اقض على التأجيل


بسم الله الرحمن الرحيم

 

كم نرغب بإنجاز أعمال كثيرة ولكننا نؤجلها دائماً إلى غد فنؤجل العمل ونسوف، وسوف - كما قال أحد الصالحين - جند من جنود إبليس. ولذا تمر الأيام والشهور ولم نحقق ما أردنا بسبب سوف، وللقضاء على سوف وخصوصاً إذا كان لديك عمل مشروع كبيرº فهنا عليك:

 

أولاً: أن تقسم هذا المشروع إلى أجزاء صغيرة.

 

ثانياً: اعمل برنامجاً زمنياً لتنفيذ أول جزء من هذا المشروع.

 

ثالثاً: ابدأ مباشرة في العمل.

 

ستلاحظ بعد فترة من الزمن كم هو أمر سهل عمل هذا المشروع، فلن تعرف الملل ولا الإرهاق إذا قسمت المشروع إلى أجزاء صغيرة مع مدى أطول، ولكن هنا شرط ضروري ومهم وهو التقييد بالوقت أو الحصة الزمنية المقررة لهذا البرنامج، فاحرص على الالتزام بالوقت بقدر المستطاع حتى وإن وجدت رغبة ونشاط في الاستمرار فيفضل عدم الاستمرار لأن استمرارك في العمل يعني أخذ الحصة الزمنية من المشروع اللاحق، وهذا يسبب تداخلاً في الواجبات، وإخفاقاً في بعض الواجبات الأخرى، فينبغي أن يكون النجاح ليس في مشروع واحدº بل يمتد هذا النجاح إلى جميع أعمالك اليومية، ولن يتم هذا إلا بالتقييد ببرنامجك اليومي بقدر المستطاع. إن تأجيلك للعمل بدون مبرر يعني قتل الوقت، وتثبيط الهمة، فالتأجيل عقبة كأداء في طريق بناء الذات.

 

هناك عدة أسباب للتأجيل:

 

أولاً: الخوف من الإخفاق:

فالشعور بالإخفاق وعدم النجاح يسبب تأجيل العمل والتهرب منه، ومحاولة إيجاد المعوقات التي تمنع من الاستمرار في العمل، ويزداد هذا الخوف إذا كان هناك تقييم للعمل من الآخرين، فيبدأ في تأجيل العمل حتى يضيق الوقت، وهنا يقول: إن الوقت غير كاف، وذلك بدلاً من أن يعلن إخفاقه وعجزه عن أداء العمل إذ يجعل الوقت غير كاف لإنجاز ما كلف به.

 

والخوف من الفشل والسقوط قد يكون موجوداً، ولكنه يكون مشكلة إذا منع من العمل والمضي قدماً لتحقيق الهدف. ومن الطرق التي نتعامل فيها مع الخوف هو النظر إلى منبع هذا الخوف هل هو مبني على أساس صحيح وتفكير منطقي مقبول أم أنه مجرد أوهام وافتراضات ليس لها أساس من الصحة. فإنك لو رجعت إلى مشاعرك وتأملت جيداً هذه المخاوف تجدها في الغالب عبارة عن أوهام اختلقتها نفسكº فاقض على هذه الأوهام ولا تلتفت إليها، أما إذا تبينت لك صحة هذه المخاوف، وأنك لن تكون قادراً على إنجازك مشروعك فيمكنك أن تأجل هذا المشروع لوقت آخر تكون الأسباب التي منعتك قد زالت، ولكن احرص على التأكيد على الإيجابيات التي لديك، وأنك قادر على عمل هذا المشروع.

توكل على الله - عز وجل - وخذ بالأسباب المنطقية ولا تجعل الخوف يسيطر عليك ويقود سير حياتك، واسأل نفسك دائماً: ماذا يحدث لو أخفقت؟ عند إجابتك عن هذا السؤال سوف تجد أن الأمر بسيط لا يحتاج كل هذا الخوف.

 

ثانياً: الملل والسآمة:

كثير من الأحيان لا يستطيع الشخص أن يمكث فترة طويلة من الزمن مع مشروع ما، إذ سرعان ما يعتريه الملل والضجر، فهو قد يكون تربى على التنقل من عمل إلى عمل آخر، أو من بحث إلى بحث آخر، وفق الرغبات النفسية المتقلبة لديه. وهذا ناتج من سوء تربية، وعدم وجود الجلد والصبر والذي يعتبر مطلباً أساساً في نجاح أي عمل أو مشروع ذي قيمة.  

وللتغلب على هذه المشكلة عليك أن تمرن نفسك على الصبر والتصبر وفي الحديث 'ومن يصبر يصبره الله([1][1])' فالأمر اكتسابي، ومن الأمور المساعدة لذلك جعل الحصة الزمنية في البداية قليلة للأمور التي تضجر منها ثم ابدأ بزيادة الوقت تدريجياً وبهذا لن تصاب بالملل، اجعل ما تراه عملاً مملاً في الأوقات التي تشعر فيها بالارتياح النفسي، قسّم المشروع إلى أجزاء صغيرة فمثلاً لو كان مشروعك قراءة كتاب مهم ولكنه يصاحبك الملل فجزئه إلى أيام متعددة.

 

ثالثاً:عدم وجود الرغبة في هذا المشروع:

إقحام النفس في عمل لا تريده نتيجة حتمية ألا يكون هناك إبداع في أداء هذا العملº بل الغالب أن يصاحب هذا العمل التسويف والتأجيل، ولهذا احرص أن تحب العمل الذي تقوم به فهي نقطة أساسية لإتمام المشروع، وركيزة أساسية للاستمرار والإبداع، ابحث في هذا العمل عن الإيجابيات لكي تكسبك التشجيع المعنوي حتى تنجز عملك، مارس أعمالاً أخرى تحبها لكي يخف الضغط الذهني لديك.

ابحث عن الحافز، فالحافز والدافع للعمل أمر مهم لطرد الملل والسآمة، وهناك عدة طرق للتشجيع والتحفيز منها على سبيل المثال معرفة الأشخاص الناجحين والالتصاق بهم، ادرس شخصياتهم وتعرف على صفاتهم وكيفية مواقفهم تجاه الأحداث والأشخاص، فصحبة القدوات لها أثر كبير في تغيير السلبيات إلى إيجابيات، وكذلك انظر إلى الأشخاص الذين تكره أن تكون مثلهم، وادرس عاداتهم السلبية وتجنبها، تعلم من الطرفين لتبني ذاتكº ولكن ركز على الأشخاص الإيجابيين، اتخذ صديقاً معيناً لك في إنجاز أهدافك، اظهر له أهدافك وطموحاتك، دعه يشاركك في التخطيط لتحقيق ما تصبو إليه، كن قريباً منه حتى إذا ضعفت عزيمتك وتسلل إليك الكسل أخذ بيدك إلى النشاط والقوة، اجعله رفيق دربك فالسير وحيداً في صحراء الغربة يشعر بالوحشة والخوف من المسير قدماً.

 

رابعاً: صعوبة العمل أو المشروع:

وهذه نتيجة الاختيار السيئ منذ البدء، فالإنسان لا بد أن يعرف قدراته وإمكانيته المتاحة وواقعه، ويتعامل وفق هذه المعطيات التي لديه، فالمبالغة في أخذ مشاريع أو أبحاث أكبر من طاقة الشخص في الغالب أنها تبوء بالفشل، فالتدرج في الأبحاث والمشاريع أمر أساس وضروري، إذ إن المشاريع الضخمة والكبيرة تعتمد على تراكم من الخبرات والتي يكتسبها من مشاريع صغيرة وهي مقدمات لمشاريع ضخمة.

 

أساطير حول جدولة الوقت:

كثير من الناس يظنون أن تنظيم الوقت يجعل الوقت مملاً، ويصعب التعامل مع الأشياء بمرونة مما يعقد الحياة، ويفقد المتعة، وهذا وهم كبير وخطير، وهو خوف مبني على غير أساس تجريبي أو علمي، وإنما تبرير نفسي للتفلت وعدم ضبط النفس، وللقضاء على هذه الإشكالية اجعل التعامل مع الوقت أقل حزماً وشدة فاستخدم عبارات الإمكان والاستحسان، فيجدول البرنامج مثلاً بعبارة:  

يفضل عمل كذا، ويستحسن القيام بكذا... وهكذا حتى لا تشعر بالضغط النفسي في التقيد بالجدولة الوقتية، ثم إذا رأى الشخص نفسه قد قويت قليلاً يستخدم العبارات الإلزامية في بعض الأحايين مثل: يجب القيام بكذا...،  

و مقولة: أن الأشخاص المنظمين لأوقاتهم لا يجدون متعة في أوقاتهم، وهم في حالة شد عصبي وهم وقلق وخوف، الحقيقة أن العكس هو الصحيح، فأكثر من يتمتع بالأوقات بدرجة عالية هم المنظمون لأوقاتهم، فهم أولاً ينجزون أهدافهم، ويحققون طموحاتهم، وهم في الغالب لا يبحثون عن شيء يؤدونه ليقضون فيه أوقاتهم، فلا تشكل لهم كيفية قضاء الوقت إشكالية، فماذا أعمل في العصر؟ وأين أقضي هذه الليلة؟ وهكذا.. لا توجد هذه الأسئلة الدالة على الضياع والتيه في قاموسهم، وهذه قمة المتعة.  

 

فقدان الثقة بالذات:

 يعتقد بعض الناس أن تنظيم الوقت أمر متعذر بالنسبة إليه، فهو ليس لديه القدرات والإمكانيات التي تجعله ينظم وقته، فتنظيم وجدولة الوقت مخصوص بفئة معينة من الناس، وخصوصاً في هذا العصر فالواجبات كثيرة، ومتطلبات الحياة في ازدياد.

والحقيقة أن العكس قد يكون هو الصحيح، وأن فئة من الناس لا تستطيع أن تجدول وقتها كالجاهل والمريض، أما أكثر الناس فهم قادرون على تنظيم أوقاتهم، فتنظيم الوقت هو مسألة قرار ثم تتخذ الوسائل والطرق المعينة إلى تنظيم الوقت، وقد يكون هناك ضغوط خارجية تمنع من استغلال الوقت ولكن ببعض التأمل والتفكر في هذه العوامل الخارجية وإيجاد نوع من الترتيب والتحكم تستطيع أن تتجاوز هذه المقاطعات والصوارف، وقصة ابن الجوزي وكيفية استثماره للوقت مع وجود القواطع يدل على تعلمه كيفية العمل برغم هذه القواطع، إن محاولة القضاء على الشواغل أمر متعذر ولكن تقليلها وكيفية التعامل معها أمر ممكن، وهنا يحسن الإطلاع على بعض المؤلفات التي تبرز أهمية الوقت وكيفية التعامل معه.  

الإفراط في التعقيد:

فتنظيم الوقت لدى البعض يعني جدولة كل دقيقة يومياً والتقيد بها، وهذا مفهوم خاطئº بل يعسر تطبيق ذلك، فكثير من الأحيان لا تسير الأمور وفق ما نريد، فتأتي بعض الأحداث اليومية ليست على بالنا كما قال الله - تعالى - (يَسأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ كُلَّ يَومٍ, هُوَ فِي شَأنٍ,) (الرحمن:29)º وإنما المقصود من الجدولة هو أن يكون يومك مليء بالعمل المثمر، بدون ضغط أو إجهاد، مع إنه لا بد أن يكون في الجدولة أوقات قليلة تترك عفوياً حتى لا تصاب بالملل والسآمة.  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply