التحذير من السحر وأهله


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملخص الخطبة

 1- تحريم السحر. 2- خطورة السحر وضرره. 3- واجب المصاب بالسحر. 4- التحذير من معالجة السحر بالسحر. 5- تحريم إتيان السحرة والمشعوذين. 6- نصيحة للرقاة. 7- التحذير من الاغترار بما ينشر في الصحف والمجلات من الأبراج والطوالع. 8- علم النجوم. 9- حرمة دم المسلم.

 

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسِي بتقوَى الله - جل وعلا -، فبها الخلاص من الفتن والمخرجُ من المحَن، (َمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا) [الطلاق: 2].

 

أيٌّها المسلِمون، من أصولِ القرآنِ والسنَّةِ تحريمُ السِّحرِ وتعلٌّمِه وتعليمِه وتعاطيه واستعمالِه، يقول ربٌّنا - جل وعلا - محذِّرًا من السحرِ ومُقارفَتِه: وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ.

 

ومَن وَقَعَ في السحر وقَع في شرٍّ, عظيمٍ, وخُسرانٍ, مُبينٍ, وضَرَر جَسيمٍ,، يقول ربٌّنا - جل وعلا -: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ, إِلاَّ بِإِذنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرٌّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِمُوا لَمَن اشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ, وَلَبِئسَ مَا شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) [البقرة: 102].

 

السِّحرُ تَعلٌّمًا وتَعلِيمًا وتَعاطِيًا واستِخدَامًا سَببٌ للطَّردِ مِن رَحمةِ الرّحمنِ الرَّحيم والوُقوعِ في نِقمةِ العَزيزِ الحكيمِ، يقول ربٌّنا - جل وعلا -: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِن الكِتَابِ يُؤمِنُونَ بِالجِبتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُم اللَّهُ وَمَن يَلعَن اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [النساء: 51، 52]. قال عُمَر الفاروقُ - رضي الله عنه -: (الجِبتُ هوَ السِّحرُ، والطّاغوتُ هوَ الشّيطانُ).

 

ممارَسَةُ السحرِ ـ يا عباد الله ـ والوقوعُ فيه سببٌ للوقوع في الهلاك العظيمِ، يقول سيِّدُ الخلق في الحديثِ العظيمِ: ((اجتَنِبوا السبعَ الموبقات))، ثم ذكر منها السحر. متفق عليه.

 

السحرُ ـ أيها المؤمنون ـ عظيمُ الخطَرِ عَلَى الدّينِ، كبيرُ الضَّررِ على عقيدةِ المسلمين، أخرج البزّار بإسنادٍ, جيّد عن النبي أنه قال: ((ليسَ منّا من تطيَّر أو تُطيِّر، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له)) الحديث.

 

أيّها المسلمون، ومن ابتُلِي بالسِّحرِ في نفسِه فعليهِ التّعلٌّق بالله - جل وعلا - وحدَه والاعتمادُ عليه في كشفِ الآلام والأسقامِ، فهو الذي إليه وحدَه المفزعُ وإليه الملجأ، فمن توكَّل على اللهِ والتَجَأ إليه بصدقٍ, وانقَطَع إلى جنابِه كفاه ووقاه وحفِظَه وحماه. ثم على من ابتُلِي بشيءٍ, من ذلك عليهِ بالرقية الشرعية بما ورَد في كتاب الله وسنّةِ رسول الله، خاصّةً قراءة سورَةِ البقرة كامِلة وفاتحة الكتابِ والإخلاص والمعوّذَتين والآيات الواردة في السّحر.

 

أيّها المسلِمون، حصِّنوا أنفسَكم بالأورادِ المأثورَةِ، فهي حصنٌ حصين وحِرزٌ أمين بإذنِ الحيِّ القيّوم، كأَوراد الصباحِ والمساءِ وأدعيةِ الدّخول والخروج وأدعيةِ النّوم والاستيقاظ، وهي مذكورةٌ في كتبِ الأذكار المبثوثةِ في مكاتبِ المسلِمِين.

 

والحذَرَ الحذرَ ـ أخي المسلم ـ مِن معالجة السحر بسحرِ الساحر أو الذّهاب إلى السحرةِ والمشعوِذِين بزعم حلِّ هذا السحرِ، فذَلِك أمرٌ محرَّمٌ في الدين ومنهِيُّ عنه عندَ علماء المسلِمين المحقِّقين، روَى جابرٌ أنَّ النبيَّ سئل عن النٌّشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان)) رواه أحمد بسند جيّد، ورواه أبو داود وحسّن الحافظ إسناده. وقال: سئل أحمد عنها فقال: \"ابنُ مسعود يكرَه هذا كلَّه\".

 

قال ابن الجوزيّ - رحمه الله -: \"النٌّشرة حلٌّ السحرِ عنِ المسحور، ولا يكادُ يقدِر عليهِ إلاّ مَن يعرِفُ السِّحرَ\". ورُوِيَ عن الحسنِ أنه قال: (لا يحلّ السحر إلا ساحر) ذكره ابن الجوزيّ. وقال ابن القيِّم - رحمه الله -: \"النٌّشرة حلٌّ السحر عن المسحور، وهي نَوعان: حلُّ بسحر مثلِه، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمَل قول الحسَن، فيتقرَّبُ الناشر والمنتَشِر إلى الشيطان بما يحبٌّ، فيبطل عمَلَه عنِ المسحور، والثاني ـ أي: النوع الثاني ـ: النشرةُ بالرقية والتعوٌّذاتِ والأدويَة والدعوات المباحة، فهذا جائز\".

 

أيّها المسلمون، ومن المحرَّمات بالدين إتيانُ السحرة والمشعوِذين وتصديقُ الكَهَنة والعرّافين والاغترارُ بالرّمَّالين والدّجّالين، عن أبي موسى قال: قالَ رَسول الله: ((ثلاثةٌ لا يدخُلُون الجنّةَ: مدمِن الخمر، ومصدِّقٌ بالسّحر، وقاطع الرّحِم)) والحديث صحيح. قالَ الشّيخ عبد الرحمن بنُ حَسَن - رحمه الله -: \"أي: مصدّقٌ بالسِّحر مطلقًا، ومنه التنجيم\".

 

ورَوَى مسلم عن النبيِّ أنه قال: ((من أتى عرَّافًا فسَأَلَه عن شيءٍ, لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين ليَلة))، قال في فتح المجيد: \"وظاهرُ الحديث أنَّ الوعيدَ مرتَّب على مجيئه ـ أي: السّاحر والعرّاف ـ وسؤالِه، سواء صدَّقَه أو شكَّ في خَبره\" انتهى.

 

وقد جاء في حديثٍ, آخر عن النبيِّ من حديثِ أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ قال: ((مَن أتى عَرّافًا أو كاهِنًا فصدَّقَه بما يقولُ فقد كفَر بما أُنزِل على محمّد)) رواه أحمد وأبو دَاود، وصحّحه غيرُ واحد من المحققين. وروى أحمد أيضًا والبيهقيّ والحاكم وقال: \"صحيح على شرطهما\" عن النبي أنه قال: ((مَن أتى عرّافًا أو كَاهنًا فصدَّقه بما يقول فقَد كفر بما أنزِلَ على محمّد)) وهو صحيح أيضًا عند المحقِّقين من أهل العلم.

 

وقد نصَّ أهلُ العلم على أنَّ من يصدِّق الكاهن في علمِ الغيبِ ويعتقِد ذلك وهو يعلَم أنّه لا يعلم الغيبَ إلاّ الله فهو كافِر كُفرًا أَكبر مخرجًا عن الملّةº لأنّه مكذِّبٌ بالقرآن القطعيّ بأنه لا يعلَم الغيبَ إلاّ علاّم الغيوب.

 

يا مَن تصدَّرتم للرقيةِ الشرعيّة، اتَّقوا الله - جل وعلا -، واعلموا أنكم مسؤولون أمامَ الله - سبحانه -، فإيّاكم وإدخالَ الوهمِ على الناسِ وإيقاعَهم في الوساوس والأوهامº بالجزمِ بأنَّ هذا بِه عينٌ، وهذا بِه سِحر، وهذا بِه مسُّº لمجرَّدِ أعراضٍ, عرَضَت أو أمورٍ, تُوُهِّمَت، واكتفوا ـ يا رعاكم الله ـ بالرقيةِ الشرعيّة من القرآن والسنّةِ، فالقرآن كلُه شفاء كما أخبر بذلك المولى - جل وعلا -: (قُل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)* [فصلت: 44].

أقول هذَا القولَ، وأستغفِر الله لي ولَكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانه، وأشهَد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ لَه تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله - جل وعلا -، فهي وصيّة الله للأولين والآخرين.

أيّها المسلمون، ومما افتتن به بعضُ الجهَلةِ ما يحصل في بعض الصّحُف والمجلاّت ووسائل الإعلام ما يُعرف بالطّالِع أو النّجم، ثم اعتقاد أن هذا من أسبابِ الوقائع والحوادِثِ، ورسولُنا قد حذَّر من ذلكَ أشدَّ الحذَر، ونهى عنه النّهيَ الكبير، فمِن ذلك ما وَرَد عن ابنِ عبّاس - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رَسولُ الله: ((مَن اقتَبَسَ شعبةً من النجوم فقد اقتَبَسَ شعبةً من السحر، زاد ما زاد)) والحديث صحّحه النوويّ والطبرانيّ والذهبي.

 

وعلم النجومِ عند أهلِ العِلم المحقِّقين علمان:

علم يعرَف به سَيرُها ومَدارها ومنازِلها وأبعادُها وأحجامُها، وهذا هو عِلم الفَلَك، لا بأسَ بتعلٌّمه والعمل به، ممّا يسمَّى عند أهل العلمِ بعلمِ التَّسيير، وهو ما يُستَدَلّ به على الجهات والأوقاتِ، فهَذَا جائِزٌ.

 

وعِلمٌ وهو النَّوعُ الثّاني يُعرَف بالعِلمِ الرّوحَانيّ، يَزعمون به كذِبًا أنه معرِفَةُ روحانيّة النجوم والكواكِبِ وتأثيرها في الأرض ومَن عليها بالأمراضِ والحروبِ والضِّيق والسَّعَة والسعادة والشقاوة عند اقتِران كذا من النّجوم والكواكب بكذا، ولهم في ذلك ما يسمّونَه بالطالع، يعمَلونَ جَداولَ بالحوادِث التي ستحدُث من حوادثَ عامّة وخاصة، وهذا النوع من السِّحر المحرَّم ومِن استخدام الشياطين والقول على الله بلا علمٍ, من علم التنجيم المحرَّم، ومَن اعتقد أنّ هذه النجومَ هي المدبِّرة للأمور أو أنَّ لها شِركًا مع الله - جل وعلا - فذلك كفرٌ مخرِج عن الملّة والعياذ بالله.

 

أيّها المسلمون في كلِّ مكان، من الخزيِ والعارِ أن تُحِكمَ المادّةُ سَيطَرَتَها على قلوبِ أبناء بعضِ المسلمين، حتى آل الأمر بهم ـ وهو أمرٌ محزن ـ أن يرفعَ المسلم السلاحَ على أخيه المسلم، كما نسمَعُه في وسائل الإعلام في بعض بقاعِ المسلمين، فأين هؤلاء من أعظَمِ هدفٍ, أراده الإسلام وأرادَ تحقيقَه بين المسلمين بقوله - جل وعلا -: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ [الحجرات: 10] وبقوله: ((المؤمن للمؤمن كالبنيانِ يشدٌّ بعضُه بعضًا)).

 

إنَّ دمَ المسلِمِ عظيمُ الحرمة عند الله - جل وعلا -، وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، ورسولُنا يقول: ((كلٌّ المسلم على المسلم حرامٌº دمه وماله وعرضه))، ويحذِّر أشدَّ التحذير من ذلك فيقول: ((من حمَل عَلينا السلاحَ فليس منّا)) رواه البخاري، وفي الحديثِ الصحيح: ((إذا تواجَهَ المسلِمان بسيفهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار))، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: ((إنه أرادَ قَتلَ صاحِبِه)).

ثم إنَّ الله - جل وعلا - أمَرَنا بأمرٍ, عظيم، ألا وهو الصلاةُ والسّلام على النبيِّ الكريمِ.

 

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا ونبيِّنا وقدوتِنا نبيِّنا محمّد، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمّة المهديِّين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply