البشرى بدخول رمضان


 

 

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
 
 

(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ) (الحشر:18)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهدي الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .

سبحانه وتعالى حث عباده على مرضاته ، ورغبهم في جناته ، فقال عز من قائل : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)

وقال سبحانه : ( سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) (الحديد:21)

بهذه التعابير القرآنية الغاية في البيان والإبداع ( سارعوا ، سابقوا ) يكون الحث والترغيب الرباني للمؤمن أن ما ثمة وقت لغير ( السرعة و السبق ) فلا مجال للتراخي أو السير والمشي البطيء ، إنما السرعة قدر الطاقة ، والسبق لمن معك ، إذ أنت لست وحدك في ميدان التنافس على رضوان الله تعالى ، والفوز بجنة º عرضها السماوات والأرض .

ومن ثم قال الرب الكريم : ( وَفِي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ) (المطففين:26)


أيها الإخوة والأخوات الفضلاء :

يهل علينا بعد أيام شهر رمضان المبارك ، شهر يطول الشوق إليه ، فإن دخل ، شمر أهل السبق عن سواعد الإيمان ، وشدوا مئزر الجد والاجتهاد ... وهو شهر مبارك عند الله ، وعند أهل الإيمان فهنيئاً لنا شرف العيش ـ إن عشنا ـ لنصوم ونقوم هذا الشهر الكريم ..

فكل عام وأنتم بخير وعافية ، في دينكم ودنياكم ، ورضوان من الله أكبر

وليست التهنئة بشهر رمضان بدعاً من القول نردده º فهذا أبو هريرة يأتيك بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه :

لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد جَاءَكُم رَمَضَانُ شَهرٌ مُبَارَكٌ افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيكُم صِيَامَهُ تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ الجَنَّةِ وَيُغلَقُ فِيهِ أَبوَابُ الجَحِيمِ وَتُغَلٌّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ, مَن حُرِمَ خَيرَهَا قَد حُرِمَ . ( 1 )

قال ابن رجب : ( قال بعض العلماء : هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان . كيف لا يبشرُ المؤمن بفتح أبواب الجنان ، كيف لا يبشرُ المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يبشرُ العاقل بوقت يُغلٌّ فيه الشيطان ، من أين يُشبه الزمان زمانٌ ) ( 2 )

قال ُمعلى بن الفضل : ( كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم ) وقال يحيى ابن كثير : ( كان من دعائهم : اللهم سلِّمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلا . ) ( 3 )


أيها الأحبة :

بلوغ شهر رمضان وصيامه ، نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ، ووفقه أن يكون فيه من المتقين الأخيار ، وهو بابٌ من الخير عظيم ، يرجح كفة العبد المؤمن على غيره ممن لم يدرك شهر رمضان º حتى وإن توفي من لم يدرك الشهر الكريم شهيدا في سبيل الله تعالى .

فيا من تتوق للجهاد في سبيل الله ، وتشتاق لغباره الطيب ، هلا نظرت فيما يرويه طلحة بين عبيد الله ويقص عليك خبر ما رأى في منامه :

قال طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ :


أَنَّ رَجُلَينِ مِن بَلِيٍّ, قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ إِسلَامُهُمَا جَمِيعًا ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجتِهَادًا مِن الآخَرِ ، فَغَزَا المُجتَهِدُ مِنهُمَا فَاستُشهِدَ ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ .

قَالَ طَلحَةُ : فَرَأَيتُ فِي المَنَامِ ، بَينَا أَنَا عِندَ بَابِ الجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِن الجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنهُمَا ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي استُشهِدَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ : ارجِع فَإِنَّكَ لَم يَأنِ لَكَ بَعدُ .

فَأَصبَحَ طَلحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ.

فَقَالَ : مِن أَيِّ ذَلِكَ تَعجَبُونَ !

فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَينِ اجتِهَادًا ثُمَّ استُشهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الجَنَّةَ قَبلَهُ ؟

فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَلَيسَ قَد مَكَثَ هَذَا بَعدَهُ سَنَةً .

قَالُوا: بَلَى قَالَ : وَأَدرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِن سَجدَةٍ, فِي السَّنَةِ .

قَالُوا : بَلَى !

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَا بَينَهُمَا أَبعَدُ مِمَّا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ( 4 )
ابن ماجه وصححه الألباني

من رحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فهو الملوم

أتى رمضان مزرعة العباد *** لتطهير القلوب من الفساد


فأد حقوقه قولاً وفعلاً *** وزادك فاتخذه للمعاد


فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوّه نادما يوم الحصاد

أعلموا أحبتي : أن الناصح لنفسه لا تخرج عنه مواسم الخيرات وأيام القربات عطلا º لأن الأبرار ما نالوا البر إلا بالبر .

الناصح لنفسه يضع نصب عينيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يساء من عباده ) ( 5 )

فيتعرض لإحسان مولاه ، سبحانه من كريم أضحت رحالنا بباب كرمه مطروحة ، ورمضان سيد الشهور وتاج على مفرق الأيام والدهور .

رمضان ربيع التقىّ وقد فاح فواحه ..

رمضان يوسف الزمان في عين يعقوب الإيمان .

فمرحى بشهر طيب كريم مبارك .

· شهر نزول القرآن .


· شهر الشفاعة بالقرآن والصيام .


· شهر التراويح والتهجد .


· شهر التوبة وتكفير الذنوب .


· شهر تصفيد الشياطين .


· شهر غلق أبواب الجحيم .


· شهر فتح أبواب الجنان .


· شهر الجود والإحسان .


· شهر العتق من النيران .


· شهر ليلة القدر .


· شهر الجهاد والفتوحات .


· شهر مضاعفة الحسنات .


· شهر الصبر والشكر .


· شهر الدعاء .

يا غيوم غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي ..


يا شموس التقوى والإيمان اطلعي ..


يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي ..


يا قلوب الصائمين اخشعي ..


يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي ..


يا عيون المجتهدين لا تهجعي ..


يا ذنوب التائبين لا ترجعي ..


يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفس اقلعي ..


يا بروق العشاق للعشاق المعي ..


يا خواطر العارفين ارتعي ..


يا همم المحبين لغير الله لا تقنعي .. ( 6 )

يا أحبتي (ا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ )

يا من طالت غيبته عن مولاه ، قد قربت أيام المصالحة ....


يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة ...


فالبدار البدار ... فالأمر بين جنة ونار .


اللهم بلغنا رمضان ، و أعنا على صيامه وقيامه كما تحب يا ربنا وترضى ، واجعلنا فيه من عتقائك من النار يا رب العالمين .

كل عام وانتم على سنن الإيمان بألف خير ...

و لا تنسوني من صالح دعائكم ... فإني أخشى أن أكون جسرا تعبرون به إلى الجنان ، ويرمى به في النيران عياذا بالله من الخسران .

 


( 1 ) أخرجه النسائي و البيهقي والإمام أحمد ، قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق على مسند الإمام أحمد : إسناده صحيح .


( 2 ) لطائف المعارف / 279 .


( 3 ) لطائف المعرف / 280 .


( 4 ) رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه .


( 5 ) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي إسناد رجاله رجال الصحيح ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة .


( 6 ) نداء الريان /165 ـ 166 بتصرف .

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply