ويكونون مميزين بمشاركتهم وإنجازاتهم.

ومن أجل تفعيل الممارسة والنشاط المدرسي اللاصفي يمكن تقديم التوصيات التالية:

* أن يخطط النشاط المدرسي اللاصفي المتصل بالمواد الدراسية، تخطيطًا مرتبطًا بالمقررات الدراسية لتزداد استفادة المستوى التحصيلي من الاشتراك في النشاط، الأمر الذي يطمئن الآباء والمدرسين على دور النشاط في المساهمة في تحقيق الهدف التحصيلي للطلاب.

* أن يدرك المعلمون أن مسؤولياتهم عن الأنشطة اللاصفية لا تقل عن مسؤوليتهم تجاه المقررات الدراسية، وأن الإشراف على هذه الأنشطة يضاف إلى جوانب امتيازهم في تقريرهم السنوي.

* أن يدرك أولياء الأمور أن الفوائد التي تعود على أبنائهم من المشاركة في الأنشطة اللاصفية، قد لا تقل أهمية على المدى القريب، والمدى البعيد، عن المقررات الدراسية، وبذلك يشجعون أبناءهم على المشاركة في الأنشطة المدرسية المختلفة.

* أن تهتم الإدارة العامة للنشاط الطلابي بوزارة التربية والتعليم بالمدارس من حيث توفير الإمكانات والأدوات اللازمة لتحسين مستوى المشاركة في الأنشطة اللاصفية بها.

* أن يراعى عند التخطيط للنشاط المدرسي اللاصفي ميول الطلاب ورغباتهم واحتياجاتهم، باعتبارها دوافع يمكن استغلالها في عملية التعلم وبالتالي يتحقق الإنجاز الأكاديمي المنشود.

* أن تقوم المدارس بالنشر والدعاية اللازمة عن الأنشطة اللاصفية بكل الوسائل المتاحة لها بين طلابها وأولياء أمورهم، والدعوة إلى المشاركة فيها، وبيان مالها من أهمية في حياتهم حاضرًا، ومستقبلًا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply