بسم الله الرحمن الرحيم
فرض الله صيام شهر رمضان، وجعله أحد أركان الإسلام، لما في ذلك من الفوائد العظيمة، والحكم الجليلة. ورمضان - بهذا الاعتبار - موسم مشهود من مواسم الطاعة، ووقته وأيامه أفضل الأيام، فمن فضائله كثرة الخيرات والطاعات، وتصفيد الشياطين وانخذالهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين\" [البخاري 4/112، ومسلم 2/758] وفتح أبواب الجنة فيه إشارة إلى كثرة الأعمال الصالحة من المؤمنين، وإغلاق أبواب النار وتصفيد الشياطين فيه إشارة إلى قلة الفساد والمعاصي بين المسلمين في رمضان كذلك.
ومن فضائل هذا الشهر أن الله اختصه بفريضة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال المقربة إليه - عز وجل - وهو سبب لمغفرة ما تقدم من الذنوب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه\" [متفق عليه]، ومن خصائص الصيام مضاعفة أجره بلا حدود كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك\".
وهذا الحديث يدل على عظم فضل الصيام من وجوه عديدة:
1 - اختصاص الله - عز وجل - أن الصوم له، وهو المتكفل وحده بأجره العظيم الذي لا يعرف حدوده إلا هو - سبحانه - وذلك تشريف للصيام، ومزية خاصة له دون سائر الأعمال. وسبب ذلك أنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه أحد، فلو أراد أن يفطر دون أن يعلم به أحد من الخلق لاستطاع، ولكنه لا يفعل ذلك خوفاً من الله الذي يعلم سره وعلانيته.
2 - أن الأعمال تضاعف بحدود معلومة، عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فليس للجزاء به عدد معين، والكريم الجواد يعطي على قدر كرمه وجوده، والله - تعالى - أكرم الأكرمين وأجود الأجواد. وكذلك فإن الله - سبحانه - قال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] والصيام صبر على ألم الجوع والعطش، وصبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، فاجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة.
3 - الصوم وقاية لصاحبه من اللغو والرفث والآثام، وما يؤدي إليه ذلك من عذاب النار.
4 - أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والخلوف هو تغير رائحة الفم لخلو المعدة عند الصوم، فلما كان هذا التغير ناتجاً عن طاعة كان جزاؤه أن جعله الله عنده أطيب من ريح المسك.
5 - أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه.
وما زال رمضان مَعلَمة مضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية، ارتبطت به أحداث عظيمة، ومعارك فاصلة، واعتاد المسلمون أن يجعلوه بداية ونهاية لأعمالهم الخيرية، ومنطلقاً لمشاريعهم المباركة، وموسم خير يتذكرون فيه نعم الله التي لا تحصى عليهم.
ويجب الصوم إذا عُلِمَ بدخول الشهر، ويثبت ذلك حكماً بأحد أمرين:
1 - رؤية هلال رمضان.
2 - إكمال شعبان ثلاثين يوماً، لحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ - أي غُمَّ - عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين\" [متفق عليه].
وقيام شهر رمضان سنة، وله مزية على غيره، وثواب خاص، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه\" [متفق عليه]. ومن قيام رمضان صلاة التراويح التي تصلى جماعة، وهي سنة ثابتة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفعله، ثم تركها خشية أن تفرض على الأمة، ثم أحياها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. أما بالنسبة لعدد الركعات في صلاة التراويح فهو أمر فيه سعة ومن الأمور التي لا ينبغي للمسلمين أن ينكروا على بعضهم فيها، ولا أن تحدث الشحناء والصدامات في المساجد بسببها، فلم يحدد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدداً معنياً، وقد ورد عن السلف أقوال في ذلك، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن\".
وقال: \"ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ\" [مجموع الفتاوى 22/272، 23/112، 113] وعلى هذا من صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة قاصداً الإقتداء بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أحسن، ويرجى له الثواب على قدر نيته، ومن صلى ثلاثاً وعشرين محتجاً بما صح من فعل المسلمين في عهد عمر - رضي الله عنه - فقد أحسن.
نسأل الله أن يلهم المسلمين الرشد ويفقههم في دينهم، ويجعلهم يسترشدون من مدرسة رمضان، ويرزقون العلم والهدى والثبات على الحق والقيام بحق الله، والإخلاص في العمل، إنه وليّ ذلك والقادر عليه...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد