ورد إلى اللجنة الدائمة سؤال هذا نصه:
هل يجوز دفن المسلمين في مقابر غير المسلمين حيث أن المسلمين يسكنون في بلاد بعيدة عن مقابرهم ويحتاج دفنهم فيها أن يسافروا بالميت أكثر من أسبوع علما بأن من السنة التعجيل بدفن الميت؟
الجواب:
لا يجوز للمسلمين أن يدفنوا مسلما في مقابر الكافرين لأن عمل أهل الإسلام من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين ومن بعدهم مستمر على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين وعدم دفن مسلم مع مشرك فكان هذا إجماعا عمليا على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين ولِما رواه النسائي عن بشير بن الخصاصية قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا، ثم مر على قبور المشركين فقال: سبق هؤلاء خيرا كثيرا، فدل هذا على التفريق بين قبور المسلمين وقبور المشركين.
وعلى كل مسلم ألا يستوطن بلدا غير إسلامي وألا يقيم بين أظهر الكافرين بل عليه أن ينتقل إلى بلد إسلامي فرارا بدينه من الفتن ليتمكن من إقامة شعائر دينه ويتعاون مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى ويكثر سواد المسلمين إلا من أقام بينهم لنشر الإسلام وكان أهلا لذلك قادرا عليه وكان ممن يعهد فيه أن يؤثر في غيره ولا يُغلَب على أمره فله ذلك وكذا من اضطر إلى الإقامة بين أظهرهم وعلى هؤلاء أن يتعاونوا ويتناصروا وأن يتخذوا لأنفسهم مقابر خاصة يدفنون فيها موتاهم. فتاوى إسلامية (2/36)
وسئلت اللجنة أيضا سؤالا نصه:
هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنيا له ثم مات قيل أن يبلغ؟
الجواب:
لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين سواء كان متبنى لمسلم أم لا وسواء بلغ أم لم يبلغ لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين علما بأنه يحرم التبني في الإسلام لقوله تعالى: \" ادعوهم لآبائهم \" فتاوى إسلامية (2/36-37)
وجاء في الموسوعة الفقهية (21/19) ما نصه:
اتفق الفقهاء على أنه يحرم دفن مسلم في مقبرة الكفار وعكسه إلا لضرورة.
أما لو جعلت مقبرة الكفار المندرسة مقبرة للمسلمين بعد نقل عظامها إن كانت جاز، كجعلها مسجدا، لعدم احترامهم.
والدفن في غير مقبرة الكفار المندرسة أولى إن أمكن، تباعدا عن مواضع العذاب.
ولا يجوز العكس بأن تجعل مقبرة المسلمين المندرسة مقبرة للكفار، ولا نقل عظام المسلمين لتدفن في موضع آخر، لاحترامها.
أما المرتد فقد ذكر الأسنوي نقلا عن الماوردي أنه لا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه بالردة عنهم ولا في مقابر المشركين لما تقدم له من حرمة الإسلام. ا. هـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (24/295) سؤالا نصه:
عن امرأة نصرانية بعلها مسلم توفيت وفى بطنها جنين له سبعة أشهر فهل تدفن مع المسلمين أو مع النصارى؟
فأجاب: لا تدفن فى مقابرالمسلمين ولا مقابر النصارى لأنه اجتمع مسلم وكافر فلا يدفن الكافر مع المسلمين ولا المسلم مع الكافرين بل تدفن منفردة ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الطفل إلى ظهرها فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبى المسلم مستقبل القبلة والطفل يكون مسلما بإسلام أبيه وان كانت أمه كافرة باتفاق العلماء. ا. هـ.
وجاء في كتاب جامع أحكام النساء للشيخ مصطفى العدوي (1/558) عنوان نصه:
امرأة من أهل الكتاب حملت من رجل مسلم أين تدفن إذا ماتت وهي حامل؟
- روى عبدالرزاق (6583): عن معمر عن الزهري قال: إذا حملت النصرانية من المسلم فماتت حاملا دفنت مع أهل دينها. صحيح عن الزهري.
- وروى أيضا (6584): عن ابن جريج عن عطاء يليها أهل دينها وتدفن معهم. صحيح عن عطاء.
هذا وثمَّ آثار أخر في مصنفي ابن أبي شيبة (3/558) وعبدالرزاق وفيها بعض الكلام. وها هي أقوال بعض أهل العلم في ذلك: قال الخرقي (مع المغني 2/563):
وإن ماتت نصرانية وهي حاملة من مسلم دفنت بين مقبرة المسلمين ومقبرة النصارى.
قال ابن قدامة: اختار هذا أحمد لأنها كافرة لا تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذوا بعذابها ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم وتدفن منفردة مع أنه روى عن واثلة بن الأسقع مثل هذا القول (1)، وروي عن عمر (2) أنها تدفن في مقابر المسلمين، قال ابن المنذر: لا يثبت ذلك، قال أصحابنا: ويجعل ظهرها إلى القبلة على جنبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن لأن وجه الجنين إلى ظهرها. ا. هـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (21/20) بخصوص المسألة السابقة ما نصه:
اختلف الفقهاء في دفن كافرة حامل من مسلم على أقوال:
فذهب الحنفية، وهو الأصح عند الشافعية، والمذهب لدى الحنابلة إلى أن الأحوط دفنها على حدة، ويجعل ظهرها إلى القبلة، لأن وجه الولد لظهرها.
واستدل الحنابلة لذلك بأنها كافرة فلا تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذوا بعذابها، ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم، وتدفن منفردة، وقد روي مثله عن واثلة بن الأسقع.
وفي قول آخر للشافعية: أنها تدفن في مقابر المسلمين وتنزل منزلة صندوق للولد، وقيل: في مقابر الكفار، وهتاك وجه رابع قطع به صاحب التتمة بأنها تدفن على طرف مقابر المسلمين، وحُكي عن الشافعي: أنها تدفع إلى أهل دينها ليتولوا غسلها ودفنها.
واختلف الصحابة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
قال بعضهم: تدفن في مقابرنا ترجيحا لجانب الولد.
وقال بعضهم: تدفن في مقابر المشركين لأن الولد في حكم جزء منها مادام في بطنها.
وقال واثلة بن الأسقع: يتخذ لها مقبرة على حدة، وهو ما أخذ به الجمهور كما سبق، وهو الأحوط، كما ذكره ابن عابدين نقلا عن الحلية.
والظاهر كما أفصح بعضهم: أن المسألة مصورة فيما إذا نفخ فيه الروح وإلا دفنت في مقابر المشركين. ا. هـ.
هذا ما تيسر من كلام أهل العلم في هذه المسألة، والله أعلم.
----------
الحاشية:
(1) هذا الأثر عن واثلة أخرجه عبدالرزاق (3/528) وابن أبي شيبة (3/355) وفي إسناده ابن جريج وهو مدلس وقد عنعن.
(2) أثر عمر منقطع أيضا وهو وهو في الصدرين المشار إليهما قريبا وفي سنده إنقطاع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد