بسم الله الرحمن الرحيم
لقد فرق أهل العلم - رحمهم الله - في هذه المسألة بين الأولياء وغيرهم، فبعد أن اتفقوا على أن الأولياء أولياء الأمر والقرابة يصلون على الميت متى حضروا بعد الصلاة عليه وبعد الدفن،
واختلفوا فيمن سوى الأولياء على أقوال، هي:
1. إذا فرغ الناس من الصلاة على الميت فلا يصلى عليها بعد ذلك ولا على القبر، وهذا مذهب مالك - رحمه الله -.
2. يُصلى على القبر إلى شهر.
3. يُصلى على القبر ما لم يبل الميت، الحنفية وبعض المالكية، وبلى الميت لا ينضبط.
4. يُصلى على القبر أبداً، وهذا قول مردود بعدم الصلاة على قبور النبي والصحابة.
أرجح هذه الأقوال: يصلى على القبر إلى شهر، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صح عنه أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر، أما صلاته على شهداء أحد بعد ثماني سنين فهو كالمودع لهم، وهي من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -.
أقوال العلماء في ذلك:
قال مالك في المدونة: (ومن أتى وقد فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يُصَلي عليها بعد ذلك، ولا على القبر، وليس العمل على ما جاء من الحديث في ذلك).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أما الميت فتجوز الصلاة عليه، ويصلى على قبره إلى شهر).
وقال الإمام النووي: (إذا حضر من لم يصل عليه بعد دفنه، وأراد الصلاة عليه في القبر أو أراد الصلاة عليه في بلد آخر جاز بلا خلاف للأحاديث السابقة في المسألة الثانية، وإلى متى تجوز الصلاة على المدفون فيه ستة أوجه، (أحدها) يصلى عليه إلى ثلاثة أيام، ولا يصلى بعدها حكاه الخرسانيون وهو المشهور عندهم، و(الثاني) إلى شهر، و(الثالث) ما لم يبل جسده، و(الرابع) يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته، و(الخامس) يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه يوم موته، وإن لم يكن من أهل الفرض فيدخل الصبي المميز، و(السادس) يصلى عليه أبداً، فعلى هذا تجوز الصلاة على قبور الصحابة - رضي الله عنهم - ومن قبلهم اليوم، واتفق الأصحاب على تضعيف هذا السادس).
وقال ابن قدامة في شرح ما قاله الخرقي: \"ولا يصلى على القبر بعد شهر\": (وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يصلى عليه أبداً، واختاره ابن عقيل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين، حديث صحيح متفق عليه، وقال بعضهم يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي إلى ثلاث، ولا يصلي عليه غيره بحالº قال إسحاق: يصلي عليه الغائب إلى شهر، والحاضر إلى ثلاثº ولنا ما روي سعيد بن المسيِّب: أن أم سعد ماتت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب، فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر، أخرجه الترمذي، وقال أحمد: أكثر ما سمعنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهرº ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت فيها، فجازت الصلاة عليه فيها، كما قبل الثلاث، وكالغائب، وتجويز الصلاة عليه مطلقاً باطل بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يصلى عليه الآن اتفاقاً، وكذلك التحديد ببلى الميت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلى، ولا يصلى على قبره).
وقال الشيخ البسام في اختياراته6: (أجمع العلماء على استحباب الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت، واختلفوا في المدة التي تجوز فيها الصلاة.
فذهب الحنفية والمالكية إلى جواز الصلاة ما لم يتغير الميت ويتفسخ، والمعتبر في معرفة التفسخ أهل الخبرة والمعرفة من غير تقدير بمدة، وذلك لاختلاف الحال، والزمان، والمكان، وذهب الشافعية إلى تقييدها بما إذا لم يبل الميت، وذهب الحنابلة إلى شهر واحد وتحرم الصلاة بعده، إلا زيادة يسيرة، قال الإمام أحمد: أكثر ما سمعت هذاº وقال ابن القيم في الهَدى: يروى من ثمانية أوجه أن النبي صلاهاº وقال ابن رشد: الصلاة على القبر ثابتة).
السنة الاستعجال بالصلاة على الميت ودفنه، وعدم تأخير ذلك لولي أو غيره، ما لم يكن قريباً ويرجى حضوره في الحال.
قال الشيرازي الشافعي: (إذا صلى على الميت بودر بدفنه ولا ينتظر حضور من يُصَلِّي عليه إلا الولي، فإنه يُنتظر إذا لم يخش على الميت التغير، فإن خيف عليه التغير لم ينتظر، وإن حضر من لم يصل عليه صلى عليه، وإن حضر من صلى مرة فهل يعيد الصلاة مع من لم يصلِّ، فيه وجهان، أحدهما يستحب..والثاني لا يعيد).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد