بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعدُ، فإِنَّ ممَّا يَكثُرُ في أَيَّامِ العُطَلِ وَالإِجازَاتِ، وَهُوَ مِنَ الظَّواهِرِ الصَّحِيَّةِ في المجتمعِ، زِيَارَةَ الأَقَارِبِ لأَقَارِبِهِم، وَصِلَتَهُم ذَوِي أَرحامِهِم، إِضافَةً إلى وَلائِمِ الأَفرَاحِ وَحَفَلاتِ الزَّواجِ، حيثُ تجتَمِعُ الأُسَرُ والبُيُوتَاتُ، وَيَلتَقِي الأَصهَارُ والأَحمَاءُ وَالأَنسَابُ، وَتَأتَلِفُ القُلُوبُ وَتَتَقَارَبُ النٌّفُوسُ، وَيَكمُلُ بِذَلِكَ الفَرَحُ وَيَتِمٌّ السٌّرُورُ... وَهَذِهِ الاجتماعاتُ التي تحصُل، وتِلكَ الوَلائِمُ التي تُقَامُ، في ظِلِّ ما يَتَمَتَّعُ بِهِ الناسُ مِن وَارِفِ الأَمنِ وَرَغِيدِ العَيشِ، إنما هي مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ وَآلائِهِ الجَسِيمَةِ، التي يجِبُ أَن تُشكَرَ لِتَقرَّ وَلا تَفِرَّ، عَمَلاً بِقَولِ المولى - تبارك وتعالى -: \" وَإِذ تَأَذَّنَ رَبٌّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم \" فَفِي الوَقتِ الذي يَنَامُ فِيهِ إِخوَانٌ لنا غَيرَ بَعِيدٍ, مِنَّا على خَوفٍ, وَجُوعٍ, وَنَقصٍ, مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَيصحَونَ على هَمٍّ, وَحَزَنٍ, وَقَلَقٍ,، بِسَبَبِ ما يَسُومُهُم بِهِ اليَهُودُ وَالنصارى مِن سُوءِ العَذَابِ، أَقُولُ في ذلك الوقتِ العَصِيبِ عَلَيهِم نَسأَلُ اللهَ أَن يُفَرِّجَ عنهُم، نَنعَمُ نحنُ بِالأَمنِ وَالرِّيِّ وَالشِّبَعِ، وَنَتَمَتَّعُ بِلِقَاءِ مَن نَوَدٌّ وَرُؤيَةِ مَن نُحِبٌّ بَينَ وَقتٍ, وَآخَرَ، مُطمَئِنِّينَ غَيرَ مَفزُوعِينَ وَلا مَطرُودِينَ، فَلِلهِ الحَمدُ على مَزِيدِ نِعَمِهِ، وَلَهُ الشٌّكرُ على وَافِرِ عَطَائِهِ، إِلاَّ أنها تَبرُزُ في أَثنَاءِ هذِهِ الاجتِمَاعَاتِ وَتِلكَ اللِّقَاءَاتِ أَو قَبلَهَا أَو بَعدَهَا ظَوَاهِرُ سَلبِيَّةٌ غَيرُ مَرغُوبٍ, فِيهَا، وَتصَرٌّفَاتٌ سَيِّئَةٌ تُنبِئُ عَن عَدَمِ تَفَكٌّرٍ, في العَوَاقِبِ، ظَوَاهِرُ تُكَدِّرُ الصَّفوَ وَتُنَغِّصُ الحَيَاةَ، وَتَصَرٌّفَاتٌ تُبَيِّنُ عَدَمَ تَقدِيرِ بَعضِنا لِنَعمَةِ اجتِماعِ القُلُوبِ وَائتِلافِ الأَفئِدَةِ، وممَّا يجعَلُ العَاقِلَ يَقِفُ حَائِرًا مَبهُوتًا، أَن تَقَعَ تِلكَ التَّصرٌّفاتُ ممَّن يُظَنٌّ فِيهِم الخَيرُ، وَيَرضَى بها مَن يُنتَظَرُ مِنهم أن يَكُونُوا على مُستَوًى مِنَ التَّعَقٌّلِ وَالتَفكِيرٍ, أَعلَى وَأَكمَلَ. مِن تِلكَ الظَّوَاهِرِ ـ أيها المسلمون ـ الإِسرَافُ في المَطَاعِمِ وَالمَشَارِبِ، وَالتَّبذِيرُ الزَّائِدُ في الدَّعَوَاتِ وَالوَلائِمِ، فِيمَا يُظَنٌّ أَنَّهُ مِنَ الكَرَمِ وَالسَّمَاحَةِ وَالنَّدَى، وَهُوَ في حَقِيقَةِ أَمرِهِ نَوعٌ مِن جُحُودِ النِّعمةِ وَكُفرانِ المُنعِمِ - سبحانه - وَإِلاَّ فَإِنَّ العاقلَ الذي يَقدُرُ النِّعمَةَ حَقَّ قَدرِها، وَيَرَى الناسَ مِن حُولِهِ يُتَخَطَّفُونَ مِن أَرضِهِم، يَعلَمُ أَنَّ أَيَّ قَدرٍ, زَائدٍ, على ما يَسُدٌّ جَوعَةَ ضُيُوفِهِ وَيستُرُ وَجهَهُ، إِنما هُوَ في الغَالبِ نَوعٌ مِنَ الفَخرِ وَالخُيَلاءِ لا يُحِبٌّهُ اللهُ، وَضَربٌ مِنَ الرِّيَاءِ وَطَلَبِ السٌّمعَةِ لا يُكتَسَبُ مِنهُ إِلاَّ السَّيِّئَاتُ وَالذٌّنُوبُ، وقد قال - سبحانه -: \" تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ \" وقال - جل وعلا -: \" إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا \" وقال - تعالى -: \" يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ, وكُلُوا وَاشرَبُوا وَلاَ تُسرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبٌّ المُسرِفِينَ \" وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الإِسرافِ فقال: \" كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا في غَيرِ إِسرَافٍ, وَلا مخِيلَةٍ, \" وَأَمَّا مَا يخشَاهُ بَعضُ الناسِ مِن تحدٌّثِ الناسِ عنه أَو اتِّهَامِهِم إِيَّاهُ بِالشٌّحِّ وَالبُخلِ إِن هُوَ اقتَصَرَ على القَدرِ الوَاجِبِ وَلم يُبَذِّر، فَإِنما هُوَ تَسوِيلٌ مِنَ الشَّيطَانِ، وَوَهمٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ في الوَاقِعِ ولا وُجُودَ، يَدفَعُهُ المُؤمِنُ بِإِيمانِهِ أَنَّ اللهَ أََحَقٌّ أَن يُرضِيَهُ وَيَرعَى نِعمَتَهُ وَيخشَاه وَيخَافَهُ، فهو - سبحانه - الذي أَعطَى هذِهِ النِّعمَةَ، وَهُوَ وَحدَهُ القَادِرُ على سَلبِها في أَيِّ وَقتٍ, \" قُل هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذَابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ, انظُر كَيفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُم يَفقَهُونَ \" وهُوَ - سبحانه - الذي يَزِينُ مَدحُهُ وَيَشِينُ ذَمٌّهُ، مَن رَضِيَ عَنهُ فلا يَضُرٌّهُ سَخَطُ مخلُوقٍ,، وَمَن سَخِطَ عَلَيهِ فَمَن ذَا الذي يُنجِيهِ وَلو رَضِيَ عنه كُلٌّ أَهلِ الأَرضِ، في الحديثِ الصحيحِ أَنَّ رجُلاً قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ حمدِي زَينٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَينٌ، فَقَال النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: \" ذَاكَ اللهُ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" مَن أَرضَى اللهَ بِسَخَطِ الناسِ، - رضي الله عنه - وَأَرضَى عنه الناسَ، وَمَن أَرضَى الناسَ بِسَخَطِ اللهِ، عَادَ حَامِدُهُ مِنَ الناسِ لَهُ ذَامًّا \" وَليَتَذكَّر كُلٌّ مُسرِفٍ, مُبَذِّرٍ, قَولَ الحَقِّ - جل وعلا -: \" وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ, فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ \" وَمِنَ الظَّوَاهِرِ السَّلبِيَّةِ في الاجتِمَاعَاتِ، أَن تجتَمِعَ الأَبدَانُ وَالأَفئِدَةُ مختَلِفَةٌ، وَتَتَعَارَفَ الأَجسَادُ وَالقُلُوبُ مُتَنَافِرَةٌ، وَأَشَدٌّ مِن ذَلِكَ وَأَنكَى، أَن تَجِدَ مَن يَخنَسُ عَن تِلكَ الاجتِمَاعَاتِ وَلا يحضُرُها، أَو يَتَكَلَّفُ المَعَاذِيرَ لِلهُرُوبِ مِنها وَالابتِعَادِ عَنهَا، لماذا؟ أَهُوَ لِمُنكرٍ, فِيهَا لا يَستَطِيعُ إِزَالَتَهُ وَلا تَغيِيرَهُ؟! أَهُوَ لأَن لا فَائِدَةَ له مِنها في دِينِهِ؟! أَلأَنَّهُ مَشغُولٌ وَلا وَقتَ لَدَيهِ لِلحُضُورِ، لا، وَإِنما لأَنَّ فِيها قَرِيبَهُ فُلانًا أَو نَسِيبَهُ عَلاَّنًا، الذي اختَلَفَ مَعَهُ عَامَ أَوَّلَ، أَو وَشَى بَينَهُمَا مَن لا يخَافُ اللهَ، فَأَصبَحَا وَكأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ مُتَحَارِبَانِ، لا يُطِيقُ أَحدُهُما مُقَابَلَةَ الآخَرِ وَلا يَتَحَمَّلُ رُؤيَتَهُ. وَايمُ اللهِ، إِنَّ هذَا لِمَن قِلَّةِ البركَاتِ وَالحِرمَانِ الكَبِيرِ، حَيثُ نجَحَ الشيطانُ وَأَعوَانُهُ في التَّحرِيشِ بَينَ المُسلِمِينَ وَإِيقَاعِ العَدَاوَةِ بَينَهُم، فَحَرَمُوا أَنفُسَهُم بِذَلِكَ عَظِيمَ الأَجرِ وَكَرِيمَ الثَّوَابِ، وَقَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ، حُرِمُوا صَفَاءَ الأَنفُسِ وَنَقَاءَ القُلُوبِ وَسَلامَةَ الصٌّدُورِ، التي هي مِن أَسبَابِ خَيرِيَّةِ العَبدِ ورِضا اللهِ عنه وَقَبُولِهِ عَمَلَهُ، حيثُ قال - صلى الله عليه وسلم -: \" تُفتَحُ أَبوَابُ الجنةِ يَومَ الاثنينِ وَيَومَ الخَمِيسِ فَيُغفَرُ فِيها لِكُلِّ عَبدٍ, لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ فَيُقَالُ: أَنظِرُوا هَذِينِ حتى يَصطَلِحَا \" وَعِندَمَا سُئِلَ - عليه الصلاة والسلام -: أَيٌّ الناسِ أَفضَلُ؟ قال: \" كُلٌّ مخمُومِ القَلبِ صَدُوقِ اللِّسانِ \" قالوا: صَدُوقُ اللِّسانِ نَعرِفُهُ، فَمَا مخمُومُ القَلبِ؟ قال: \" هو التَّقِيٌّ النَّقِيٌّ لا إِثمِ فِيهِ وَلا بَغيَ وَلا غِلَّ وَلا حَسَدَ \" وَإِنَّ ممَّا لا يُذكَرُ لِتَفَاهَتِهِ وَحَقَارَتِهِ، لكِنَّ الرِّجالَ بُلُوا بِهِ في زَمَنِ ضَعفِ العُقُولِ وَسَفَاهَةِ الأَحلامِ، أَنَّ بَعضَ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ وَالتَّشَاحُنِ، كان مِن أَسبَابِهِ أَن حَدَثَ خِلافٌ بَينَ الأَطفَالِ أَوِ النِّسَاءِ في زِيَارَةٍ, أَو في وَلِيمَةٍ,، أَو كَلِمَةٌ فُهِمَت على غَيرِ مَقصُودِ صَاحِبِها، أَو خِلافَاتٌ قَدِيمةٌ أَحيَاهَا شَيطَانٌ مِنَ شَيَاطِينِ الإِنسِ بَعدَ أَن مَاتَت وَأَكَلَ عَلَيهَا الزَّمَنُ وَشَرِبَ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ! مَا أَتفَهَ عُقُولَ بَعضِ الناسِ وَأَرذَلَ تَفكِيرَهُم! وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ! كَم يَحرِمُونَ أَنفُسَهُم مِنَ الأُجُورِ وَالبركَاتِ بِسَبَبِ ضَعفِ تَحَمٌّلِهِم وَضِيقِ عَطَنِهِم! فَرَحِمَ اللهُ مَن كان وَاسِعَ الصَّدرِ قَوِيَّ التَّحمٌّلِ، كَم هُوَ حَبِيبٌ إِلى اللهِ حَبِيبٌ إلى الناسِ! قال - سبحانه -: \" وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ, عَظِيمٍ, \" وقال - صلى الله عليه وسلم - لأَشَجِّ عَبدِالقَيسِ: \" إِنَّ فِيكَ لَخَصلَتَينِ يُحِبٌّهُما اللهُ - تعالى -: الحِلمُ وَالأَنَاةُ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" وَمَن يَتَصَبَّر يُصَبِّرهُ اللهُ، وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيرٌ وَأَوسَعُ مِنَ الصَّبرِ \" وَمِنَ الظَّواهِرِ السَّيِّئَةِ في الاجتماعاتِ، أَن تُجعَلَ مجالاً لِلمُغَالاةِ في الملابِسِ أَو مَعرِضًا لإِبرَازِ الزِّينةِ، إِذ يُحِسٌّ بَعضُ الناسِ في نَفسِهِ مِنَ النَّقصِ شَيئًا وَافِرًا، فَيَسعَى لِتَعوِيضِهِ بِالمُبَالَغَةِ في لِبسِ الثِّيَابِ أَوِ الظٌّهُورِ وَالتَّشبٌّعِ بِمَا لَيس عِندَهُ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \" المُتَشَبِّعُ بِمَا لم يُعطَ كلابِسِ ثَوبي زُورٍ, \" وَأَكثَرُ مَا يَظهَرُ ذَلِكَ لدى النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ، حَيثُ يَعمَدُونَ إِلى أَغلى الثِّيَابِ وَأَثمَنِ الحُلِيِّ، لِيُظهِرُوا مِن أَنفُسِهِم مَا لَيسُوا لَهُ بِمُقرِنِينَ، وَكُلٌّ ذَلِكَ على حِسَابِ وَليِّ الأَمرِ أو كَبِيرِ العَائِلَةِ، الذي قَد يَقتَرِضُ أَو يَستَدِينُ، أَو يُكلِّفُ نَفسَهُ رَهَقًاº لِيُرضِيَ النِّسَاءَ أَوِ السٌّفَهَاءَ، غَيرَ مُلتَفِتٍ, إِلى مَا نهاهُ اللهُ عنه حَيثُ قال: \" وَلاَ تُؤتُوا السٌّفَهَاءَ أَموَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُم قِيَامًا وَارزُقُوهُم فِيهَا وَاكسُوهُم وَقُولُوا لَهُم قَولاً مَعرُوفًا \" وَمِنَ الظَّوَاهِرِ غَيرِ المَرغُوبَةِ في الاجتماعاتِ، السَّهَرُ الزائِدُ عَن حَدِّهِ، حَيثُ اعتَادَ الناسُ عِندَ اجتماعِهِم في العُطَلِ، أَن يَغتَنِمُوا فُرصَةَ لِقَاءِ الأَحبَابِ وَالأَترَابِ، فَيَقطَعُوا اللَّيلَ كُلَّهُ أَو جُلَّهُ، في سهرٍ, على أحاديثَ جَانِبِيَّةٍ,، أَو تَبَادُلٍ, لِلطَّرَائِفِ وَالنٌّكَاتِ، فَلا يَشعُرُون إِلاَّ وَقَد طَلَعَ عليهم الصٌّبحُ أو كَادَ، فَيُلقُونَ بِجُنُوبِهِم على وَثِيرِ الفُرُشِ مُنهَكِينَ، ثم لا يُقِيمُونَ بَعدَ ذَلِكَ لِصَلاةِ الفَجرِ وَزنًا، بل منهم مَن يُتبِعُها بِصَلاتَيِ الظٌّهرِ والعَصرِ أَو إِحدَاهما، غَيرَ مُنتَبِهِينَ إلى عِظَمِ الأَمرِ وَفَدَاحَةِ الخَطبِ، حَيثُ تَرَكُوا الصلاةَ التي هي عَمُودُ الإِسلامِ، وَالفَارِقَةُ بَينَ الكُفرِ وَالإِيمانِ، والتي لم يَكُن أَصحَابُ محمدٍ, يَرَونَ مِنَ الأَعمَالِ شَيئًا تَركُهُ كُفرٌ غَيرَها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" العَهدُ الذي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" أَثقَلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِما لأَتَوهما ولو حَبوًا، وَلَقَد هَمَمتُ أَن آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثم آمُرَ رَجُلاً يُصلِّي بِالنَّاسِ، ثم أَنطَلِقَ مَعِيَ بِرِجالٍ, مَعَهُم حِزَمٌ مِن حَطَبٍ, إلى قَومٍ, لا يَشهَدُونَ الصلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِم بُيُوتَهُم بِالنَّارِ \" وقال: \" مَن تَرَكَ صَلاةَ العَصرِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ \" أَمَّا حِينَ يَكُونُ السَّهرُ على ما حَرَّمَ اللهُ استِمَاعَهُ أوِ النَّظَرَ إِلَيهِ، مِن غِنَاءٍ, أَو تمثِيلِيَّاتٍ, أَو مَسرَحِيَّاتٍ, أَو غَيرِها، فَتِلكَ ظُلُمَاتٌ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ,، وَمِثلُهُ حِينَ يَكُونُ في السَّهرِ اختِلاطٌ بَينَ رِجالٍ, وَنِسَاءٍ, غَيرِ محارِمٍ, وَلَو كَانُوا أَقرِبَاءَ، فَقَد قال - عليه الصلاة والسلام - \" إِيَّاكُم وَالدٌّخُولَ على النِّسَاءِ، فقال رَجُلٌ: يَا رَسولَ اللهِ، أَرَأَيتَ الحَموَ؟ قال: \" الحَموُ المُوتُ \" وَمِنَ الظَّوَاهِرِ السلبيةِ في بَعضِ الاجتِمَاعَاتِ وَلا سِيَّمَا حَفَلاتُ الزَّواجِ، ما يَنتَشِرُ فِي بَعضِها مِن جِدَالاتٍ, وَمُمَارَاةٍ,، خَاصَّةً في المُحَاوَرَاتِ وَالعَرضَاتِ، حَيثُ التَّفَاخُرُ بِالأَنسَابِ وَالتَّعالي بالأَحسَابِ، وَتَعيِيرُ الآخَرِينَ وَنَبزُهُم بِالأَلقَابِ، وَالحَطٌّ مِن شَأنِ قَبَائِلَ بِأَسرِها أَوِ السٌّخرِيَةُ مِنها، أَوِ الرَّفعُ لأُخرَى وَالغُلُوٌّ في مَدحِها، وَكُلٌّ ذلك ممَّا لا يُؤجَرُ عَلَيهِ المُسلِمُ وَلا يُثَابُ، بَل هُوَ ممَّا قَد نُهِيَ عنه وَحُذِّرَ منه، وَهُوَ إِن وَقَعَ فِيهِ على إِثمٍ, وَخَطِيئةٍ,، قال - سبحانه -: \" يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ, عَسَى أَن يَكُونُوا خَيرًا مِنهُم وَلا نِسَاء مِن نِسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ بِئسَ الاِسمُ الفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ وَمَن لم يَتُب فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ \" وقال - تعالى -: \" يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ, وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ \" وقال - جل وعلا -: \" وَالشٌّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ. أَلَم تَرَ أَنَّهُم فِي كُلِّ وَادٍ, يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُم يَقُولُونَ مَا لا يَفعَلُونَ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" لَيَنتَهِينَّ أَقوَامٌ يَفتَخِرُونَ بِآبَائِهِم الذين ماتوا إِنما هُم فَحمُ جَهَنَّمَ، أَو لَيَكُونُنَّ أَهوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهدِهُ الخُرءَ بِأَنفِهِ، إِنَّ اللهَ أَذهَبَ عَنكم عِبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤمِنٌ تَقِيُّ أَو فَاجِرٌ شَقِيُّ، النَّاسُ كُلٌّهُم بَنُو آدَمَ وَآدمُ خُلِقَ مِنَ التٌّرَابِ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ, في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَان مُحِقًّا \" ألا فاتقوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاحذَرُوا مِثلَ هذِهِ الظَّوَاهِر ِالتي لا يُبتَلَى بها مجتَمَعٌ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا، ورَضِيَ بمحمدٍ, نَبِيًّا ورسولا، أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ: \" يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ. وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَتَ اللهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَىَ شَفَا حُفرَةٍ, مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ. وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَـئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ \"
الخطبة الثانية:
أما بعدُ، فاتقوا اللهَ - تعالى - وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ الاجتِمَاعاتِ ما كَانَت على طَاعةِ اللهِ وَخَلَت مِن مَعصِيَتِهِ، وَخَيرَ الصَّدَاقَاتِ وَالمحبَّةِ مَا كَانَت لِوَجهِ اللهِ خَالِصَةً، وَعَنِ الرِّيَاءِ وَالسَّمعَةِ نَائِيَةً، قال - سبحانه -: \" الأَخِلاء يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلاَّ المُتَّقِينَ. يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ. ادخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ. يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ, مِن ذَهَبٍ, وَأَكوَابٍ, وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذٌّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ. وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ. لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ \" إنما هِيَ أَرحَامٌ وَأَنسَابٌ وَعِلاقَاتٌ، يَتَعَارَفُ بها الناسُ وَعَلَيهَا يَجتَمِعُونَ، وَهُم عَلَى رِعَايَتِهَا مَأجُورُونَ مُثَابُونَ، لكنَّها لا تَنفَعُ مَن خَفَّت مَوَازِينُهُ بَعدَ المَوتِ وَلا تُنجِيهِ مِن عَذَابٍ, أَلِيمٍ,، وَإنما يَنفعُهُ عَملُهُ الصالحُ وَمَا قَدَّمَهُ أَمَامَهُ، قال - سبحانه -: \" فَإِذَا نُفِخَ فِي الصٌّورِ فَلا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلا يَتَسَاءلُونَ. فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ \" ألا فاتقوا اللهَ ـ أيها المؤمنون ـ وَصِلُوا أَرحَامَكُم وزُورُوا أَقارِبَكُم للهِ وفي اللهِ، تَنَالُوا عَظِيمَ الأَجرِ مِن عِندِ اللهِ، قال - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ \" وقال - عليه الصلاة والسلام - فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ - تبارك وتعالى - أنه قال: \" وَجَبَت مَحبَّتِي لِلمُتَحَابِّينَ فيَّ وَالمُتَجَالِسِينَ فيَّ وَالمُتَبَاذِلِينَ فيَّ وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ \" وقال - عليه الصلاة والسلام -: \" مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ,:أَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجنةِ منزِلاً \"
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد