فقه العبادات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الربا والصرف:

الربا لغة الزيادة.

وشرعا زيادة في أشياء ونسا في أشياء أو هما معا.

الصرف لغة الصوت.

والمراد به هنا: بيع نقد بنقد.

 

حكم الربا:

الربا حرام بالكتاب والسنة وأجمعت الأمة على ذلك. والأدلة فيه ظاهرة معلومة.

 

الربا نوعان:

ربا الفضل: هو بيع جنس بجنسه متفاضلا.

ربا النسيئة: بيع جنس بجنسه إلى أجل.

 

الأموال التي يجري فيها الربا:

الأصل في هذا حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه مرفوعا:

 (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواءً بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.

هذه الأموال الستة مجمع علي جريان الربا فيها. وجمهور أهل العلم على إلحاق ما شاركها. في العلة بها لكنهم اختلفوا في العلة.

والصواب أن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية، وعليه فكل ما شارك الذهب والفضة في ذلك جرى فيه الربا، ولهذا أفتى أهل العلم في هذا الزمان بجريان الربا في الوراق النقدية.

 

أما الأموال الأربعة فالعلة فيها الكيل والطعم، وهذا اختيار شيخ الإسلام. فكل ما كان مكيلا مطعوما جرى فيه الربا. فيجري الربا في الذرة والدخن والأرز، ونحو ذلك من المكيلات المطعومات.

 

وعلى هذا فالأقسام ثلاثة:

1. إذا بيع جنس بجنسه، كذهب بذهب، أو بر ببر: اشترط التساوي، والتقابض في المجلس، فإن فقد أحد الشرطين لم يصح العقد لكونه رباً.

 

2. إذا بيع جنس بغير جنسه من هذه الأموال اشترط التقابض في المجلس دون التساوي. مثاله: ذهب بفضة، وبر بشعير.

 

3. إذا بيع ثمن بغيره لم يشترط التقابض ولا التماثل. مثل ذهب ببر، ونحو ذلك.

 

من صور الربا مسألة بيع العينة، وتقدمت الإشارة إليها.

 

ومنها على رأي مسألة التورق، وصورتها: أن يشتري ما يساوي مائة درهم مثلا، يشتريه بمائة وعشرين مؤجلا ليبيعه نقدا يتوسع بثمنه.

 

وفيه خلاف رجح بعض أهل العلم الجواز، منهم العلامة ابن سعدي - رحمه الله -، وحجة القول بالجواز أمور ثلاثة:

 

أ.  دخول هذه الصورة في عموم النصوص الدالة على إباحة البيوع.

ب. ولأنه لا فرق بين أن يشتريها ليستعملها في أكل أو شرب، وبين أن يشتريها لينتفع بثمنها.

ت. ليس فيها حيلة على الربا بوجه من الوجوه.

 

ومن مسائل الربا على رأي:

مسألة: من باع طعاما (بر ونحوه)، بدراهم إلى أجل، فلما حل الأجل أراد أن يعوضه بدل الدراهم طعاما مما يجري فيه الربا فما الحكم؟

 

منع هذا جماعة من أهل العلم بحجة أن فيه ذريعة إلى الربا، من جهة بيع الطعام بالطعام إلى أجل.

واختار ابن قدامة الحنبلي الجواز، ووافقه ابن سعدي - رحمهما الله -.

واختار شيخ الإسلام - رحمه الله - الجواز للحاجة فقط مثل أن لا يجد وقت الوفاء دراهم فيدفع بدلها طعاما، وإن لم تكن ثم حاجة منع وهو قول قوي كما ترى سدا للذريعة إلى الربا.

 

أولا السلم

السلم عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد.

 

حكمه:

جائز، وثابت بالسنة الصحيحة. ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - وعن أبيه قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين، فقال: (من أسلف في شي فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه.

 

شروط السلم:

1. انضباط أوصافه بكيل أو وزن، أو عد، ونحو ذلك. فما لا يمكن انضباطه بالصفة لا يصح فيه السلم.

2. ذكر الجنس والنوع، وكل وصف يختلف به الثمن.

3. ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع يعلم بين الناس.

4. ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، فلا يصح السلم في الحال، ولا لأجل مجهول.

5. أن يوجد غالبا عند حلول الأجل، ولا يشترط وجوده وقت العقد.

 

دليل هذا الشرط: حديث ابن أبزى وابن أبي أوفى قالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى. قيل أكان لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم ذلك. أخرجه البخاري.

 

6. أن يقبض المسلم إليه الثمن كاملا قبل التفرق.

 

7. أن يسلم في الذمة، فلا يصح في عين. 

 

ثانيا القرض:

القرض: عقد إرفاق يقصد منه تمليك المقرض -بكسر الراء- للمقرض-بفتحها-. ويعرف بالسلف.

 

حكمه:

جائز، بل مندوب من جهة المقرض-بكسر الراء- لأنه نوع إحسان، والله - تعالى -يقول {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.

 

وهل هو أفضل أم الصدقة؟.

الصدقة أفضل من جهة كونها لا تشغل الذمة، والقرض أفضل من جهة كونه غالبا ما يصادف حاجة.

 

ما يصح قرضه:

كل ما يصح بيعه يصح قرضه إلا الآدمي.

 

من قواعد القرض:

- يرد المثل في المثليات والقيمة في غيرها، إلا أن يتعذر المثل فالقيمة.

 

- يحرم كل شرط جر نفعا في القرض. بل قد يكون ربا مثل أن يقرضه على أن يسدده بأكثر أو بأجود، وهذا صريح الربا. وإن سدد بأكثر أو بأجود من غير شرط فلا بأس لما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكرا وقضاه خيارا رباعيا، وقال: خيار الناس أحسنهم قضاءً).   

 

الإجارة

تعريفها:

 عقد على منفعة أو عين مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا.

وقول الفقهاء الإجارة لا تكون إلا على الأعيان غير صحيح قال شيخ الإسلام عن هذا القول: ليس هو قول لله ولا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا الأئمة. بل الإجارة تكون على ما يتجدد ويحدث ويستخلف بدله مع بقاء العين كماء البئر ولبن الدابة، ونحو ذلك سواء كان عينا أو منفعة.

 

حكمها:

جائزة بالإجماع، ولا عبرة بخلاف الأصم وابن علية ومن وافقهما. قال الله - تعالى -{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}. ومن السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأجر رجلا من بني الديل هاديا خريتا. أخرجه البخاري.

 

شروط صحة الإجارة:

1.  رضا المتعاقدين لعموم قوله - سبحانه - {يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.

 

2.   أن يكون المعقود عليه معلوما فلا تصح الإجارة على مجهول، ولا بأجر مجهول.

 

3.   أن يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء.

 

4.  أن يكون المعقود عليه مباحا شرعا. فلا يجوز الاستئجار على المعاصي كاللهو المحرم والسحر والأغاني والمعازف والنياحة، ونحو ذلك.

 

5.  ألا يكون العمل المستأجر عليه واجبا على الأجير قبل الإجارة. فلا تصح الإجارة على العبادات والقرب، وبين أهل العلم خلاف في الأجرة على الأذان وتعليم القرآن والحج. واصح الأقوال فيها جواز أخذ الأجرة للمحتاج دون غيره، وفي الحج عن الغير يكتفي بنفقات الحج ولا يتجاوز ذلك إلى الأجرة.

 

مسألة: بدل خلو الرجل:

اطلع مجلس مجمع الفقه الإسلامي في إحدى جلساته على مجموعة أبحاث فقهية وردت إليه في شأن ما يعرف ببدل الخلو (خلو الرجل). وأصدر القرار التالي:

أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور، هي:

1. أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.

2. أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك، وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة، أو بعد انتهائها.

3. أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة، أو بعد انتهائها.

4. أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.

 

ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.

 

ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.

 

أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.

 

رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول والمستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.

 

على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوقه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.

 

أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول.

انتهى قرار المجلس بحروفه.

وخلاصته جواز بدل الخلو سواء كان بين المستأجر والمالك، أو بين المستأجر ومستأجر جديد بشرط بقاء مدة عقد الإجارة.ولا يجوز ذلك إذا انتهت المدة، والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply