بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]، يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لأَلاَّ يَعلَمَ أَهلُ الكِتَابِ أَلاَّ يَقدِرُونَ عَلَى شَيءٍ, مِن فَضلِ اللَّهِ وَأَنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ [الحديد: 28، 29].
أيها المسلمون، الحديث عن سيرة المصطفى حديث تحبّه النفوس المؤمنة، وتأنس به القلوب المطمئنة، ولكن هل يكفي الحديث العابر والسرد المجرّد؟! وهل يُجدِي الترداد البارد والتكرار الجامد؟! إن حقًّا على أمة الإسلام وقد تشابكت عليها حلقات من المحن وتقاذفتها أمواج من الفتن وصِيح بهم من كل صوب وجانب وتداعى عليهم الأَكَلَة من كل مكان، إن حقًّا عليهم أن يعودوا إلى سيرة نبيهمº ليأخذوا منها الدروس، ويستلهموا العبر، لا في حال سلمهم وأمنهم فقط، ولكن في حال حربهم وجهادهم أعداءهم، وليس الأعداء الخارجيّون فحسب، بل حتى مع أعدائهم الذين هم من جلدتهم ويتكلمون بألسنتهم.
أيها الإخوة، لم يكن الأعداء ليركنوا إلى هدوء أو سكون، ولم يكونوا ليصرفوا أنظارهم عن دولة محمد طرفة عين، لقد أجمعوا أمرهم وشركاءهم، وأعملوا مكرهم ودسائسهم لحربها والقضاء عليها، ففي السنة الرابعة من الهجرة النبوية المباركة، ولما رأى اليهود انتصار المشركين على المسلمين في غزوة أحد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين وخروجه ثم رجوعه في العام المقبل، خرج أشرافهم إلى قريش بمكة، يحرّضونهم على غزو رسول الله ويؤلّبونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش إلى ما أرادوا، ثم خرجوا إلى غَطَفَان فدعوهم فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك فاستجاب لهم من استجاب، واجتمع من الكفار عشرة آلاف مقاتل، وخرج رسول الله في ثلاثة آلاف من المسلمين، فجعلوا جبل سَلع خلف ظهورهم، والخندق الذي أشار بحفره سلمان الفارسي أمامهم، وخرج عدو الله حُيَيّ بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القُرَظِي زعيم بني قُرَيظة، وكان قد وادع رسول الله وعاهده، فما زال به حتى نقض عهده مع رسول الله، وهكذا صار المسلمون بين فكَّين، وأصبحوا في قبضة عدوّين، جيوش المشركين أمامهم، وبنو قُرَيظة خلفهم. واشتدت الأزمة على المسلمين، وصاروا كما قال الله - تعالى -: وَإِذ زَاغَتِ الأَبصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنٌّونَ بِاللَّهِ الظٌّنُونَ هُنَالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالاً شَدِيدًا [الأحزاب: 10، 11]، وجعل المنافقون يسخرون ويستهزئون، ويجهرون بالحقد ويقولون: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!
هكذا أصبح الأمر شديدًا وحرجًا على المسلمين، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، وبدأ رسول الله بالتخطيط لمجابهة هذا الظرف الراهن، فاستشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ - رضي الله عنهما - في أن يصالح غَطَفَان على ثلث ثمار المدينة مقابل أن ينصرفوا ويعودوا، ويبقى المسلمون وقريش فيلحقوا بها الهزيمة ويجابهوها، فأجاباه قائلَين: يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعًا وطاعة، وإن كان شيئًا تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرًى أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلا السيف، وصوَّب رسول الله هذا الرأي، وقال: ((إنما هو شيء أصنعه لكمº لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)).
ويريد الله بالمسلمين خيرًا، ويقدّر لهم ظهورًا ونصرًا، فيهيئ لهم رجلاً من غَطَفَان يقال له: نُعَيم بن مسعود، إذ أتى إلى رسول الله وقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت، فقال رسول الله: ((إنما أنت رجل واحد، فخَذِّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خُدعة))، فذهب هذا الصحابي وجعل يتنقل ما بين اليهود والأحزاب حتى أفسد ما بينهم بذكائه وسرعة بديهته، فتخاذلوا ودبّت الفرقة في صفوفهم، وخارت عزائمهم، وضعفت قواهم، ثم بعث الله عليهم ريحًا هَوجَاء مخيفة في ليلة مظلمة باردة، بعد حصار دام ثلاثة أسابيع، فقلبت القدور، وطارت بالخيام، وقطعت الأطناب، واقتلعت الأوتاد، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكُرَاع والخُفّ، وأخلفتنا بنو قُرَيظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل. وفي صباح اليوم الثاني كان المشركون قد ولوا الأدبار، وعاد رسول الله وصحبه إلى المدينة، وانتهت هذه الغزوة دون قتال ولا عِرَاك، وقال رسول الله بعدها قولة الواثق بنصر ربه: ((الآن نغزوهم ولا يغزونا)).
ولقد أعطى الله المسلمين بهذه الغزوة دروسًا وألهمهم عبرًا، إذ كشفت لهم أن اليهود ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ هم من أشد الناس عداوة للمؤمنين، وقد أكد الرب - سبحانه - ذلك في كتابه حيث قال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا [المائدة: 82]، وأصبحت تلك الحقيقة واضحة لعباد الله المؤمنين، لا يجادل فيها إلا من طمس الله على قلبه، وأعمى عن الحق بصيرته.
ذكر ابن هشام في السيرة عن صفية بنت حُيَيّ - رضي الله عنها - قالت: لما قدم رسول الله المدينة ونزل قباء غدا عليه أبي وعمّي مُغَلِّسَين، ولم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، وسمعت عمي وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه ولا تنكره؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته ما بقيت. بهذا المنطق ـ إخوة الإسلام ـ نطق حبر اليهود حُيَيّ بن أخطب قاتله الله، وبهذا المنطق ينطق اليهود، وبه يفكرون، وله يعتقدون، فمع أنهم يعرفون الحق إلا أنهم لا يتبعونه، بل يحاربونه حربًا لا هوادة فيها.
إن اليهود ـ معشر المسلمين ـ قوم غَدَرَة فَجَرَة، يعاهدون ويعقدون، ثم ينقضون العهود والمواثيق ولا يبالون، يمدون يدًا للسلام ليطعنوا بالأخرى، ويظهرون الضعف وهم يخططون للشر والفساد ما استطاعوا، قلوبهم تغلي حسدًا على المسلمين وحقدًا، وصدورهم تمتلئ كراهية للمؤمنين وبغضًا، حاولوا قتل رسول الله مرارًا، ونقضوا عهده، وأشعلوا الحروب على مدى التأريخ وأوقدوها، وأسسوا الفرق الضالة منذ عهد الصحابة، وأجّجوا الخلافات، إن ماضيهم مظلم أسود معتم، وحاضرهم لا يقل عن ماضيهم إظلامًا وسوادًا، فها هم ما زالوا منذ عشرات السنين في فلسطين يذيقون المسلمين أشد أنواع التنكيل والتعذيب، بعد أن استولوا على أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين.
واليوم وبعد أن رأوا تخاذل المسلمين وضعفهم وتفرقهم وجدوا الفرصة سانحة والساعة مواتية، فانقضوا على بلاد الرافدين، يريدون أن يمدوا سلطانهم على المناطق الأخرىº ليكملوا أجزاء دولتهم المزعومة الموهومة، والتي يخططون لها من الفرات إلى النيل، أفيظن مؤمن بعد هذا أنهم يريدون الخير للآخرين؟! أفيظن مسلم أنهم دعاة سلام في يوم من الأيام؟!
إننا ـ مسلمين وعربًا ـ يجب أن نعتقد بأن اليهود من أشد الناس عداوة لنا، وأنهم لن يرضوا عنا أبدًا إلا إذا انسلخنا عن ديننا الحق، واتبعناهم في دينهم الباطل، قال - تعالى -: وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم [البقرة: 120]، هذا هو قول ربنا الذي يعلم طبائع البشر وأخلاقهم، وتلك توجيهات القرآن وتعليماته منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، ولن يرضوا هم والنصارى عنهم حتى يكفروا بالله، ويتهودوا مثلهم أو يتنصروا، جاهلٌ أشد الجهل من يظن خلاف هذا، ومخطئ كلَّ الخطأ من ينتظر أن يتخلّى اليهود والنصارى في يوم من الأيام عن طبائعهم ومعتقداتهم، فيكونوا له إخوة أو أصدقاء، أو يوفوا بعهد، أو يصدقوا في ميثاق.
ومن دروس غزوة الأحزاب ـ أيها المؤمنون ـ أن العدو مهما جمع عدّته وعتاده ومهما ازداد عدده وكثر سواده ومهما قلَّ عدد المسلمين وضعفت قوتهم وأحيط بهم إلا أن الأمر كله لله القوي العزيز وبيده - سبحانه -، وهو القادر في أية لحظة على إهلاك العدو وإضعافه بجنوده الكثيرة التي لا يعلمها إلا هو - سبحانه -، منها الريح التي تلقي الرعب في قلوب الأعداء: وَمَا يَعلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [المدثر: 31]، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4]، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 7]. ولهذا ـ أيها المسلمون ـ فإن فريضة الجهاد لا تنتظر تكافؤ العدد والعدة الظاهرة بين المؤمنين وعدوهم، فيكفي المؤمنين أن يعدوا ما استطاعوا من القوى، وأن يتقوا الله، وأن يثقوا بنصره، ويثبتوا ويصبروا، وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئًا [آل عمران: 120]. يقول عبد الله بن رواحة لأصحابه في غزوة مؤتة: (والله، ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين: إما ظهور وإما شهادة).
وإن لنا ـ أيها المسلمون ـ في جهاد أفغانستان ضد أكثر من دولة مما يسمى بالدول العظمى في السنوات الماضية، إن لنا في ذلك لشاهدًا حاضرًا على أن الجهاد توكّل وإعداد، لا كثرة عدد وأعداد، وكَم مِن فِئَةٍ, قَلِيلَةٍ, غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 249].
لكن أول عدد النصر والاستعداد هو الرجوع إلى الله والالتصاق بركنه الركين، والانتصار على النفس وشهواتها، ودحر الشيطان وأعوانه. والأعداء ما كانوا أعداء إلا لمخالفتهم لأمر الله، وإذا اشترك الفريقان في المعصية والمخالفة فليس هناك مزية. إن المؤمن حين يعادي ويعارك وحينما يقاتل ويجاهد فهو إنما يعادي لله ويعارك لله، ويجاهد في سبيل الله، ويقاتل بقوة الله.
وفي غزوة الأحزاب ـ أيها المسلمون ـ قد أتى المشركون بجميع ما لديهم للقضاء على المسلمين، في هذا الظرف الصعب الدقيق الذي بلغت القلوب فيه الحناجر يبشّر الرسول الواثق بنصر ربه وتمكينه لدينه، يبشّر بانتصار الإسلام وانتشاره وهيمنته على الدين كله، عن البراء بن عازب قال: لما أمرنا رسول الله أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المِعوَل، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله فجاء رسول الله فألقى ثوبه، وأخذ المِعوَل وقال: ((بسم الله))، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا))، قال: ثم ضرب أخرى، وقال: ((بسم الله))، وكسر ثلثًا آخر، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن))، ثم ضرب ثالثة، وقال: ((بسم الله))، فقطع الحجر، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء)). إنه الاعتزاز بالله - سبحانه - والاعتماد عليه، إنه التوكل على الله الذي افتقده المسلمون أيامنا هذه، وصار اعتمادهم وتوكلهم على الأسباب المادية والمحسوسة، إنها الثقة بالله وبنصره، والتي صارت عند المسلمين اليوم متعلقة بالدرهم والدينار والقوى المادية البحتة أكثر من تعلقها بالمولى الكريم الذي عنده خزائن كل شيء وبيده مفاتيح كل شيء.
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، وتوكلوا عليه، وَلِلَّهِ غَيبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلٌّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَمَا رَبٌّكَ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ [هود: 123].
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله - تعالى -حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
معاشر الإخوة في الله، البلايا والمحن محك يكشف عما في القلوب، ويظهر مكنون الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء. عند الحوادث يتميز الغَبَش من الصفاء، والهَلَع من الصبر، والثقة من القنوط. ولقد يظن الإنسان في نفسه قبل البلاء القدرة والشجاعة، ويحسب فيها التجرّد والنزاهة، ويتوقع منها البعد عن الشح والحرص، فإذا نزلت النازلة ووقعت الواقعة واشتبكت الجيوش وحمي الوَطِيس تبيّن مَن بكى ممن تباكى، وأدرك المرء أنه كان بحاجة إلى تمحيص ومراجعة، وأن من الخير له أن يعتبر ويتعظ ويستدرك قبل أن يكون عبرة ويقع ضحية، وَلِيَبتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُم وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ [آل عمران: 154].
إن من حكمة الله في الابتلاء أن تستيقظ النفس، ويرق القلب بعد طول غفلة، فيتوجه الخلائق إلى ربهم يتضرعون إليه، ويطلبون رحمته وعفوه. إعلان تام للعبودية لله وحده، وتسليم كامل لله رب العالمين، إنابة واستكانة تصلح بها حياتهم ومعاشهم، يتصلون بربهم، ويتحررون من شهواتهم وأهوائهم، ومن ثَمَّ يجدون في ظل الضراعة والإنابة والاستكانة، يجدون الطمأنينة والراحة والأمل في الفرج والوعد بالبشرى، وَذَا النٌّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادَى فِي الظٌّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِينَ [الأنبياء: 87، 88].
وكفى بالتضرع ـ أيها المسلمون ـ دليلاً على الرجوع إلى الله، ولجوءًا إليه، وأملاً في الفرج من عنده، وحِرزًا واقيًا من الغفلة. فلا يُرجَى في الشدائد إلا الله، ولا يُقصَد في المُلِمّات سواه، ولا يُلاذ إلا بجنابه وحماه، ولا تُطلَب الحوائج إلا من بابه. لا سند إلا سنده، ولا حول ولا قوة إلا به، لا ملجأ منه إلا إليه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هو المتصرف في الملك ولا معقب لحكمه.
نعم أيها الإخوة، في البلاء يتجلّى توكل المتوكلين، ومن وجد في قلبه اعتمادًا على غير ربه فليراجع إيمانه. يقول سعيد بن المسيب: \"التوكل على الله جماع الإيمان\". وأصدق من ذلك وأبلغ قول الحق- تبارك وتعالى -: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ [المائدة: 23]. وليعلم علم اليقين أن المؤمن مَكفِيُّ سوء البلاء ما استقام على أمر الله، محفوظ من كيد الأعداء ما اعتصم بالله.
فاتقوا الله جميعًا أيها المؤمنون، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ [النور:31].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد