بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين – وبعد.
فإن في فرائض الله التي أوجبها على عباده أو ندبهم إليها من الفوائد الدينية والدنيوية والأخروية ما لا يحاط بها، ولا يدرك مداها، ولا يحس بها ويتمتع بلذتها وحلاوتها إلا من أداها بإخلاص تام ومتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - صادقة، وإن من تلك الفرائض والطاعات الصيام الواجب والمتطوع به، وسنورد في مقالنا هذا ما ييسره الله لنا من الفوائد المترتبة عليه:
أولا: التعبد لله والامتثال لأمره، وأن هذا غاية ما خلق من أجله الثقلان، قال – تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فطوبى لمن حقق ذلك، وقصد بعمله طاعة الخالق المالك سبحانه.
ثانيا: صحة الأبدان، وزوال العلل والأمراض وقد قيل: صوموا تصحوا، وذلك أن معدة الإنسان بحاجة إلى الراحة والمراعاة بين الحين والآخر، لتنشط وتسترد عافيتها، فتؤدي ما أنيط بها بقوة واقتدار، ولا يمكن أن يحصل ذ لك إلا بالصيام، ويلمح إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه))، وسؤال لأحد الأطباء المختصين يمنحك الجواب المبين، الذي جاءت به الشريعة قبل ألف وأربعمائة وثماني عشرة من السنين، فالحمد لله رب العالمين على ما من به على عباده المؤمنين.
ثالثا: الوسطية والاعتدال في الإنفاق والمأكل والمشارب، والابتعاد عن الإسراف والتبذير والتقتير تحقيقا لقوله سبحانه {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } وقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}.
رابعاً: قال ابن رجب، ومنها: كسر النفس، فإن الشبع والري ومباشرة النساء، تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.
خامساً: تخلي القلب للفكر والذكر، فإن تناول هذه الشهوات قد يقسي القلب ويعميه، ويحول بين القلب والذكر والفكر، ويستدعي الغفلة، وخلو البطن من الطعام والشراب ينور القلب، ويوجب رقته، ويزيل قسوته، ويخليه للذكر والفكر.
سادساً: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه، باقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء من فضول الطعام، والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك، يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج، ومواساته بما يمكنه من ذلك.
سابعاً: أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر ثورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصوم وجاء، لقطعه عن شهوة النكاح.
ثامناً: أن الصيام يحمل المسلم على فعل الفضائل وترك الرذائل والمحرمات من الأفعال والأقوال حفاظا على صيامه مما يخدشه وينقصه قال ابن رجب: واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله - تعالى - بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام، إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم، وأعراضهم، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) أخرجه البخاري.
وفي حديث آخر: ((ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث )) قال ابن المدني: على شرط مسلم.
تاسعا: الحث على التحلي بالآداب والأخلاق الفاضلة، وترك المراء والجدال والخصام وكل مذموم من الصفات دليل ذلك قوله في الحديث القدسي: ((فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم )) وهذا ليس ضعفا، بل قوة إيمانية ترفع صاحبها عن سفاسف الأمور، ومخاطبة الجاهلين قال – تعالى -: {والذين إذ ا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} وقال – سبحانه -: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}.
عاشراً: التعود على الصبر، فإن الصيام من الصبر وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((شهر رمضان شهر الصبر)) وهذا ظاهر حيث إن الصيام تجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة.
إحدى عشر: القيام بأداء الواجبات والمأمورات وتكميلها بالنوافل والمسنونات والابتعاد عن المنهيات وجميع أسباب المعاصي، والمتأمل في واقع المسلمين يرى ذلك واضحا للعيان، ولكن قد يشذ عن ذلك طوائف منهم فيدخلون تحت قاعدة النادر لا حكم له، وما ذاك إلا لأن شهر الصيام تفتح فيه أبواب الجنان وتصفد فيه الشياطين كما جاء ذلك في الخبر.
اثنا عشر: تعلم النظام وترتيب الأوقات، واستغلالها بكل نافع مفيد، فالصائم أكثر الناس استفادة من وقته، فمنذ بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس وهو في عبادة من صلاة، وقراءة للقرآن، وعمل واجب أو مندوب، وتقو على طاعة الله.
ثلاثة عشر: تقوية نفس المؤمن على الإنفاق والعطاء والصدقة وإعانة المحتاجين، وبذل الندى، وكف الأذى، والبعد عن الجفاء، والتعرف على أحوال إخوانه وأقربائه وأداء حقوقهم، والتفضل عليهم بما يستطيعه من أمور مادية أو معنوية، ويحسن أن نذكر هنا أن الأقربين أولى بالمعروف كما جاء في كتاب الله، والبداءة تكون بمن يعول الإنسان اتباعا لما قاله وأمر به الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
أربعة عشر: تلاوة القرآن الكريم وتدبره آناء الليل وأطراف النهار، فشهر رمضان هو شهر القرآن قال – تعالى -:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} وكان جبريل عليه السلام يدارس النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في رمضان، ودارسه إياه في آخر سنة مرتين، والسلف الصالح رحمهم الله ضربوا أروع الأمثلة، وأصدقها في الحرص على قراءة القرآن وتعلمه والعمل به وختمه وخصوصا في رمضان، حتى إنه ذكر عن بعضهم أنه كان يختم القرآن في يومه إضافة إلى أنهم كانوا يتركون تعلم العلم ومدارسة الحديث من أجل العناية بكتاب الله.
نسأل الله أن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يرزقنا الإخلاص والاحتساب في القول والعمل، ويجعلنا من العتقاء من النار في هذا الشهر المبارك.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد