بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً. أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله - تعالى -حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، تمسكوا بلا إله إلا الله قولاً وعملاً واعتقاداً، واشكروا نعمة الله أن بعث لنا نبياً مصطفى كريماً، بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، يتلوا علينا آيات الله والحكمة، ويزكينا، أخرجنا الله به من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد والقرآن (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد) [إبراهيم: 2].
عباد الله إنه ومع الأسف الشديد، اختلط على الكثيرين منا العلم بالجهل، والحقيقة بالخرافة، حتى راج سوق الخرافة والدجل والشعوذة والكهانة (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)[النور: 40].
يا مؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ثقوا بالله - تعالى -فما جعل من داء إلا جعل له شفاء، فلم يجعل شفاء العباد بيد أحد من خلقه، لا ملَك مقرّب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن ساحر كذاب دجّال (وإذا مرضت فهو يشفين)[الشعراء: 80].
هذا هو التوحيد الخالص أن نؤمن أن النافع والضار هو الله - جل وعلا -، وأن كاشف الضّر مجيب دعوة المضطر هو الله - تعالى -، وأن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله [رواه البخاري]، وأن أمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك إلا للمؤمن [رواه مسلم].
فمن نعمة الله ورحمته أنه لم يجعل شفاء العباد، ولا أمورهم عند السحرة والكهنة، والمشعوذين، وسفلة الناس لا يمكن أن يكونوا محل رحمةٍ, للناس وشفاءٍ, وعافية، كيف يكونون كذلك وهم أكفر الناس عقيدةً، وأخبث الناس طبعاً، عبدوا الشياطين ووقعوا في سخط الله وغضبه، أعمالهم قامت على الكفر بالله، وإهانة حرمات الله والسخرية بشعائر الإسلام.
ألا تعلمون - حفظكم الله - أن منهم من يذبح للشياطين؟ وأن منهم من يسجد للشياطين، ويسجد للكواكب؟ كل ذلك ليبينوا ولاءهم المطلق للشياطين. هل يخطر ببال أحدكم أن من السحرة من يجعل المصحف تحت قدميه ويدخل به الخلاء؟ وأن تُكتب الآيات الكريمات بالقاذورات والدماء النجسة؟ ألا تعلمون أنهم يصلون أمام الناس بدون وضوء؟ فهم لا يذكرون الله - تعالى -.
أتدرون عباد الله ما المشكلة الكبرى؟ المشكلة أن بعض إخواننا المغفلين السذّج اغترّ بالشكل وأعجبه حسن المظهر والمنطق. ألا تعلمون أن السحرة الآن اتخذوا أسلوب الخلط على المشاهدين فيقولون: إقرأ سورة كذا سبعين مرة، أو مائة مرة، أو أسبوعاً كاملاً؟ وخذ هذه الأرقام أو الأحرف التي ليس لها معنى مفهوم ثم يضللون بذلك الناس. وهناك أسلوب آخر ظهر الآن في القنوات وهو أن يصف علاجاً قرآنياً، ثم يطلب من المتصل الاتصال بعد الحلقة لوصف علاج آخر.
يا مؤمنون: كل ذلك تلاعب على الناس واستخفاف بهم، وإلا فإن العلماء أبانوا لنا علامات يعرف بها الساحر ويدركها كل واحد منا. فإذا سألك عن اسم أمك فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا أمرك ألا تذكر الله، وألا تقول (باسم الله) عند العلاج فاعلم أنه ساحر، وإذا أخبرك بأمر غيبي كأن يخبرك عن مكان سكنك وحالتك وبعض أثاث منزلك فاعلم أنه ساحر. وإذا أعطاك ورقة وفيها آيات قرآنية وفي الورقة رسومات ومربعات وحروف مقطعة فاعلم أنه ساحر يخاطب بها الجن. وإذا رفع صوته ببعض الآيات وخفضها عند الطلاسم غير مفهومة ولا المعلومة فاعلم أنه ساحر. وإذا أخذ أثراً من آثار المريض كالملابس أو الشعر فاعلم أنه ساحر. وإذا طلب حيواناً معيناً ليُذبح بدون تسمية فاعلم أنه ساحر. وإذا أمرك أن تعتزل الناس في غرفة لا شمس فيها فاعلم أنه ساحر. وإذا طلب من المريض ألا يمس الماء مدة معينة فاعلم أنه ساحر. وإذا أعطاك أوراقاً تُحرقها أو تتبخر بها فاعلم أنه ساحر.
يا مؤمنون يأهل التوحيد والعقيدة: والله إن الحلال بين والحرام بين (فماذا بعد الحق إلا الضلال)[يونس: 32].
يا مؤمنون: لا يحل لكم الذهاب إليهم ناهيكم عن تصديقهم، ولا يحل لكم الاتصال عليهم، ولا مشاهدتهم حتى ولو كان على سبيل التفرج والاستبصار والتسلية فالسلامة لا يعدلها شيء.
يا مؤمنون: إن الله لم يجعل شفاء العباد فيما حرمه عليهم، وإن الله أبان وأوضح لنا الداء والدواء (فمن تعلق بشيء وُكل إليه) [رواه أبو داود]º ولقد جعل الله الدواء والشفاء في كتابه العزيز وبهدي سيد المرسلين (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: 82].
عباد الله: خير طريق لعلاج الأسقام والأمراض والهموم والسحر هو الوقاية والحصانة قبل ذلك (فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين)[يوسف: 64]. (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة)[الأنعام: 61]. فالعمل على تحقيق التوحيد وعدم الإخلال به أعظم حافظٍ, بإذن الله. من حافظ على الفرائض فهو في حفظ الله وذمته (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله) [صحيح الجامع]، (ومن نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك) [صحيح الجامع]. وفي الحديث المتفق عليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استجنح الليل يعني أقبل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ...) [متفق عليه].
اعلموا يا مؤمنون: أن الشيطان لا يمكن أن يتسلل ولا أن يتسلط إلى على من ضعف إيمانه وقلّ توكله على ربه (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)[النساء: 76]. (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطانه الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)[النحل: 100]. من حافظ على أذكار الصباح والمساء وآية الكرسي لم يصبه بلاء ولا شر ولا مكروه بإذن الله. ومن قرأ (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه... )[البقرة: 285]. (من قرأهما في ليلة كفتاه) [صحيح سنن أبي داود] يعني من كل شر. وهناك آيات وأدعية خاصة لمن ابتلي بالسحر أرشدنا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنها: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فهو على كل شيء قدير)[الأنعام: 17]. (وقال ربكم ادعوني استجب لكم... )[غافر: 60].
يا مؤمنون: احذروا إتيان السحرة والكهنة والمشعوذين ولا تغرنكم الدعايات الكاذبة، فالمسألة جدّ خطيرة، المسألة عقيدة وإيمان أو كفر، فاتقوا الله معاشر المؤمنين والجأوا إلى الله في كل ما تأتون وتذرون فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد