أثر الوقف في تنمية المجتمع


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 المبحث الأول:

أثر الوقف في التنمية الاقتصادية :

ينبغي أن يتوسع في نظام الوقف أفقياً بتوسيع الموقوف من العقارات والمنقولات، رأسياً بالإفادة وتطوير وتنمية الأوقاف لنجنى عائدها الاقتصادي في قضايا وحاجات المجتمع.

 فليست حاجات المسلمين تنتهي في وقف مسجد أو جامع أو مدرسة بل تتعدى ذلك لتشمل جميع أبواب البر والخير ومساعدة المحتاجين وتوفير سبل العيش أمام الشعوب المغلوبة على أمرها.

 

 ويمكن أن تتجلى لنا مظاهر وآثار الوقف الاقتصادية في الآتي: -

 السعي في إيجاد أصول ثابتة لصالح المجتمع: -

 من ابرز مزايا هذا العصر أنه عصر التقدم العلمي والسبق في جميع مجالات المعرفة حيث عرف العالم المعاصر كيفية وضع الإستراتيجيات والخطط التي تؤدى إلى التنمية ومجابهة كافة المخاطر التي تحدق بالمجتمع. وإن من أخطر ما يجابه المجتمعات تلك الكوارث والأزمات من مجاعات وفيضانات ووبائيات وزلازل ولذا ينبغي أن يستفيد نظام الأوقاف من هذا التقدم والتطور التقني بتأسيس منظمات ومؤسسات وقفية في جميع مناحي الحية ومتطلباتها بحيث ترد ريعا كبيرا على الأمة وتكون أصولا ثابتة لصالح المجتمع.

 قال الرحالة ابن بطوطة موضحا لنا تجربة من تجارب الأوقاف في دمشق(1): (الأوقاف بدمشق لا تُحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج يعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسرى، ومنها لأبناء السبيل يعطون منها يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها...).

 والمفروض أن نستفيد من هذه التجارب في أوقافنا لتكون ذخرا للمجتمع.

 

 تقليل صرف الميزانية العامة: -

 إذا كانت الخزينة العامة في الدولة الإسلامية لها موارد دخل مالية محدودة أموال الزكاة والجبايات والصناعات والتجارة، وع ذلك نجد أن أوجه الصرف غير محدودة بل هي متجددة لأن حاجيات الإنسان لا تُشبع وتطلعاته لا تقف عند حد، ففي كل يوم يظهر له ابتكار يستلزم صرفاً مالياً، فهذا يوجب إيجاد موارد دخل جديدة لتقابل هذا الصرف.

 ومن جملة هذه الأوجه الإفادة من الأوقاف وتطويرها وتوظيف المشروعات الخيرية التى تخفف الصرف على ميزانية الدولة وذلك مثلا في النواحي الصحية ببناء المستشفيات، والمراكز الصحية والمستوصفات وتوفير الدواء والعلاج والتشخيص المجاني أو بأسعار رمزية، وبإنشاء دور التعليم من مدارس قرآنية ومدارس نظامية وجامعات ومعاهد، وكذلك الوقف في المصانع التى تنتج الغذاء والنسيج والدواء ومختلف الصناعات.

 فإذا شملت الأوقاف ذلك فهذا يوفر على الميزانية مبالغ كبيرة مما يؤمن جانب القدرة على تأمين حياة سعيدة للشعوب ويجنب العجز في الموازنة.

 قال أحد الباحثين(2) ذاكراً تلك المعاني التي سبقت: (إذا نظرنا في مجالات الوقف وأمثاله في تراثنا القديم نجد فيه بناء المساجد وإنشاء المدارس والمكتبات وإقامة المستشفيات ووقف الورافق العامة والمقابر والفنادق والمقابر والأسلحة والذخائر وغيرها من العقارات والمنقولات فيثور في ذهننا مباشرة سؤال وهو ماذا ترك الوقف للدولة الإسلامية من عمل إذا تكفل بكل ما ذكر؟

 نقول في الإجابة على ذلك السؤال أن الإسلام قد جعل المجتمع مستقلاً عن الدولة في توفير معظم حاجاته وضرورياته بل أراد منه أن يكون سابقا عليها في مبادراته وذلك عبر وسائط شتى وأساليب متعددة منها الوقف الذى في حقيقته تصرف قانوني يحبس بموجبه المسلم أصل ماله المعين ويتبرع بريعه ومنفعته لمختلف جهات البر والخير.

 عرف المسلون هذا التصرف منذ القدم وقامت عيه كثير من مظاهر حضارتهم وبُنيت عليه أسس تقدمهم ورقيهم ولا نجد في الدولة الإسلامية على مختلف أنظمتها وأطوارها أشكالا إدارية تعنى بالتعليم أوالصحة مثلا بينما نجد فيها ما يعنى بالسلطة القضائية أو العسكرية مثلاً.

 لقد تعقدت الحياة المعاصرة جدا وأصبح المجتمع يحتاج إلى كثير من الضروريات، والحكومة لا تستطيع توفير ذلك كله فكان لا بد من الاستفادة من أموال الخيرين من أثرياء الأمة في تمويل كثير من مشروعات التنمية الإجتماعية وذلك حتى يتم سداد ذلك النقص.. ).

 

 إيجاد فرص العمالة وتقليل البطالة: -

 الإنتاج والتنمية تحتاج إلى مزيد من الجهد والتكاتف والتعاضد لتبنى الأمة الإسلامية مجدها بنفسها وسواعدها وذلك إذا لم يبق بين صفوفها متفرج ولا عاطل عن العمل بل لابد لكل فرد قادر على دفع عجلة الإنتاج أن يعمل.

 والمشروعات والمؤسسات الوقفية تساعد في إيجاد فرص العمل وذلك إذا انضموا اليها مؤسسين ومنفذين وعاملين وفنيين وخاصة ونحن في زمن نعانى من زيادة نسبة العطالة وقلة الوظائف والأشغال.

 وفائدة هذه المؤسسات الوقفية أنها تزيد في الدخل والإنتاج وتساعد الأسر الفقيرة والضعيفة بما ياتى اليهم من عائد مادى نظير عملهم إذا كانوا عاملين فيها أو ياتيهم الريع إن كانوا تحت قائمة الموقوف عليهم.

 وهذه حقيقة لو أدركها أصحاب الثروات وألاموال ممن لهم غيرة على شعوبهم وبنى جلدتهم لما توانوا في وقف العقارات والمنقولات وتأسيس الشركات حتى تستوعب لنا هذا الكم الهائل من الخريجين والمهنيين والفنيين وكان في ذلك صلاح ولا شك ونستفيد من طاقات الشباب المتفجرة وعلمهم الذاخر ولا نتركهم للعطالة فتقضى على طاقاتهم وعلومهم وحتى لا تخسر الأمة جيلاً نابضا من اجيالها.

 

حماية الأموال من الإسراف والتقتير: -

قال - تعالى -: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)الفرقان67.

وقال - تعالى -: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا)الإسراء29.

وقال - تعالى -: (.. وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.. )الأعراف31.

وقوله - تعالى -: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)الإسراء27.

هذه الآيات الكريمات توجب علينا عدم التبذير والتقتير فلذلك فإن أصحاب الثروات الضخمة الطائلة الذين حيرتهم أموالهم في كيفية التصرف فيها فلا يبددوها بالإسراف والتوسع في المباحات إلى حد التبذير، ولا يضنوا بها عن النفقة ولو على أنفسهم فإن خير الأمور أوسطها كما قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى(3): {(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)الفرقان67 أى ليسوا مبذرين في إنفاقهم فيصرفوا فوق الحاجة ولا بخلاء على أهليهم فيقصروا في حقهم فلا يكفوهم بل عدلا خيارا وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا}.

 وقال في أضواء البيان(4) حينما ذكر مثل هذه الآيات المتقدمة قوله - تعالى -{(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا.. ) الآية والآيات التي ذكرناها معها، قد بينت أحد ركني ما يسمى الآن بالاقتصاد، وإيضاح ذلك أنه لا خلاف بين العقلاء أن جميع مسائل الاقتصاد على كثرتها واختلاف أنواعها راجعة بالتقسيم الأول إلى أصلين لا ثالث لهما: الأول: اكتساب المال، والثاني: صرفه في مصارفه، وبه تعلم أن الاقتصاد عمل مزدوج لا فائدة من واحد من الأصلين المذكورين إلا بوجود الآخر، فلو كان الإنسان أحسن الناس نظراً في أوجه اكتساب المال إلا أنه أخرق جاهل بأوجه صرفه، فإن جميع ما حصّل من المال يضيع عليه بدون فائدة، وكذلك إذا كان الإنسان أحسن الناس نظرا في صرف المال في مصارفه المنتجة إلا أنه أخرق جاهل بأوجه اكتسابه.. }

 ونخرج من هذا النقل بفائدة عظيمة وهو أن كمال التدبير مع حسن الاكتساب يوفران للأمة الاقتصاد والتنمية.

 ومما سبق نعلم إن أبواب البر والإنفاق مشروعة للميسورين ليجودوا بفضل أموالهم وقفا على ذرياتهم وأهليهم والفقراء والمساكين ما يضمن ويكفل لهم سبيل العيش في الأزمان المستقبلة.

 وأيضاً قد يكون الشخص قد تقدم به العمر ولديه أموال طائلة ولكن أبناءه لا يحسنون التصرف بل يبددونها فخشى عليها الضياع فيشرع في حقه حفظ أمواله بوقفها حتى ترجع غلاتها عليهم فتنفعهم في أيامهم المقبلة.

 

 المبحث الثاني: أثر الوقف في نشر العلم والثقافة: - 

  من المعلوم قطعاً أن نظام الوقف ساعد في ازدهار الحضارة الإسلامية في مجال العمران والمعرفة والثقافة.

 فهذه المساجد التي علت مآذنها بجمال زخرفتها في أغلب أطار الدنيا، بدءاً بالمسجد الحرام الذي أسس وبني في زمن الخليل قال - تعالى -(5): (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم)، واهتم به المسلمون على مر قرونهم لاسيما وهو قبلتهم ومنبع حضارتهم كما قال تعالى(6): (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا... )، وقال - تعالى -(7): (وهدى للعالمين)، وهذا المسجد النبوي الذي تبرع بأرضه بنو النجار ورفضوا أن يأخذوا ثمنه إلا من الله - تعالى -كما ورد في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال له بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار قال فجاءوا متقلدي سيوفهم... فقال يا بني النجار ثامنونى بحائطكم هذه فقالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله... )(8).

 وقال ابن بطوطة عن المسجد الأموي بدمشق(9): (وجامع دمشق المعروف بجامع بنو أمية هو أعظم مساجد الدنيا احتفالا وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا ولا يعلم له نظير ولا يوجد له شبيه وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد ابن عبد الملك بن مروان ووجه إلى ملك الروم بالقسطنطينية يأمره أن يبعث إليه الصناع وبعث إليه اثني عشر ألف صانع).

 وما زالت المساجد في مختلف أرجاء العالم الإسلامي توقف عليها الأوقاف وتلحق بالمدارس.

 يقول ابن كثير (10): (لقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة وجعل فيها دار حديث وحمامات ودار طب وجعل لمستحقيها من الجوامك والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه من أوقافه ووقف عليها أوقافا عظيمة حتى قيل أن ثمن التين من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلها ووقف فيها كتب نفيسة ليس في الدنيا لها نظير فكانت هذه المدرسة جمالاً لبغداد وسائر البلاد).

 وغيرها كثير لا يحصى بعد من المدارس والمعاهد والخلاوى ومدارس القرآن والجامعات مما ساعد فيا نشر الحضارة الإسلامية.

 

 نشر الثقافة والمعرفة: -

 وذلك بطباعة الكتب ووقفها ووقف المكتبات العامة من هذه المكتبات (11): (بيت الحكمة الذي يرجع أن هرون الرشيد هو الذي وضع أساسه وعمل المأمون من بعده على إمداده بمختلف الكتب والمصنفات وهو من اكبر خزائن الكتب في العهد العباسي.. وكانت تحتوى على كل كتب العلوم التي اشتغل بها العرب كما كان للعلماء والأدباء الذين يختلفون إليها أكبر الأثر في تقدم الحركة في عهد العباسيين ونشر الثقافة بين جمهور المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى).

 وقال السباعي (12): (كان في الموصل داراً أنشأها أبو القاسم جعفر بن حمدان الموصلي وسماها دار العلم وجعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفا على كل طالب علم لا يمنع أحد من دخوله وإذا جاءها غريب يطلب الأدب وكان معسراً أعطاه ورقا وورقا (أي كتبا ونقودا) وكانت تفتح في كل يوم: فهل سمعتم حتى بمكتبة في لندن أو واشنطن أو عاصمة من العواصم الكبرى تمنح الأدب والأموال لطلبة العلم؟).

 

 المبحث الثالث: ألآثار الاجتماعية    

 الناظر إلى دين الإسلام يجده دينا جاء لمعالجة مشاكل الإنسان وأدوائه لأنه دين كرّم الإنسان فما من مشكلة للإنسانية قاطبة إلا في ديننا حلها، فإنه عنى بالفئات الضعيفة أيما عناية لأنها تحتاج إلى عطف وحنو وجاء في السنة من قوله - صلى الله عليه وسلم - لسهد بن أبى وقاص: (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)(13)، ومن آثار الوقف الاجتماعية الكثيرة ما يلي:

 

معالجة مشكلة الفقر وسد خلة المحتاجين:

  لقد جعل الإسلام للفقراء والمحتاجين من العناية ما يفوق التصور ويسبق الخيال، ويمكننا أن نستعرض بعض أوجه هذا الاهتمام كجعل إطعام المسكين من لوازم الإيمان قال تعالى(14): (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)، دلّت الآية على قوة الإيمان في الخوف من عدم القبول مهما عمل من عمل مثل الصدقة والنفقة والصلاة والصيام وغيرها وان حرمان المساكين موجب لمحق البركة وزوال النعمة كما قال - تعالى -(15): (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصر يم، فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين، فانطلقوا وهم يتخافتون، أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين، وغدوا على حرد قادرين، فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون، قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون، قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين، عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون، كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون).

ولم يكتف الإسلام بالرحمة على المساكين بل تعدى ذلك إلى الحض والحث على إطعامهم.

قال تعالى(16): (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين) التحاض تفاعل من الحض أى يحض بعضكم بعضا وفيها دعوة للمجتمع إلى التضامن والتعاون على رعاية المسكين.

وقال - تعالى -(17): (أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآون، ويمنعون الماعون ). قال ابن كثير (18): {وقوله - تعالى - (ويمنعون الماعون)أى لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى}. ومن ضمن القربات الوقف وغيره من الصدقات.

والإسلام كفل للفقراء حقوقهم فأوجب لهم في أموال الأغنياء حقا واجبا ومستحقا كالزكاة، وكذلك فتح أبواب التصدق والإنفاق ومن ضمنها الوقف الذي مقصوده إدامة الصدقة والنفقة على الموقوف عليهم من المساكين والفقراء والذرية وطلاب العلم وهو الصدقة الجارية. وهذا نفهمه من قول عمر رضي الله عنه حينما استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يصنع بأرضه التي بخيبر فأشار إليه النبي - صلى اله عليه وسلم - بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها فدله إلى أفضل باب يمكن أن يجعلها فيه وهو الوقف. لما له من منافع دينية ودنيوية.

 

التقريب بين طبقات المجتمع: -

إن مشكلة الفقر والحرمان موجودة في أي أمة على مر التاريخ وكما أن اليسار كوجود أيضا وكن الناظر إلى طبقة الفقراء والأغنياء يجد بينهما فوارق سحيقة وشاسعة فالميسورون يستأثرون بثرواتهم ويزدادون غنى كل يوم بينما الفقراء يقبعون في فقرهم وحرمانهم ويزدادون فقرا مع مر الأيام وذلك في عهود قديمة.

قال محمد فريد وجدي (19): (في أي أمة من الأمم أجال الباحث بنظره وجد طبقتين من الناس لا ثالث لهما الطبقة الموسرة والطبقة المعسرة، ووجد بإزاء ذلك أمرا جديرا بالملاحظة وهو أن الطبقة الموسرة تتضخم إلى غير حد، والطبقة المعسرة لا تفتأ تهزل حتى تلتصق بأديم الأرض، معيية رازحة، فيتداعى البناء الاجتماعي لوهن أساسه ولا يدرى المترفون من أي النواحي خر عليهم السقف... ).

ولقد قامت جميع الديانات بقضية التقريب بين هاتين الطبقتين، وهذا ما أخذه الله - تعالى -على بني إسرائيل من ميثاق(20): (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). وأما في الإسلام فلقد كان من أهداف السياسة المالية فيه عدم تداول الأموال بين طبقة خاصة دون سواهم كما قال - تعالى -(21): (كي لا يكون دُولة بين الأغنياء منكم.. ) ولما كان التباين والتباعد بين الطبقات من أوضح مظاهر الفروق المالية والمادية إذ أنها جلية واضحة للعيان وهى ما زينه الله - تعالى -للناس حيث قال - تعالى -(22): (زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث.. ).

لذلك فإن الأوقاف إذا أستفيد منها في جميع مناشط الحياة بإنشاء المصالح الوقفية والتعليمية والصحية والخيرية التي توفر المنافع لدى الكافة والمعسرين على وجه الخصوص نكون قد وقفنا من القضاء على الطبقية وأتحنا فرصة العيش الكريم لدى الجميع في عزة وكرامة نفس.

 

تقليل الفساد:

إذا أراد المجتمع أن يهنأ بالسعادة ويعم الأمن والاستقرار جميع ربوعه فليسعى في القضاء على جوانب الفساد.

وليعلم المصلحون ومن ينشدون الصلاح والإصلاح ان للفقر والإعواز تأثيراً عظيما في تقليص مد الإصلاح ونشر مادة الفساد فقد تدفع الحاجة إلى السرقات والاختلاسات والنهب والسطو والرشاوى والفساد الأخلاقي من انتشار الفواحش والنكرات وكثرة البغايا والمومسات.

 لكن المجتمع إذا كان موحداً مرتبطا أعلاه بأدناه لعاد ذلك على المجتمع بالأمن والاستقرار والتراحم، ولذلك نرى في الأوقاف لما تقوم به من محاولة لسد هذه الثغرة وتخفيف الوطأة على المتأثرين بالفاقة والحاجة بإنشاء الأوقاف التي تغنيهم بالحلال عن الحرام وهذا من مقاصد الشرع الحنيف.

 

------------------------------------------------------------------------------------

 هوامش:

(1) رحلة ابن بطوطة(1/118).

(2) مقدمة كتاب الأوقاف في السودان د. زهير عثمان وكتب المقدمة محمد عثمان خليفة ص7، 8.

(3) تفسير ابن كثير(3/443).

(4) تفسير أضواء البيان الشنقيطى(6/353).

(5) البقرة 127.

(6) البقرة 125.

(7) آل عمران 96.

(8) رواه البخارى برقم3932، مع فتح البارى(7/256). ومسلم برقم 524 (1/373)، وأبوداؤود برقم 453 (1/312).

(9) رحلة ابن بطوطة(1/103).

(10) البداية والنهاية (7/170).

(11) انظر تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن (2/348).

(12) من روائع حضارتنا ص156.

(13) رواه البخارى في كتاب الجهاد الباب76 مع فتح البارى (7/88)برقم 2896.

(14) سورة المؤمنون 60.

(15) سورة القلم 19-33.

(16) سورة الفجر 17-18.

(17)سورة الماعون.

(18) تفسير ابن كثير (4/719-720).

(19)انظر الإسلام دين عام خالد ص179-181.

(20) البقرة 83.

(21)الحشر 7.

(22) آل عمران115.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

شكر

14:17:02 2020-08-10

شكرا جزيلا معلومات قيمة.